خالد الحج
باحث لبناني ومستشار سياسي
لا حكومة في لبنان على المدى القريب وحتى عملية تشكيلها على المدى البعيد تبدو ضرباً من ضروب الخيال، إذا أخذنا بعين الاعتبار الأسباب التي تمنع تشكيلها، والحديث المتكرر عن خلافات حول اسم أو حقيبة، واختصار أمر التشكيل بهذه البساطة هو محاولة ذر الغبار في عيون المواطنين.
رئيس الجمهورية يدرك أن ما بقي من عهده القليل وأن ما مضى من عهده هو أسوأ ما مر على الكيان اللبناني منذ نشأته، لكن يعتبر نفسه غير مسؤول عما وصلت إليه البلاد من أوضاع اقتصادية واجتماعية، إنما يتحدث كالرئيس الذي حكم ولم يحكم، بمعنى أن صلاحياته الرئاسية مقيدة، هو مؤمن بأن اتفاق الطائف مات، ويريد العودة إلى سنة ١٩٤٣، حين كان النظام اللبناني يعطي رئيس الجمهورية مجموعة كبيرة من الصلاحيات، ناسياً فخامته أن بين ١٩٤٣ واتفاق الطائف ١٩٨٩، كانت ١٩٧٥ الحرب الأهلية التي اندلعت كنتيجة مباشرة لصلاحيات رئيس الجمهورية الواسعة والتي بدلاً من أن تجعل رئيس الجمهورية حكماً بين المواطنين جعلته قائد طائفة أمام الطوائف الأخرى الذين شعروا بأن حقوقهم مهدورة.
أقل من سنتين هي الفترة المتبقية له في موقع رئاسة الجمهورية، سنتان يريدهما كتعويض عن أربع سنوات مضت، يريد حكومة يحصل فيها على ثلث أعضائها، فيتحول رئيس الجمهورية الحكم بين اللبنانيين إلى طرف لديه ثلث أعضاء الحكومة، وهو العدد الذي يعطيه قوة على تعطيل عمل الحكومة في حال لم يرضَ عن جدول أعمالها أو يهدد رئيس الحكومة بإسقاط حكومته عبر الطلب من وزرائه الاستقالة كم حدث مع الرئيس الحريري أثناء زيارته لواشنطن 2011.
في الوقت ذاته يشعر فخامته أن من مسؤوليته تسليم البلد إلى رئيس جمهورية يسير على خطاه، ومَن أجدر من صهره جبران باسيل الذي خلفه في التيار الوطني الحر؟ فنجح كما يراه بالحصول على أكبر تكتل نيابي في تاريخ التيار الوطني الحر، وهو يثق به ثقة عمياء، إلا أنه يرى أن عملية تنصيبه رئيساً للجمهورية تصطدم بمجموعة من العقبات، أولها وجود أسماء يعتبرها الكثيرون من الشخصيات الجديرة بالوصول كقائد الجيش مثلاً. وثاني العقبات هي تأمين عدد كافٍ من أصوات النواب إضافة إلى المحافظة على أكبر كتلة مسيحية مارونية كنوع من الشرعية الطائفية، وثالثها العقوبات الأمريكية عليه.
لماذا لن تتشكل حكومة على المدى القريب؟
وهنا نصل إلى أسباب بُعد تشكيل حكومة في المدى القريب، فالحكومة القادمة هي المشرفة على الانتخابات النيابية وقد تكون حكومة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال انتهاء عهد الرئيس وهي ما زالت في تسيير الأعمال، والمجلس النيابي القادم هو الذي سيصوت لرئيس جمهورية القادم.
يرى فخامة الرئيس أن المطلوب من الحكومة القادمة مجموعة من القرارات الجذرية التي يراها رئيس الجمهورية جزءاً من استراتيجية إحداث تغييرات صادمة تغفر السنوات العجاف من حكمه (إقالة قائد الجيش، إقالة رئيس المجلس القضاء الأعلى، إقالة حاكم مصرف لبنان… راجع عاميّة دار الفتوى: انتفاضة سنّة لبنان زياد عيتاني- المنشور في أساس ميديا السبت 28 أغسطس/آب 2021).
فيما يرى البعض الآخر أنها تصب في مصلحة تعبيد الطريق أمام وصول الوزير جبران باسيل عبر إزاحة أسماء تزاحمه على موقع رئاسة الجمهورية، وهذه القرارات لا يمكن فرضها إلا عبر حصول رئيس الجمهورية على ثلث عدد الأصوات من الحكومة؛ لذلك لا حكومة إلا بثلث أعضائها لفريق رئيس الجمهورية.
ثاني الأسباب توزيع الحقائب، وعلى سبيل المثال وزارة الداخلية، حيث تشكل الوزن الأكبر في الانتخابات النيابية القادمة والحصول على حقيبة الداخلية يعني الحصول على امتيازات كبيرة تساهم في تقديم تسهيلات قد تصل إلى التزوير، وأي سعي للحصول على كتلة نيابية كبيرة خاصة بعد ١٧ تشرين لن تمر إلا عبر وزارة الداخلية، أو التشديد في الحصول على وزارة الشؤون الاجتماعية هي الأخرى التي تصدرت أهميتها نتيجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تضرب لبنان والدور الذي يمكن أن تلعبه في حال حصول لبنان على مساعدات دولية، فتتحول هذه الوزارة إلى وزارة شراء أصوات انتخابية. وغيرها من الحقائب الأساسية التي تشمل صلاحيات استثنائية خلال فترة الانتخابات.
ثالث الأسباب أن الحكومة القادمة قد تكون حكومة صلاحيات رئيس الجمهورية بمعنى في حال بقيت لحين انتهاء ولاية رئيس الجمهورية فتتحول هذه الصلاحيات إلى الحكومة، وبالتأكيد لن يسلم فخامة رئيس الجمهورية الحكومة إلا لحكومة يثق بأنها لن تخرج عن طوره في حال خروجه من الحكم.
إشاعة الوهم
إشاعة الإيجابية بقرب تشكيل الحكومة في لبنان أمرٌ مرّ عليه سنة ونيف وقد تتضاعف المدة، فالأخبار تصدر كل يوم في لبنان تتحدث تارة عن أسبوع الحسم، وساعة التشكيل تقترب، والعقدة الأخيرة والخلاف في آخر 3 أمتار، ثم تمر الشهور ويمر معها مصطفى أديب ثم الرئيس الحريري، ثم الرئيس نجيب ميقاتي وقد يمر عليها أسماء أخرى، هي بالخلاصة آخر معارك العهد في لبنان، أم المعارك التي يخوضها التيار الوطني الحر، فإما أن يفوز بحكومة كما يريد، يحصل فيها على أكثرية الأعضاء ثم يقوم بعملية إقصاء لمجموعة كبيرة من رجال السياسة والأمن والقضاء يعتبرهم فاسدين، ثم يخوضون الانتخابات النيابية ويحصلون بأي ثمن على أكثرية الأعضاء التي تخولهم بطرح الوزير جبران باسيل كرئيس للجمهورية المقبل، وإلا فأي تشكيل لحكومة لا تكون كما يريدون سيعتبرونه كمن حفر قبره بيده.
ومن هنا حتى تتشكل حكومة كما يريدون أو تبقى حكومة حسان دياب حتى الانتخابات المقبلة أو حتى انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، خير من حكومة تعني انتهاء عهدهم، وخلال هذا الوقت سيبقى الشعب اللبناني يدفع الثمن الأكبر مع كل يوم تأخير في تشكيل الحكومة، والأمر مرشح لسوداوية أكبر مع الأيام القادمة.