النهارالاخباريه وكالات
منذ ظهور قوة وبطش سلاح الطيران، سعت الدول إلى قصف أعدائها في الحرب لإجبارهم على الاستسلام وتحطيم معنويات المدنيين لديهم. بحجة أنه عندما يتم دفعهم إلى نقطة الانهيار، فإن السكان سوف ينتفضون ضد حكوماتهم ليغيروا مواقفهم.
هذا الاستراتيجية الهمجية في الحرب كانت شائعة خلال الحرب العالمية الثانية، فحاول النازيون استخدام نفس الاستراتيجية فقامو بقصف لندن والمدن البريطانية بين عامَي 1940 و1941، ما أدى إلى مقتل حوالي 40 ألف شخص، رغم ذلك لم ينجح القصف في إجبار بريطانيا على رفع الراية البيضاء، إذ رفض رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، ونستون تشرشل، الاستسلام، بل استحضر صور الخسائر البشرية الناجمة عن القصف لحشد المجتمع حينها لتقديم المزيد من التضحيات لمواجهة النازيين. بمعنى أن تلك الاستراتيجية الهمجية لم تنجح في تحطيم الروح المعنوية، وبدلاً من ذلك حفزت بريطانيا على زيادة التنظيم مع حلفائها الأمريكان والسوفييت؛ لشن هجوم مضاد لغزو ألمانيا.
لنقرب المسألة بشكل أوضح، سنأخذ أمريكا بتاريخها الدموي في بعض الدول، حيث جربت هذا التكتيك أكثر من مرة، ولكن دون جدوى. فعلى سبيل المثال، خلال الحرب الكورية، قصفت أمريكا كوريا الشمالية بشكل عنيف ودمرت 90% من مصادر توليد الكهرباء فيها، وفي النهاية لم تنتصر. بينما في حرب الخليج، عطلت الهجمات الجوية الأمريكية 90% من توليد الكهرباء في العراق. لكن في أي من هذه الحالات لم تسقط نظام صدام حسين حينها عن طريق الضغط على المدنيين. وفي فيتنام أحدثت دماراً هائلاً كان النهاية الفشل أيضاً والانسحاب.
في الواقع، لم يحدث في التاريخ أن تسببت حملة قصف في قيام السكان المستهدفين بالثورة ضد حكومتهم، بل على العكس لم تسفر إلا عن إقناع المواطنين والمقاومة بالمحاربة بشكل أكثر كثافة من أي وقت مضى.
واليوم تواجه غزة نفس العقلية الهمجية بشكل أكثر توحشاً؛ نظراً لوضع غزة من حصار ومساحة جغرافية صغيرة، ويبدو أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لا يحرف تارييخ فلسطين فقط، بل يتضح أن لديه ذهنية مصممة على قراءة التاريخ حتى في الحرب بمنظوره الهستيري والشعبوي، إذ يستمر في قيادة عدوانه على غزة بالعقلية النازية خلال العالمية الثانية، إذ يستمر بكل عنجهية، بشن القصف الجوي والأحزمة النارية وإلقاء المتفجرات على المدنيين في غزة بأنواع متعددة بالأسلحة المحرمة دولياً، مهدداً الشعب الفلسطيني بالإبادة ليستسلم ويضغط على المقاومة للاستسلام.
تتضح هستيرية نتنياهو ونفسيته المضطربة مع كل يوم يمر من الحرب دون القضاء على المقاومة في غزة، فنجده يستخدم الأساطير الدينية في خطاباته لتبرير جرائمه في استهداف كل أشكال الحياة في غزة، ومرة أخرى نجده ينزع من التاريخ ما يناسبه عندما يحاول أن يبرر استهداف المدنيين، فنراه يشير إلى أن غارة جوية تابعة لبريطانيا كانت قد استهدفت مقر الجستابو في كوبنهاغن فأسفرت عن مقتل العشرات من تلاميذ المدارس.
يقع نتنياهو فريسة لعنجهيته حتى في قراءة التاريخ، فنجده لا يذكر أن أياً من التكتيكات القذرة ضد المدنيين بشكل جماعي لم تنجح فعلياً، إذ لم تثبت هذه الهمجية فاعليتها فلم تستطع في أن تضعف أبداً معنويات المدنيين أو تؤدي إلى انتفاضة ضد الحكام.
واليوم صمود أهل غزة بشعبها أمام همجية الاحتلال وتخاذل العالم يعطينا درساً جديداً مهماً ألا وهو ضرورة قراءة التاريخ بشكل صحيح.