وكالة النهار الاخبارية/عبد معروف
تعتبر فئة الشباب الفلسطيني في لبنان، قطاعا حيويا، ناشطا رغم المعاناة وطبيعة الأزمات التي يتعرض لها والتي تضاعفت خلال السنوات القليلة الماضية في إطار الظروف العامة التي تمر بها القضية الفلسطينية ويمر بها البلد المضيف، وما يتعرض له اللاجئون الفلسطينيون من مأساة داخل مخيماتهم وتجمعاتهم على امتداد الأراضي اللبنانية.
ونسبة الشباب هي القسم الأكبر من مكوّنات المجتمع الفلسطيني في لبنان، حيث تشكّل الفئات العمرية من 19-35 سنة نسبة 63 في المئة من مجموع اللاجئين الفلسطينيين. وتؤكد دراسات ومسوحات أن نصف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان دون سن الخامسة والعشرين، بينما تزيد نسبة من هم في الفئة العمرية (25- 29 سنة) على ثلث السكان.
كما تقدم تلك الدراسات والمسوحات الصادرة عن وكالة «الأونروا» ومنظمات شبابية، معطيات كمية وكيفية عن أوضاع الشباب الفلسطيني فيما يتعلق بمشكلات العمل والبطالة والفقر. وتكمن أهمية هذه المعطيات في تسليط الضوء باتجاه جذور المشكلات الأخرى المرتبطة بالأمراض الاجتماعية والنفسية وتلك المرتبطة بالهوية والتي لا يكتمل فهمها من دون الرجوع إلى جذرها الاقتصادي الاجتماعي.
وإذا كان قطاع الشباب الفلسطيني في لبنان، يعيش معاناة معقدة، منهم يعيش ظروفا أكثر مأساوية بسبب الحياة القاسية والظروف المعيشية وحالة الحصار والحرمان.
والمخيمات الفلسطينية بيئة مكتظة من الناحية العمرانية والسكنية، ومن المعلوم أن عدد سكان المخيمات تضاعف أربع مرات عما كان عليه عند أشهر اللجوء الأولى فيما بقيت مساحته كما هي ولم تتغير.
وفي دراسة لمؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد» في بيروت، بالتعاون مع جمعية الإسراء للتنمية الاجتماعية بينت أن طموحات الشباب الفلسطيني ليست خيالية، بل هي عادية جداً تراوح بين تعليم مناسب وعمل مناسب وتكوين أسرة وما إلى ذلك. ورغم واقعية هذه الطموحات العادية جداً، إلا أنها تبدو صعبة المنال في ظروفنا الحالية، ما يدفع الشباب إلى التفكير في الهجرة والسفر.
وحددت نسبة الذين يرغبون في تعليم مناسب بـ 18 في المئة والذين يطمحون إلى عمل مناسب 29 في المئة، والذين يطمحون إلى تكوين أسرة 12 في المئة. أما نسبة الذين يودون الهجرة والسفر فقد وصلت إلى 60 في المئة، وهي مرتفعة عموماً مقارنةً بباقي النسب.
وليس من السهل تشريح واقع الشباب الفلسطيني في لبنان وعمّا يواجه هذا القطاع من مشكلات اقتصادية واجتماعية ونفسية من دون الرجوع إلى طبيعة الأزمات والمعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون في لبنان بشكل عام، حيث التهميش الاقتصادي الذي يفرض قيوداً صارمة على حقهم في العمل وعلى الاستفادة من الضمان الاجتماعي؛ والتهميش المؤسسي الذي يستبعد الفلسطينيين من مؤسسات الحياة الاجتماعية والثقافية، فضلاً عن التهميش المكاني الذي حوّل المخيمات إلى جزر شبه معزولة عن محيطها السكاني ذات وظيفة محددة هي احتواء اللاجئين وخاصة الشباب بوصفهم مصدر خطر وتهديد محتملين للمجتمع المضيف.
وحددت الدراسة التي أطلقتها مؤسسة «شاهد» الحقوقية أبرز المشكلات التي يعاني منها قطاع الشباب الفلسطيني في لبنان، مثل الفقر والبطالة والاستبعاد من سوق العمل، وتقلص فرص التعليم وخاصة التعليم المهني والجامعي، والتمييز وأزمة الهوية والعلاقة مع الآخر (المجتمع المضيف) إلى جانب المشكلات النفسية الناجمة عن الإحساس بالاغتراب والحصار وانسداد الأفق وعدم اليقين بخصوص المستقبل (فقدان الأمل) بالإضافة إلى الأمراض الاجتماعية المرتبطة بحالة التهميش والحصار وانعدام الإحساس بالحماية والأمان الاجتماعي وغياب الإرشاد الأسري والمجتمعي (العنف، المخدرات، الجنس… إلخ). كذلك وقوع الشباب في فخ الادمان على المخدرات والتطرف الديني الذي تستثمر منظماته بيئة الفقر والحرمان في المخيمات في تجنيد الشباب.
من جهته، يستعرض صلاح صلاح مدير عام مؤسسة «أجيال» المعاناة التي يعيشها الشباب الفلسطيني في لبنان، وأكد أن هذا القطاع يعاني من أزمات اقتصادية وصحية ونفسية في إطار ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في لبنان منذ النكبة عام 1948. محملا الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية ووكالة «الأونروا» مسؤولية هذه المعاناة، مطالبا بإيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمات، وفي مقدمة هذه الحلول برأي صلاح صلاح، رفع الحصار عن الشباب وإيجاد فرص العمل وتأمين الحياة الكريمة في ظل مشروع وطني عام يقود حتما إلى رفع المعنويات وإبعاد حالات اليأس والاحباط، والحد من ظاهرة انتشار المخدرات، والهجرة غير الشرعية، والعمل على تنظيم صفوفهم وتأطير نشاطهم داخل منظمات شبابية فاعلة.
من هنا لابد من الإشارة إلى أن مشكلات الفقر والبطالة وتقلص فرص التعليم المهني والجامعي وفرص الالتحاق بسوق العمل والعلاقة بين مستوى التحصيل الدراسي وازدياد فرص الدخول إلى سوق العمل، قد دُرست في السنوات الأخيرة بشكل مقبول في الجامعات والمنظمة الدولية ومنظمات المجتمع الأهلي.
وإذا كانت نتائج هذه الدراسات قد أضافت للمكتبات معلومات وإحصائيات هامة، لكنها لم تشكل دافعا للمؤسسات والمنظمات المعنية لوضع مشاريع عمل، تؤدي إلى معالجة الأزمات والمشاكل التي يعاني منها الشباب الفلسطيني في لبنان.