مصطفى رستم كاتب وصحافى
لم يكن مستغرباً أن تستقبل أكثر الفصائل المعارِضة تشدداً في سوريا، "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً)، نبأ سقوط كابول، عاصمة أفغانستان، بكثير من التهليل الذي عم مناطق سيطرة الهيئة في مدينة إدلب وأجزاء من ريفها، شمال غربي البلاد، في حين شاهد العالم بصدمة وذهول الصور المتواترة الآتية من المدن الأفغانية وهي تسقط الواحدة تلو الأخرى دون أدنى اشتباك، مع مشاهد "أشبه بالهوليوودية" لتمسك أناس بأطراف طائرات تقل أفغاناً فارين، عقب تلويح الرئيس الأفغاني أشرف غني من على درج الطائرة التي أقلته، وكأنه يعلن سقوط بلاده في يد الجماعة المتطرفة تاركاً شعبه لمصيرهم المحتوم.
الفكر الطالباني وسوريا
في هذه الأثناء، امتزج هول فجاعة عودة "طالبان" بعد محاربتها لعشرين عاماً متتالية من قبل الولايات المتحدة، مع هواجس تتعلق بماذا ستفعله تلك الحركة بالبلاد والعباد، بخاصة وأن الفكر الطالباني يحرم ويحد من الحياة العصرية ويحارب الديمقراطية الغربية.
وعلى وقع إعلان ساعة رحيل القوات الأميركية وسقوط كابول كان المشهد مغايراً على أرض أخرى تقبع على صفيح ساخنٍ، إنها إدلب، التي كانت قبل الحدث على أبواب حل سلمي أو شفير معركة ضروس، فصدحت تكبيرات من المساجد احتفالاً بانتصار "حركة الطلبة الأفغان" (نشأت في غرب أفغانستان في عام 1994 وجل منتسبيها كانوا من الطلاب).
وبادرت الفصائل المتشددة بإدلب إلى توزيع الحلويات ابتهاجاً على المارة في الطرقات، وخرجت تظاهرات تأييد، وسط ردود فعل لقياديين في "هيئة تحرير الشام"، الموالية لتنظيم القاعدة، بثوا رسائل مناصرة ومباركة بما وصفوه أنه "النصر ونيل الحرية".
ويرى فريق سوري معارض للنظام، أن ما حصل فرصة لا بد من اغتنامها ستعيد البلاد إلى نقطة البداية أو ما قبل عام 2015، حين برزت حركات راديكالية، كان أكثرها شراسة تنظيم "داعش" الذي سقطت "دولته" في عام 2019 وقبله "جبهة النصرة" أحد فروع "القاعدة".
أميركا بين "طالبان" والفصائل
في غضون ذلك، رأى الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، عمر رحمون أن "ما تريده الفصائل المسلحة من طالبان هو ضرب إيران من جانبها الأيسر لتخفف من وجودها وحضورها في سوريا".
أما عن مستوى التنسيق وماذا يمكن أن تمنح "طالبان"، الفصائل السورية المتشددة، فرجح رحمون أن "الفصائل لن تطلب دعماً مادياً من الحركة لأن الدعم المادي يصل لكليهما من المصادر نفسها لكنها تريد من حركة طالبان إشغال الجبهة الإيرانية وإبعادها عن سوريا، وفي ذلك إضعاف للمحور" الذي يجمع طهرتن مع حلفائها.
ولفت رحمون في الوقت ذاته، إلى "وجود اختلاف في العقيدة بين طالبان من جهة والقاعدة والنصرة وداعش من جهة أخرى، فطالبان تعتمد المذهب الحنفي وليست سلفية، بينما داعش والقاعدة والنصرة حركات جهادية سلفية متطرفة، لكن كل هؤلاء يجتمعون على هدف واحد أو في نقطة التقاء واحدة".
كما عبر عن اعتقاده بأن "التنسيق قائم بين هذه الفصائل وطالبان منذ عشر سنوات وكان أيمن الظواهري (الذي تزعم القاعدة بعد أسامة بن لادن) اللاجئ عند طالبان، يقود الفصائل المسلحة كلها من داعش والنصرة وغيرها وأرسل كثيراً من القادة العسكريين لقيادة غرفة العمليات في سوريا".
توسيع العمليات
وأصدرت "هيئة تحرير الشام" بيان مباركة لـ"طالبان"، واصفة ما حدث بـ"نيل للحرية من الاحتلال وعملائه". ولمح البيان عن رغبة جامحة للتقدم على الأرض عسكرياً، إذ جاء فيه أن "هذه التجارب الحية والأمثلة شاهدة على التمسك بخيار المقاومة والجهاد".
