«اللاجئون الفلسطينيون في لبنان: الحقوق الإنسانية والمخاوف السياسية»
لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني 2014–2021
(دار سائر المشرق، الطبعة الأولى، 2025)
كتب عصام الحلبي
ملاحظة تمهيدية
تعتمد هذه القراءة على نصوص الكتاب بشكل أمين، مستندة إلى وثيقة الرؤية اللبنانية الموحدة (2016–2017)، وإلى نتائج التعداد الرسمي للسكان والمساكن في المخيمات والتجمعات الفلسطينية (2017)، دون اجتزاء أو تحوير، في سبيل فهم علمي وإنساني متكامل للسياسات المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
أولًا: أهمية الكتاب ومنهجيته
يُشكّل هذا العمل خلاصة سبع سنوات من الجهد المؤسسي الذي قادته لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، برئاسة الوزير حسن منينمة. وهو ليس مجرد توثيق لأعمال اللجنة، بل يُقدّم رؤية استراتيجية ومقاربة إصلاحية واقعية لقضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
يمزج بين التحليل السياسي الدقيق والإدارة المؤسساتية الشفافة، ويؤسس لبناء سياسات عامة تُراعي حقوق الإنسان، وتحمي في الوقت ذاته السيادة اللبنانية وهواجسها المشروعة.
ثانيًا: وثيقة الرؤية اللبنانية الموحدة – مرتكزات وطنية
في 19 تشرين الأول 2016، وُقّعت وثيقة الرؤية اللبنانية الموحدة، ثم أُقرّت بمرسوم جمهوري في 27 نيسان 2017. تضمنت الوثيقة مقاربة متوازنة للملف الفلسطيني، يمكن تلخيصها بالنص التالي:
"تحسين أوضاع اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية وتمكينهم من حقوقهم الأساسية لا يتناقض بأي حال مع سيادة لبنان ورفض التوطين كمُسلمة إجماع لبناني، ومع حق العودة إلى الأرض التي تم اقتلاعهم منها."
وترتكز الوثيقة على مبدأ أن:
"المصلحة الوطنية العليا تحتّم بناء سياسات عامة تحفظ للبنان سيادته، وللفلسطينيين حقوقهم، وتحدد واجباتهم في إطار القوانين النافذة."
وتهدف إلى خلق إجماع وطني حول هذا الملف، بما يدفع نحو سياسات عقلانية وتطوير جدي للقوانين والخدمات.
ثالثًا: من الرؤية إلى التنفيذ – إنجازات اللجنة
يرصد الكتاب خطوتين محوريتين شكّلتا اختراقًا حقيقيًا:
1. إصدار وثيقة الرؤية اللبنانية الموحدة – ولأول مرة بموافقة معظم الكتل السياسية اللبنانية.
2. تنفيذ التعداد السكاني الشامل (شباط–تموز 2017)، بالشراكة مع إدارة الإحصاء المركزي اللبناني وجهاز الإحصاء الفلسطيني، في 12 مخيمًا و156 تجمعًا.
وأكد الوزير منينمة أن هذه الخطوات عكست:
"إرادة لبنانية - فلسطينية مشتركة لتجاوز الانقسام السياسي والانطلاق نحو مقاربة تشاركية تُعيد بناء الثقة."
رابعًا: نتائج التعداد – الواقع الرقمي بدل الفرضيات
أظهرت نتائج التعداد ما يلي:
العدد الكلي للاجئين174,422 لاجئًا
نسبة التغطية97.7٪
نسبة تجاوب الأسر96.7٪
متوسط حجم الأسرة4 أفراد
أسر مختلطة4,926 أسرة
نسبة الأمية7.2٪
نسبة البطالة العامة18.4٪
بطالة الشباب (15–19 عامًا)44٪
بطالة الفئة (20–29 عامًا)29٪
التوزيع الجغرافي:
صيدا: 35.8٪
الشمال: 25.1٪
صور: 14.7٪
بيروت: 13.4٪
الشوف: 7.1٪
البقاع: 4٪
أماكن السكن:
داخل المخيمات: 51.2٪
تجمعات محاذية: 18.2٪
تجمعات أخرى: 30.6٪
هذه المعطيات تمثل مرجعًا رسميًا للمرة الأولى، بعدما ظلت أرقام اللاجئين عرضة للمبالغات والتجاذبات السياسية.
خامسًا: تحليل دلالات التعداد – نحو سياسات عقلانية
أبرزت نتائج التعداد ما يلي:
الابتعاد عن خطاب التخويف: الأرقام الواقعية تُسقط الذرائع التي رُوّجت لتقييد الحقوق.
قاعدة بيانات دقيقة: تسمح للدولة بتطوير سياسات سكانية واقتصادية عادلة.
نقطة تحول في العلاقة اللبنانية-الفلسطينية: الانتقال من التعامل الأمني إلى الشراكة المجتمعية.
يشير الكتاب بوضوح إلى أن "الاستقرار المجتمعي يبدأ من العدالة الاجتماعية"، وأن إنكار الحقوق الأساسية يفاقم الهشاشة ويُضر بالمصلحة اللبنانية والفلسطينية معًا.
سادسًا: التوصيات العملية – بين السيادة والكرامة
يركز الكتاب على فصل الحقوق الإنسانية عن الهواجس السياسية. ويقترح الخطوات التالية:
1. تعديل القوانين التمييزية في سوق العمل.
2. السماح بامتلاك السكن وفق ضوابط لا تمسّ بالسيادة.
3. تعزيز الدمج الخدماتي في الصحة والتعليم والبنى التحتية.
4. اعتماد نتائج التعداد كأساس للسياسات الرسمية.
5. إطلاق حملات إعلامية واعية لكسر الصورة النمطية.
ويؤكد أن:
"رفض التوطين راسخ ومُجمع عليه، لكن الحقوق الإنسانية لا تتناقض معه، بل تعزّز الثبات الفلسطيني المؤقت في لبنان تمهيدًا للعودة."
خلاصة تنفيذية شاملة
وثيقة الرؤيةتوازن بين السيادة وحقوق الإنسان – مع رفض التوطين ودعم حق العودة.
التعداد السكاني174,422 لاجئًا – بيانات دقيقة تساعد على التخطيط السليم.
الحقوق الإنسانيةضرورة قانونية ومجتمعية تشمل العمل، التملك، الصحة، التعليم، والكرامة.
الموقف الفلسطيني رفض التوطين نابع من التمسك بالهوية والعودة، لا من رغبة في التهجير الدائم.
التوصيات
إصلاح تشريعي، خدمات مندمجة، سياسات قائمة على المعطيات، إعلام مسؤول.
وهذا يقودنا الى الخلاصة التالية :
يشكّل كتاب الوزير حسن منينمة مرجعًا نوعيًا في مقاربة الملف الفلسطيني في لبنان، ينطلق من قاعدة حقوقية وإنسانية دون المساس بالثوابت الوطنية. إنه دعوة للعقلانية، للمسؤولية، ولإعادة تعريف العلاقة اللبنانية–الفلسطينية، من نظرة شك ونزاع مزمن إلى تعايش كريم، عنوانه: "الكرامة المؤقتة في انتظار العودة الدائمة."