لم يكسر الاجتماع الثلاثي (السعودي، الفرنسي الأميركي) في العاصمة السعودية صمت الرياض تجاه الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعيشها لبنان، وبات هذا الصمت أقرب إلى الحياد السلبي من المنظومة الحاكمة، والحياد الإيجابي من الشعب، فما يمكن وصفه بالصمت السعودي الثقيل يشكل حيرة للمرحبين والحذرين من أي دور قد تلعبه الرياض في المستقبل القريب أو البعيد في لبنان.
بيان السفيرتين الفرنسية آن غريو والأميركية دورثي شيا المبهم بعد لقائهما في الرياض، يؤكد أن المسافة ما بين بيروت والرياض لم تزل بعيدة، حيث اكتفتا بالقول إن بلديهما إضافة إلى شركاء آخرين يعتمدون توجها مشتركا يطالب الطبقة السياسية بتشكيل "حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة تكون ملتزمة وقادرة على تنفيذ الإصلاحات"، وهذا ما دفع الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله إلى التساؤل في مقاله حيث كتب معلقا "هل تعيد أميركا وفرنسا السعودية إلى لبنان؟"، هذا الأمر ليس أكيدا في ضوء رغبة ميشال عون في وضع كلّ العراقيل الممكنة في طريق تشكيل حكومة لا تكون خاتما في إصبع صهره".
بين أقلمة وتدويل الأزمة اللبنانية المحفوفة بمخاطر داخلية وخارجية، يواجه المجتمع الدولي عقدة المسألة اللبنانية بكل تشعباتها الطائفية وارتباطاتها الخارجية والاقتصادية وأعبائها على المواطنين، وما يزيد الطين بلة أن كل المشاريع الممكنة أو غير الممكنة التي يمكن أن يطرحها الخارج تراوح مكانها وتصطدم بتعنت منظومة الحكم، فتعزز قناعة جميع المعنيين بالوضع اللبناني باستحالة الوصول إلى حلول داخلية ولو مرحلية، إذا لم تقلم أظافر الطبقة السياسية كخطوة أولى نحو التغيير.
يبدو واضحا للجميع أن هذه الطبقة السياسية لن تتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، وهي مستعدة لهدم ما تبقى من الدولة ومؤسساتها، وستقف متضامنة بالدفاع عن أي طرف منها، لأنها تعلم علم اليقين أن سقوط طرف منها يعني أنها ستتساقط كحجارة الدومينو واحدا تلو الآخر، لذلك جاء موقفها حازما وصارما في موضوع الاستدعاءات التي وجهها القاضي بيطار في تحقيقات انفجار المرفأ.
جواب المنظومة على العدالة (القاضي بيطار) رسالة إلى المجتمعين في الرياض والذين سيجتمعون لاحقا في أي عاصمة أخرى من باريس إلى واشنطن وصولا إلى الفاتيكان، بأن المنظومة وخصوصا حزبها الحاكم ستضرب بعرض الحائط كل ما يمكن وصفه بالتوصيات أو المعايير الدولية من أجل المساعدة على تخفيف حدة الانهيار الأشبه (بالسقوط الحر) فقط، فكلام السيدتين غريو وشيا عن ضرورة قيام السلطة الحاكمة بإجراءات ملموسة لمعالجة عقود من سوء الإدارة والفساد ستكون حاسمة لإطلاق دعم إضافي من باريس وواشنطن والشركاء الإقليميين والدوليين لم تخترق آذان الطبقة السياسية الصماء.
الآذان السياسية الصماء ليست مرضا أصاب أصحاب القرار في لبنان، بل هو موقف استراتيجي يشي بخيار التشدد عما يمكن تسميته دفاعا عن النفس، والدخول في لعبة مراهنات على تراجع هذه القوى الإقليمية والدولية عن شروطها الصعبة والقبول بمساومة معقولة، تستند إلى أوراق القوة التي يمتلكها كل طرف بمنأى عن الأوضاع المزرية التي وصل إليها الشعب اللبناني.
حالة الإنكار التي تعيشها الطبقة السياسية واعتقادها بأنها لم تزل تحتفظ بالقدرة على قمع الناس أو تدجينهم طائفيا أو تخويفهم بالمؤامرة، وبأنها قادرة على الرد بالفوضى الأمنية على احتمالية مواجهتها لفوضى أهلية، واستخدام الفلتان الأمني لترهيب المعارضين، ولكن حسابتها الأمنية والسياسية لاحتواء أزمة معيشية لن تصمد أمام موجة الغضب المقبلة التي يصعب التكهن بشكلها أو حجمها أو موعدها.
عود على بدء، إلى لبنان الذي ينتظر أن يعلن المجتمع الدولي أنه دولة فاشلة، تبدو أن أزمته وتدويلها، تؤكد أن لا بد من خيارات شجاعة ومؤلمة من خارج الصندوق قد تساعد على إنقاذ ما تبقى منه.