كتب رمزي عوض
في توصيات المؤتمر الأخير الذي عقدته "دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" تحت عنوان "استهداف الأونروا: في المقدمات والتداعيات"، برز بند لافت يثير الكثير من التساؤلات والاستغراب، وهو تحذير إدارة الأونروا من التعايش مع الأزمة المالية.
بكلمات أخرى، يُطلب من الأونروا ألّا تتعامل مع الواقع المالي القاسي، وألّا تلجأ إلى إجراءات تقشفية لحماية ما تبقى من خدماتها، دون طرح أي بديل عملي أو مسؤول. والسؤال المشروع هنا: ما البديل إذا كانت الدول المانحة قد أغلقت أبوابها؟ هل المطلوب أن تصل الأونروا إلى نقطة اللاعودة وتتوقف تمامًا عن تقديم الخدمات للاجئين الفلسطينيين؟ أم أن تعلن انهيارها لتُسجّل موقفًا سياسيًا لا أكثر؟ وكل ذلك في نهاية المطاف سيكون على حساب اللاجئ ومستقبله وحقوقه الوطنية وحقوق أبنائه.
لستُ من المؤيدين لتقليص خدمات الأونروا، وكنتُ من رافعي هذا الشعار وما زلت، ولكن هناك سؤال دائمًا ما يدور في ذهني: ما هو البديل؟ ماذا علينا أن نفعل لنضغط على مراكز القرار العربية والدولية؟ من أجل تمويل مستدام لوكالة الأونروا، سواء من جامعة الدول العربية، أو الاتحاد الأوروبي، أو الأمم المتحدة؟ بالإضافة إلى التبرعات من الشركات العالمية وعلى رأسها فيسبوك، تسلا، والشركات الصينية.
بعد السابع من أكتوبر عام 2023، وسحب سلاح المخيمات، لم تعد ورقة الضغط المسلح مجدية، وكذلك لم تعد الشعارات الشعبوية نافعة. فالوقت الآن هو لإيجاد أساليب ضغط جديدة، سواء على إدارة الأونروا لترشيد مصروفاتها، أو على المجتمع الدولي لتمويل الوكالة.
فالمؤتمر لم يخرج عن سياق نشاطات الدائرة السابقة: خطابات، توصيف للمشكلة، تحميل للمسؤوليات، ثم ينتهي الأمر. لا خطط، لا مقترحات بديلة للتمويل، ولا حتى تحرك ميداني حقيقي لدعم الأونروا.
مجرد دعوة للمفوض العام لعقد مؤتمرات دولية، وهو ما يقوم به أصلًا منذ سنوات دون أن يحقق أي اختراق جوهري للضغط على المنظومة العالمية.
فالبند الذي حذّر من التكيف مع الأزمة لا يبدو إلا كصدى نقدي شعبوي غير مدروس، يُحمِّل الأونروا وحدها عبء الفشل الجماعي في مواجهة الاستهداف الممنهج لها، وكأن الفصائل الفلسطينية، بما فيها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، غير مسؤولة عنه، فالجميع متهم، وعليهم إيجاد البدائل بدلًا من الاستعراض الإعلامي.
وفي المقابل، لم تقدم الدائرة ذاتها أي رؤية واقعية، لا سياسية ولا مالية، للخروج من الأزمة، بل بدا وكأن كل ما سعت إليه هو "القطف الإعلامي" عبر عناوين شعبوية جذابة، دون عمق في الطرح أو جدية في التوجه.
أنا لا أقلل من خطورة استهداف الأونروا، ولا من أهمية الدفاع عنها، لكن الخطاب يجب أن يرتكز إلى الفعل، وخطة عملية، لا إلى استهلاك لغوي وشعبوي.
وإذا كان المؤتمر يعني فعلًا بالدفاع عن الأونروا، فليبدأ المنظمون بتقديم مبادرات تمويل، أو حملات ضغط على المانحين، أو على الأقل إعلان موقف واضح ضد الدول التي قررت وقف الدعم.
أما أن نطلب من الأونروا ألّا "تتأقلم" مع الأزمة، دون أن نضع أمامها طريقًا بديلًا، فذلك لا يرقى إلا إلى تحميل الوكالة مسؤولية ما ترتكبه الجهات المتآمرة ضدها. وهنا، لا أريد أن أظهر كمدافع عن الوكالة.
فأنا اول المقصرين