لماذا استهدفت إسرائيل الإطاحة بفياض؟
كتب جمال زقوت
لهذا كله كانت اسرائيل، وهي غير قادرة على مواجهة هذه السياسة، التي تنزع لتكريس الحقائق على الأرض بعيداً عن الشعارات الفارغة، بأن تسعى بكل ما لديها من تأثير لتقويض هذه السياسة بادعاء احتضانها تارة وبرفض تنفيذ أي خطوة على الأرض تظهر الإنجاز السياسي لهذه الخطة تارة أخرى، بل اعتبر معهد القدس للشؤون العامة الذي يترأسه دوري چولد ربيب نتانياهو في دراسة أعدها بنحاس عنبري، ودان ديكر أن خطة فياض لفرض حقائق فلسطينية في هذه المناطق وفق خطة العامين قد يؤدي في النهاية إلى اندلاع صراع مسلح مع اسرائيل التي ترفض بكل قوة تمدد أو تكريس هذا النهج على الأرض. وهذا ما رصدته منظمة ريغاڤيم الاستيطانية في تقرير لها صدر قبل عامين بعنوان :(حرب الاستنزاف- هكذا تسعى السلطة الفلسطينية لإقامة دولة فلسطينية في مناطق C عشر سنوات على خطة فياض-تقرير حول الأراضي في "يهودا والسامرة" عن الفترة 2009-2019)، ونُشرت ترجمة ملخصة لهذا التقرير في مركز مدار للشؤون الاسرائيلية في رام الله، حيث رصد التقرير أن فرض ما أسمته ريغاڤيم بالوقائع الفلسطينية على الأرض وفق خطة فياض تشكل الاستراتيجية الأخطر على المخططات الاسرائيلية الاستيطانية، وللأسف هذا ما يتجاهله بعض الباحثين الفلسطينيين، بل يقللون من شأنه ويعتبره البعض سلاماً اقتصادياً ضاربين بعرض الحائط الأهمية التاريخية والاستراتيجية لهذا الفكر الذي يشكل جوهر تنمية القدرة على الصمود واستراتيجية الاقتصاد المقاوم.
لهذا قررت اسرائيل من وسطها حتى يمينها، وليس فقط اليمين المتطرف ضرورة التخلص من فياض ومنع استمرار نهج بناء الوقائع على الأرض ومعهما استراتيجية الصمود وتربية الأمل عند الفلسطيني بأنه قادر أن يصل ولو بعد حين.
فكيف الحال وأن حكومة فياض نفسها هي التي كانت أقرّت قانون الأسرى ونفذته، وكان حينها المناضل عيسى قراقع وزيراً لشؤون الأسرى، وقد رفض فياض في حينه كل الضغوط وأشكال الابتزاز الخارجية للتراجع عنه، في وقت أنه قد تم التخلى عن هذه الوزارة ووزيرها في حكومة وفاق فتح وحماس في ربيع 2014، في تنازل غير مسبوق بهذه القضية التي تشكل جوهر من نحن، وليستمر بعدها مسلسل تصفية هذا الملف بكل تداعياته كما يجري اليوم.
هذا ما يوضح لماذا كل تلك الحملة على فياض ولماذا الريبة من إمكانية عودته سيما أن خلاصة تجربته الحكومية وضعت العديد من المسؤولين الفلسطينيين أمام المرآة الحقيقية، ولسان حال هذه التجربة يثبت أنه دون استعادة الوحدة ستذهب ريحنا، وبها سنكون قادرين، سيما إن نجحنا في توظيف تبايناتنا التكتيكية في خدمة أهدافنا الاستراتيجية، ليس فقط على النهوض بمسؤولية الأداء الحكومي لخدمة المواطن، بل وتعديل موازين القوى نحو إقرار اسرائيل ومن يقف خلفها بحقوق شعبنا وفي مقدمتها حقه في العودة وفي تقرير المصير والحرية والكرامة.
لهذا يجب من وجهة نظر سلطات الاحتلال أن يظل فياض، ومعه كل من يحمل هذا الفكر الاستراتيجي، بعيداً عن التأثير في النظام السياسي، وما جوقة من يدّعون أنهم النخبة الفكرية سوى مطبلين بلا وعي في هذه الاستراتيجية الصهيونية.
والسؤال هو، اذا كان حكام اسرائيل وعتاة الصهيونية لا يريدون هذا النهج الذي بات جزءاً من التجربة الحية لشعبنا، فأين يُتَوقع أن يكون انحياز المواطن الفلسطيني العادي ملح هذه الأرض وحارسها الذي يعرف بالفطرة معنى الصمود؟
الأزمة المركبة التي تعيشها الحركة الوطنية هي أنها لم تعد قادرة على توليد الجديد من داخلها، وهي مصممة على مقاومة ورفض أي جهد لتشكيل ما يمكن أن يفضي إلى بديل لهذا الواقع سيما اذا كان ذلك يأتي من خارج رحمها الذي بات غير قادر على أي ولادة. وهذا بالضبط ما يفسر إشكالية البديل وما يوضح الحملة على مرحلة كان وما زال من الممكن أن تشكل حاضنة لهذا البديل."