السبت 23 تشرين الثاني 2024

متطرفون ضد التطرف!


النهار الاخبارية - مقالات 

"طالبان" مفرخة الإرهاب الدولي، "طالبان" السد في وجه الإرهاب.

الربيع العربي طفرة في التاريخ العربي، بل خريف عربي.

تونس نموذج للديمقراطية في المنطقة، وتاريخها يؤهلها لذلك.

تونس ليست نموذجاً مطلقاً، فالنموذج الحق المغرب.

وهكذا على مستوى العالم، بخاصة عند مثقفين ومنظرين، تجد مثل هذه النماذج الكثير. نقلات متطرفة في الآراء والتقييم وإصدار الأحكام، وهذا ديدن الساسة، فالكثير من الكتاب والصحافيين وعند النقلة من هذا الحد المتطرف إلى ذاك، تنهمر تحليلات، محشوَّة بالكثير من الكلمات، التي تبرر المواقف، وتتناول عادة، جانباً ما من الموضوع، وتركز على هذا الجانب، دون ذاك.

وكما طرحنا: ما يتم ممارسته كيل مديح في لحظة، فكيل ذم في لحظة أخرى، ومن دواعي ذلك ما تقتضيه المصلحة، وتلح عليه عند تلك اللحظة، فإن حدث وتبين أن المصلحة تغيرت يتم بيسر وسهولة الانقلاب على الأطروحة السابقة، أي كما يبدو أحادية المعيار، المستعار من السوق، ما يحدد قيمة السلعة، بناءً على العرض والطلب.

هذا يُظهر الروح الاستهلاكية، ومقتضى الحال، باعتباره المعيار والمرجعية، وفي هذا الكون السوق، تكون السوق مكيال الليبرالية المتوحشة الأحادي، ما بيضة القبان فيها، رأسمالية الكوارث. فرأسمالية الكوارث تعمل على أن تكون النتائج كوارث، حيث تكون الغنائم، ومن هذا تتقلب المعايير، فسرعان ما ينقلب الحفل إلى مذبحة، فيما ينتقل الحفل إلى بضاعة أخرى.

لقد عشنا، بخاصة خلال الألفية الثالثة، سيلاً من الكوارث، ما ظهرت وكأنها فرانكشتاين، وريث الحرب الباردة، ما بعدها تتوالد الكوارث فالانقلابات على عجل. ومنه لا صوت يعلو على صوت الحروب التجارية، التي تبرر حتى السباق النووي، ما كان أيام الحرب الباردة كارثة البشرية، مما جعل الحشود تملأ شوارع العالم الأول، من أجل الحد من السباق النووي.

العالم اليوم، ما يبدو أنه يخوض الحرب ضد التطرف، في الحقيقة يخوض في التطرف، وحتى يغوص فيه هذا العالم، ما يرفع شعار محاربة الإرهاب الدولي، ما يصنع الإرهاب والتطرف معاً، ثم يجيء من جانب آخر ليعلن محاربته، ومن هذا فالمتطرف هو نفسه من يدعي محاربة التطرف، والحق أنه يصب الزيت على النار، وتفاصيل ذلك، كما أظن، لا تغيب عن أي أحد، حتى الأبله والغبي.

وفي غمار هذا التطرف، ينبري متطرفون، تارة لتوصيف التطرف، وتارة أخرى لوضع معايير محاربته، وفي هذا يتنافس المتنافسون، ويتقدمون المنصات ويعلون المنابر، يصرخون ويندبون، ما وصل إليه العالم المتطرف من تطرف!
وفي قريب، إن ما زال لدينا بقايا ذاكرة، غمرتنا الميديا العالمية بمشاهد مخرجة بإتقان فني نوعي! لبشر يحرقون في أقفاص من قِبل متطرفين يدعون "داعش"، وتسابقت محطات في عواجل، تنقل تصريحات ساسة، وأصحاب رأي، تشجب "داعش"، فيما عُدَّ ناقل الكفر ليس بكافر. ثم البارحة، بعد أعطال أصابت "فيسبوك"، ما تمشهد كقلب العالم، تبين لقادة في هذا العالم: أن ناقل الكفر كافر. وأن من التطرف ترك العالم في يد متطرفة، كفيسبوك، وتقريباً هذا ما جال في نفوس كثيرة: أن البشرية أخيراً عرفت مكمن الداء، وإن لم تعرف بعد الدواء.

لقد أضيف في العصر السيبراني صراع شركات كبرى جعلت من العالم "موبايل"، وبهذا التواصل لأول مرة، تشارك البشرية جمعاء في صراع كهذا، إذ إن العصر السيبراني هدم الحدود إلى حد الضد، ما تمظهر عند دول متقدمة تقنياً، بالعودة إلى العصور الوسطى، ببناء أسوار من طوب وأسمنت. وفي هذا العصر، كانت السوشيال ميديا مرآة كبرى، لا تحرق السفن كما مرآة الإغريق العتيقة، بل تكشف النفوس، وتفضح الروح البشرية.

ومن ضمن ما فضحت، ما نرى الساعة، المتاجرة بالتطرف والإرهاب، ليس في أفلام هوليوود فحسب، بل على الأرض، ومن قِبل دول كبرى، من تخرج من قبعة الساحر، "طالبان" منظمة إرهابية، فـ"طالبان" منظمة تتسلم دولة أفغانستان، وتحارب الإرهاب أيضاً. وفي الوقت نفسه، يتم إقناعنا بالنقائض، وبأن الدولة العظمى أيضاً، تجهل خلال عقدين، فساد النظام الذي تدعم. ودولة كبرى أخرى، حاكمها ذو سلطات مطلقة، لا تعرف ما تفعل، وأين تعمل، شركة عسكرية خاصة، لها جيش من مرتزقة، من شركاتها.

وهكذا، "فيسبوك" أعظم الإنجازات البشرية، "فيسبوك" أسوأها.

"طالبان" مفرخة الإرهاب الدولي، "طالبان" السد في وجه الإرهاب.

الربيع العربي طفرة في التاريخ العربي، بل خريف عربي.