وفي وقت رصد مراقبون ارتفاعاً في مؤشر الروح المعنوية لتلك الفصائل بعد الحدث الأخير في أفغانستان، مرجحين بالتالي أن تقود هذه الحالة إلى توسيع العمليات العسكرية، أطل زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني متحدثاً عن ضرورة التفكير جدياً في توسيع نفوذ تنظيمه إلى مواقع خارج إدلب، في إشارة إلى ريفي حلب الشمالي والغربي.
ويُرجح خلال المرحلة المقبلة اندلاع معارك حاسمة على تخوم ريف إدلب الجنوبي، ومن غير المستبعد أن تشن "هيئة تحرير الشام" هجمات لاستعادة السيطرة على أرياف فقدتها في حملة جيش النظام في أبريل (نيسان) 2019، على ريف حماه الشمالي وريف إدلب الجنوبي، على الرغم من رفض فصيل "الجبهة الشامية" المدعوم من تركيا، تمدد الجولاني وحلمه بالوصول إلى ريف حلب
وجه جديد وطمأنة غير مقنعة
وعلى الرغم من أن القوات النظامية المدعومة روسياً، تتجه نحو حسم الأمور لصالحها في مناطق ساخنة ونقاط تماس في ريف إدلب، فإن الأمور مغايرة في اتجاه جبل الزاوية، أصعب التلال، حيث لا تتوانى أنقرة عن مد الفصائل المقاتلة بالتعزيزات العسكرية. وفي حال سقوط ذلك الجبل ستتغير المعادلة لمصلحة النظام، الذي يسعى إلى تجهيز حملة جديدة لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرته، بالتوازي مع أحداث صاخبة تشهدها مدينة درعا (جنوب) إثر تمرد فصائل مسلحة هناك، إلا أن الأمور تبدو في طريقها إلى الحل وفق خارطة طريق روسية.
إلا أن عودة "طالبان" إلى الحكم في أفغانستان، تعني أيضاً عودة "داعش" إلى الواجهة عبر خلاياه النائمة بعد ما استيقظت فلوله منذ أكثر من سنة، وسط البادية المترامية الأطراف، وما زالت تنشط على الرغم من اصطياد الطائرات الروسية لأوكارها، وتقدم الجيش النظامي على الأرض
من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" شرق البلاد من جهة ثانية، واعتقال شبان ومجموعات متشددة من مخيمات اللجوء.
تغيير الصورة النمطية
وثمة اعتقاد يسري في الشارع السوري عن ترقب دعم لوجيستي في الميدان من قبل "طالبان" لشتى الفصائل المقاتلة في سوريا ذات التوجه الأيديولوجي الواحد الساعي لإقامة "إمارة إسلامية"، فمع اندلاع الحرب السورية، وفرض المتشددين الإسلاميين قوتهم واتساع نفوذهم، تدفق الأفغان التابعون لحركة المُلا عمر للقتال وبنسب كبيرة، دعماً لما يعتقدون أنه "جهاد" لإسقاط السلطة وتطبيق نموذج حكم جديد أكثر تعصباً.
إلا أن هذه الطريقة المنفرة في الحكم، لم تُكسب "طالبان" أرصدة شعبية لدى الشعب الأفغاني، إذ اشتهروا بإلغاء دور المرأة ومنع التدخين، وفرض إطلاق اللحى للرجال، وتغطية النساء لرؤوسهن، فيما تحاول الحركة تغيير الصورة النمطية التي يعرفها الناس عنهم.
وأطل الناطق باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، الثلاثاء 17 أغسطس (آب) الحالي، ليؤكد أن "الحركة لا تريد تكرار الحرب والقتال ولن تكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية". وعبر في أول مؤتمر صحافي عقدته الحركة من داخل كابول، عن "التزام الحركة بحقوق المرأة التي سيكون لها الحق في العمل بعدد من القطاعات". وتحدث عن "إقامة نظام سياسي شامل في أفغانستان".
في المقابل تبدو هذه التطمينات التي تبثها الحركة غير مجدية، وليس بوسع الشعب الأفغاني وحتى المنطقة والإقليم تصديقها، ولا حتى السوريون، وثمة رسائل من مقاتلي "طالبان" وصلت إلى عناصر وقيادات مقاتلة في إدلب تؤكد لهم السعي نحو الوصول للقتال في سوريا، وهذا ما زاد التوقعات بمرحلة جديدة ساخنة ستشهدها المنطقة. كما لن يكتفِ الجيش الروسي بالضربات الاستباقية في المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام، لسد الطريق عن أي دعم لوجيستي أو ميداني يمكن أن تحصل عليه التنظيمات الموالية للقاعدة في سوريا.