النهارالاخباريه مقالات
عمر اسكندراني كاتب
قضى فرعون أن يُذبح كُل رضيع، وأن يطوف السيافون بالبيوت يطاردون الرضّع وأهليهم، وقضى ربك أن يخاف فرعون الرُضَّع ولا يهدأ له بال ولا تطيب له نومة إلا بأن تخلو البلاد من الرُضّع
قل لي.. أين المنطق؟
وقضى فرعون بعدها أن يلتقط هو أحد الرضّع ويرعاه بنفسه ويربيه وينشئه، بعد أن قضى ربك أن تلقيه أمّه في اليم
قل لي ثانية.. أين المنطق؟
هناك من يدير المنطق واللامنطق، هناك من يرتب الأمور ولا يعجزه زمان ولا مكان، فمن أوحى إلى أم موسى وهدى قلبها إلى أن تلقي برضيعها في اليم.
حتما يعلم علم اليقين أن من يلتقطه هو من أراد قتله، بل هو من هداه إلى أن يبقي عليه ليكون حجة عليه بعد ذلك.
ينتابني الفضول أحيانا حول ما دار في عقل وقلب أم موسى؛ فإذا خافت على موسى ألقته في اليم ليلتقطه آل فرعون! يا الله.. أتطرح ولدها إليه خوفاً منه؟
"وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين، فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً"
أجد – أحياناً – أن التسليم لقضاء الله والمنطق لا يجتمعان، ما بالك بالرضا بقضائه وهي درجات، لم أؤمن بمجموعة من الخلايا العصبية والوصلات والإشارات الكهربية التي قد تعمل وقد لا تعمل وفي الحالتين تنتج ما نعرفه بالمنطق، بل أؤمن بمن هدى قلب أم موسى إلى أن تلقي برضيعها في اليم ليأخذه عندها من أراد ذبحه، بل وتوصله إليه في اليم!
ما ينقصنا هو الفهم؛ ذلك الفهم الذي يجعلك تدرك أن مآلات الأمور ليست محتومة بمصير البدايات والمعطيات والملابسات، ذلك الفهم الذي يجعلك تدرك أن خالق هذا الكون لا يعجزه إدارته ولا ينازعه أيا كان في ملكه، إن شاء منع وإن شاء سمح وإن شاء أمهل، والعجيب أن رضانا من عدمه – نحن العباد – ليس جزءًا من هذا كله، فمنذ أن كان الكون عدماً إلى أن يشاء الله ويعود إلى العدم؛ لا يصنع رضاك أو سخطك فارقاً، لن يتلقى أحدٌ اعتراضاتك على مجريات الكون وتسلسلات الأقدار، ولن ترى قناعاتك عن معضلة الخير والشر، أو مظلومية ال95٪ من البشر مقابل جبروت ال5٪ الباقين.
يضيع عقلي أحياناً في مفهوم العبودية – فك الله أسر الشيخ سمير مصطفى – كيف يكون الإله إلهاً إن اعترض عليه مخلوقوه؟ كيف يرانا الإله بعين الرحمة إن سخطنا، كيف يسبغ في العطايا والنعم وهو إله مُلام فيما أعطى وفيما منع، كيف يكون قاهراً فوق عباده وعباده لا يرونه أهلا لذلك ؟ والعياذ بالله.
هو نفسه موسى الذي صاحب الخضر، فلم يستطع معه صبرا، لأن ما رآه في نفسه ظنّه استثناء، أي أن من أنشأه بين ظهراني فرعون وهو عدوه وهذا استثناء، لن يقيم الدنيا وما فيها على الاستثناءات، لن ينقل غرباء على ظهر سفينة ليثقبوها، ولن يلقيا غلامًا من بين مئات الغلمان ليطرحوه قتيلاً، ولن يتطوعا لبناء جدار من أجل زوجين كانا صالحين!
موسى عليه السلام حين أدركه فرعون من خلفه والبحر من أمامه، قال إن معي ربي سيهدين ولكنه لم يسقط – بعدها – أن ربه هذا يهدي لعباده جميعهم يهدي لمن هو موسى ومن هو غير موسى ويهدي لمن هو يعبد المنطق.
بأن ينفِذ له منطقه إن شاء، وإن قضى فرعون وكل فرعون فإن قضاء الله نافذ كيفما يشاء وقتما يشاء.
لذلك، علينا أن ندرك أن المشيئة الإلهية هي ما حدث قديماً وما يحدث الآن وما نخاف حدوثه في المستقبل قد لا نكون مؤهلين لفهم ما يجري أو سقطنا في بئر السخط واستجواب القدر ولكن هذا أيضا لا يغير من حقيقة أن الله يرى..
ألم يعلم بأن الله يرى؟ ورؤيته ليست مثلها رؤية..
ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير.