كتب خالد الحج باحث لبناني
باستثناء الاحتلال الإسرائيلي، تبدو علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها من أقصى المحيط الأطلسي حتى البحر الأصفر كعلاقة الحب من طرف واحد، وحيث تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دور الرجل الذكوري السلطوي الأناني، فمن كاركاس إلى الربيع العربي مروراً بـ14 آذار في لبنان، صعوداً نحو سوريا والمسلحين الأكراد، وعودة إلى رجل أمريكا الأول في الشرق الشاه محمد رضا بهلوي، نزولاً عند السعودية والخليج العربي، ووصولاً عند كوريا الشمالية والصين وغيرها الكثير من المحطات التاريخية التي إن أثبتت شيئاً فهي تثبت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه حلفائها التي دائماً ما تنتهي بمشهد حلفائها الذين يجدون أنفسهم أمام حبل مشنقة أو منفيين أو في السجون. لتتفوق الولايات المتحدة الأمريكية بذلك في صياغة البيانات والتهديد، لكنها أصبحت تشبه اليوم الثور العجوز الذي يتغنى بطول قرونه وقوة عضلاته سابقاً لكنه يعاني حتى في الوقوف اليوم.
"عملية الخازوق"
يعتبر شاه إيران محمد رضا بهلوي المثل التاريخي الأبرز على سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع الحلفاء، فإمبراطور إيران الذي قدّم لواشنطن الغالي والنفيس، ونفذ سياستها في المنطقة واتبع تعليماتها، قاوم الإغراءات التي قدمها الاتحاد السوفييتي في سبيل إخلاصه لواشنطن، وعند الامتحان الحقيقي أرسل كبير مستشاري الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي رسالة دعم: "لا تقلق نحن معك ولن يستطيع أحد تحريكك من فوق كرسي الحكم. نحن نرتّب لكي يكون ابنك هو الحاكم القادم لإيران".
بعدها بساعات خرج من طهران هارباً، ليجدهم أقفَلوا جميع الخطوط في وجهه وضيقوا عليه البلدان، فلم يستطع حتى التواصل معهم، حتى أبناؤه مُنعوا من العودة إلى مقاعدهم الدراسية، والألم الأكبر -كما يقول محمد حسنين هيكل- أن الشاه اكتشف أن هناك اسماً رمزياً كانت تطلقه الولايات المتحدة الأمريكية على تحركاته في أوراق الإدارة الأمريكية ووثائقها، وأن هذا الاسم ألصق به منذ لحظة مغادرته لطهران. وعرف أن هذا الاسم الرمزي كان بالحرف "عملية الخازوق"، وحين وصل إلى مصر هارباً استقبله الرئيس المصري السادات والدموع في عينيه يقول: "لقد عرفت أنهم كانوا طول الوقت يسمونني الخازوق".
"قولي لواشنطن أن تكون قوية، وليس لي"
لبنان يعتبر من أبرز الساحات التي وقعت في الكثير من الأحيان تحت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، وتلقى حلفاؤها ضرباتها أكثر من خصومهم، فمن كميل شمعون الذي وجد نفسه سنة 1958 أن حليفته مع خروجه من الحكم أكثر من خصومه، وتوالى هذا النمط حتى التاريخ المعاصر، فمع اشتعال الساحة اللبنانية سنة 2008 في بيروت بما سيعرف لاحقاً باسم أحداث السابع من أيار، التي وقعت بين حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية "14 آذار" بأغلبيتهم النيابية والعددية، مقابل "8 آذار" حلفاء إيران.
وعندما اندلع القتال بين الطرفين وجد أقطاب 14 آذار أنفسهم بلا حول ولا قوة، حتى حليفتهم الأقوى في العالم لم تصدر بياناً إلا بعد أيام من القتال، وحتى حين صدر بيان جاء بصيغة لا ترقى للحدث وهو ما دفع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى انتقاد التعبير الذي استخدمه البيت الأبيض، وقال لسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية ميشيل سيسون في تسريبات ويكيليكس بلهجة ساخرة -حيث اكتفوا باستخدام "نأمل"-: "ما هذا؟ الأمل لن يردع سوريا".
ثم ثار على طلب السفيرة حين طلبت منه أن يكون قوياً فقال: "لا أعرف ماذا تنتظرون؟ قولي لواشنطن أن تكون قوية، وليس لي!"، وبعد أيام استطاع حزب الله تحقيق انتصار عسكري واستطاع فرض سياسته في اتفاق الدوحة، فيما عاد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية خاليي الوفاض.
"جعلوا مني كبش فداء"
لعل الرئيس الأفغاني السابق أشرف غني، المثال الأبرز على استخفاف الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها، الرجل الذي كاد يجد نفسه أضحيةً لانتصار طالبان، ويلقى مصير الرئيس الأسبق نجيب الله عام 1996 على حبل المشنقة.
استطاع غني أن يهرب تاركاً خلفه اتفاقاً بين طالبان والولايات المتحدة الأمريكية لم يعلم بتفاصيله إلا عبر مستشاريه الذين أخبروه بأن قوات طالبان على تخوم العاصمة، ووجد الجيش الأفغاني الذي كان يحرس القوات الأمريكية أن القواعد التي يحرسها فارغة وأنهم تُركوا لمصيرهم، وبعد أشهر من هروبه قال أشرف غني في تصريح صحفي: "جعلوا مني كبش فداء".
قد لا تكفي الحديثَ مجلداتٌ عن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه حلفائها، فمن الأكراد في سوريا والعراق مروراً بالربيع العربي من ليبيا وتونس ومصر وسوريا وغيرها، وصولاً إلى أوكرانيا اليوم هي السياسة نفسها، نفس الأسلوب، خطابات وعقوبات، يقف الرئيس الأوكراني كما وقف الكثير قبله، يجر خلفه آماله وأحلامه التي بناها على وعود الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية حتى قال: "تُركنا وحدنا والعالم يشاهد فقط".
قد يكون المشهد الأوكراني اليوم إيذاناً بتحول كبير للسياسة الدولية، والسؤال الأبرز اليوم كيف سيتصرف حلفاء أمريكا في تايوان والتي تبدو الصين تراقب التجربة الروسية وتتشجع لتجربتها الخاصة، كيف سيتصرف حلفاء الولايات المتحدة في كوريا الجنوبية والخليج العربي وغيرها من دول العالم.