كتب سليمان شعبانى كاتب ومحلل تونسي
يقول الكاتب اللبناني أمين معلوف
"نحن جميعاً على متن زورق متصدع، سائرين إلى الغرق معاً، لكننا مع ذلك لا نكف عن تبادل الشتائم والمشاحنة غير آبهين بتعاظم أمواج البحر".
ويقول الشاعر المصري أحمد شوقي:
نصحت ونحن مختلفون داراً.. ولكن كلنا في الهم شرق
ويجمعنا إذا اختلفت بلاد.. بيان غير مختلف ونطق
تعيش الإنسانية في تاريخنا المعاصر مشهداً جديداً من مشاهد الحرب، المستجد فيها أن الوقائع في غير وطن العرب والمسلمين ولا تدور أيضاً في إفريقيا، ولكن مسرحها هذه المرة على أراضي الاتحاد الأوروبي.
يتغير التاريخ وتتغير الجغرافيا ويتبدل صناع الحرب وضحاياها لكن الأساليب، والأدوات، والمصير واحد.
وأنت تتابع الأخبار القادمة من كييف وبقية المدن الأوكرانية وخطابات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تقفز إلى ذاكرتك خطابات محمد سعيد الصحاف، وزير الإعلام العراقي، ونشرات الأخبار في الجزيرة وغيرها من الفضائيات الإخبارية تتحدث عن غزو الجيش الأمريكي للعراق.
تتابع سقوط مطار هوستوميل على يد الجيش الروسي وتسترجع تلك اللحظات المؤلمة التي أعلن فيها عن سقوط مطار بغداد بيد الأمريكان.
مشهد الدبابة الروسية وهي تدهس سيارة مسن أوكراني بلا أدنى شفقة ولا إنسانية يعيدك إلى بشاعة الجيش الأمريكي في سجن أبو غريب وجرائم الصهاينة في غزة وانتهاكات الفرنسيين في مالي وإفريقيا الوسطى.
أيضاً خطاب سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي وهو يبرر اجتياح أوكرانيا باجتثاث "النازية الجديدة" ومحاربة الدولة المركزية التي تضطهد الأقلية الروسية ومواجهة السعي لامتلاك الأسلحة النووية لا يختلف كثيراً عن خطاب كولن باول وزير خارجية الولايات المتحدة الشهير في منظمة الأمم المتحدة في شباط/فبراير سنة 2002 حينما برر غزو العراق بامتلاكها لسلاح دمار شامل عارضاً صوراً أقر هو نفسه كذبها لاحقاً.
بين الغرب ومآسي العالم.. نفاق مفضوح
ما يحدث في أوكرانيا سبقته مشاهد أكثر عنفاً وبشاعة في فلسطين والعراق وأفغانستان وأيضاً في مالي وإفريقيا الوسطى. وعلى عكس تحركات الشعوب الحرة الرافضة لدمار الحروب لم تحرك هذه المشاهد للأنظمة في أمريكا وأوروبا شعرةَ حقوق الإنسان، بل وفرت لها الغطاء الدولي تارة والشرعية القانونية تارة أخرى.
لنكتشف اليوم أمريكا حامية الاحتلال الإسرائيلي المغتصب لأراضي فلسطين منذ عشرات السنين وهي تدين مساعي بوتين لغزو أوكرانيا، قادرة على التعبير عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والاستقلال والعيش في أمان.
وفرنسا الناهبة لثروات إفريقيا وهي تتضامن مع أوكرانيا وشعبها قادرة على الإقرار بقيم الإنسانية وحقوق الإنسان.
والمحتل الإسرائيلي الذي يمارس أبشع جرائم الإنسانية على أراضي فلسطين قلق من هجوم روسيا على أوكرانيا.
تناقضات وإن رسَّخَت توْقَ الشعوب للسلم وإنكارها الحرب ودمارها فإنها كشفت وأكدت النفاق الدولي في التعاطي مع القيم الكونية ومبادئ حقوق الإنسان، فلولا تَغيُّر موازين القوى وحجم الوهن الذي صار عليه الغرب وضعفه في مواجهة التمدد الروسي لَمَا لجأ إلى قاموس حقوق الإنسان والحلول السلمية.
فشل مجلس الأمن وكذبة الأمم المتحدة
في 16 أيلول/سبتمبر 2004، قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، متحدثاً عن غزو العراق: "لقد أشرت إلى أنه لم يكن متوافقاً مع ميثاق الأمم المتحدة. ومن وجهة نظرنا، من وجهة نظر الميثاق، كان غير قانوني".
تصريح يقر من خلاله أنان بأن الأمم المتحدة فشلت في إيقاف رغبات بوش الابن الاستعمارية.
بعد عشرين سنة وفي الخامس والعشرين من فبراير 2022 فشل مجلس الأمن أيضاً، في اعتماد قرار يدين الغزو الروسي لأوكرانيا وقرر نقل مشروع القرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويعود هذا الفشل إلى امتناع الصين والهند والإمارات عن التصويت.
يذكر أن الأمم المتحدة تأسست إثر الحرب العالمية الثانية وتحديداً في 24 تشرين الأول/أكتوبر 1945 بهدف إرساء الأمن والسلم الدوليين.
حيث جاء في أول نقطة من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة أن مقاصد المنظمة هي "حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعّالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها".
وباستثناء بعض القرارات اليتيمة لفرض الأمن في إفريقيا أو بعض الدول التي عرفت حروباً أهلية لا يُذكر للأمم المتحدة تدخل لمواجهة استهداف أمن الأوطان من قبل أمريكا لحظة غزوها للعراق وأفغانستان ولا ردع غطرسة الاحتلال الإسرائيلي، وها هي تقف اليوم عاجزة أمام مواجهة أطماع بوتين الاستعمارية.
لقد مثَّلَ مجلس الأمن وما يمتلكه الأعضاء الخمسة دائمو العضوية (الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا) من حق الفيتو أو النقض، حجرةَ عثرة أمام أهداف المنظمة وخنجراً في خاصرة ميثاقها.
فقد جوبهت جل قرارات الإدانة أو رفض التدخل العسكري أو فرض عقوبات على الاحتلال بحق الفيتو من قبل أحد الأعضاء الخمسة.
لا عدل إلا إن تعادلت القوى
لم يتطلب دخول روسيا إلى أوكرانيا سوى بضع ساعات، وجد خلالها الشعب الأوكراني نفسه يواجه مصيره بمفرده دون قوة قادرة على رد العدوان الروسي.
تم ذلك بعد خطابات الوعيد والتهديد التي أطلقتها الولايات المتحدة ودول حلف الناتو تجاه روسيا في حال التجرؤ على غزو أوكرانيا.
لم يعِر بوتين لهم اهتماماً ودخل الأراضي الأوكرانية غازياً مستعرضاً بعض ما تمتلكه روسيا من قوة وعتاد مهدداً باستعمال إمكانيات عسكرية أقوى وأسلحة أشد فتكاً في حال التصدي لخطواته من أي كان.
نحاول إيجاد ربط بين ما حدث في أوكرانيا وما يحدث في غزة من مقاومة للاحتلال وما تخلفه فيه من خسائر وهزائم رغم ما يمتلكه من قوة عسكرية وأسلحة متطورة، لنطرح السؤال هنا: ماذا لو كان الاتحاد الأوروبي جاداً في مواجهة التهديدات الروسية وهل كانت روسيا لتنجز ما أنجزته لو كانت على يقين باستعداد حلف الناتو لحماية أوكرانيا؟
ونذهب بالسؤال أبعد حول قدرة روسيا على اجتياح أوكرانيا بهذه السرعة لو لم تتخلَّ أوكرانيا سنة 1996 عن سلاحها النووي الموروث من الاتحاد السوفيتي بعد ضمانات أمنية أمريكية وروسية أساسها حماية وحدة التراب الأوكراني.
الأكيد لو كان هناك عدل واتزان في موازين القوى لما تجرأت روسيا على أوكرانيا والأكيد حتما أنه لو اعتدلت القوى في العالم سيفرض العدل وربما يعم السلام.
ومن المتوقع أن يُحدث الهجوم الروسي على أوكرانيا تغيرات
تغيرات في موازين القوى العالمية وتحول في مستوى النظام العالمي من نظام شرطي العالم أحادي القطبية إلى نظام ثنائي أو متعدد القطبية.
أيضاً، قد تحدث هذه الحرب في الإنسانية وخاصة شعوب الدول الغربية تغيرات جوهرية حول نظرتها للسلم والحرب وتقييمها لتعاطي دولها مع عديد من الأحداث في العالم.
الأكيد أن هذه الحرب ستخلف خسائر بشرية ومادية وحتما أنها ستنتهي عاجلاً أو آجلاً، والأمل أن ينتهي معها الظلم واختلال معايير التعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم البشرية من قبل الأنظمة الغربية، وأن ينتهي الهجوم الظالم مع هذا كذل