وكالة النهار الإخبارية/عبد معروف
يترقب لبنان الرسمي والشعبي برجاء كبير، وصول قداسة الحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر، لما لها من رمزية كبيرة، لا سيما في مرحلة تشهد فيها البلاد حالة من القلق والتوتر من قيام جيش الاحتلال الاسرائيلي بحرب واسعة على لبنان، أو من تزايد حالة الانقسام والانهيار السياسي والاقتصادي.
وبالتالي فإن قطاعات واسعة من اللبنانيين على الصعيد الرسمي والشعبي، تشعر بالأمل والرجاء بأن يكون لزيارة قداسة البابا إلى لبنان محطة تتبدل فيها الأحوال وتشكل بداية لمرحلة جديدة من الأمن والاستقرار وإنقاذ البلاد من حالة الانهيار التي يتعرض لها، وأن تكون الزيارة رادعا للإحتلال الاسرائيلي بوقف عدوانه واعتداءاته وانسحابه من الأراضي اللبناني التي مازال يحتلها في جنوب لبنان.
الآمال كبيرة وكثيرة، والمرتجى واسع الآفاق، لكن الآمال والرجاء شيء والواقع شيء آخر، فلبنان الذي يتعرض للاعتداءات الوحشية الاسرائيلية، والجيش الاسرائيلي مازال يحتل مواقع عدة في جنوب لبنان، ليس من السهل أن تشكل زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر رادعا لهذا الاحتلال العنصري الذي ضرب عرض الحائط منذ العام 1948 وحتى اليوم، كافة القوانين والأعراف والشرائع الدينية والدولية، وارتكب المجازر وحروب الابادة بحق الأطفال والمدنيين وقام بالاعتداء على أماكن مقدسة من مساجد وكنائس في القدس والخليل وبيت لحم، لا يمكن لهذا العدو أن يلتزم اليوم بنداء يطلق من قداسة البابا.
ولبنان الذي يعاني التوتر والانهيار والانقسام السياسي الداخلي منذ عقود من الزمن ويتعرض للانهيار المالي والاقتصادي، ليس من المعقول أن تشكل زيارة البابا لاوون الرابع عشر مانعا لاستمرار وتصاعد هذا التوتر والانقسام والانهيار، فالأطراف اللبنانية المسيطرة مازال تجني مصالحها على بعدها الطائفي والمذهبي، والكثير منهم يرى مصلحته باستمرار الانقسام والانهيار، وفي أحسن الأحوال، أصبح عاجز عن الانقاذ ما جعل لبنان مزرعة للطوائف والمذاهب والنهب والفساد من الطبقة المالية والدينية والسياسية المسيطرة.
فزيارة البابا لاوون الرابع عشر مقدسة، ولها أهميتها ومن حق الكثير من اللبنانيين وضع الآمال عليها، لكن العوم في بحر الآمال، سيغرق الكثير من اللبنانيين في كوابيس الاحباط، لأن العدو الاسرائيلي مازال وسيستمر ويصعد من عدوانه واعتداءاته في إطار مشروعه المدعوم أمريكيا القائم على الاحتلال والقتل والمجازر وحروب الابادة والسيطرة والنهب. والوضع الداخلي اللبناني وصل إلى مرحلة متقدمة من التعفن والتكلس ليس من السهل أن تنتهي بدعاء أو رجاء.
فاعتداءات الاحتلال واقع قائم، كذلك الواقع اللبناني المهترئ، وهو واقع ملموس يتطلب حراكا ملموسا على أرض الواقع، وهذا ما جعل البعض يرى أن زيارة قداسة البابا مظلة بركة خلال وجوده في لبنان، لكن يبدي مخاوفه من أن تشهد الأيام القادمة التي تلي الزيارة تصعيدا إسرائيليا واسعا ضد لبنان.
فهل سيقدم قداسته ضمانات لبنان، بأن الجيش الاسرائيلي لن يعمل على تصعيد عدوانه خلال أيام ما بعد الزيارة؟ وهل سوف تستجيب حكومة الاحتلال لنداء قداسة البابا ودعائه بوقف عدوانها ووضع حد لاحتلالها للأراضي اللبنانية ما يسهل من مهمة الجيش اللبناني والقوات الدولية في بسط سلطة الدولة بشكل كامل على جنوب لبنان؟
ليس من المتوقع أن تلتزم تل أبيب بذلك، بل ما هو متوقع أن تستمر وتتصاعد الاعتداءات والخروقات الاسرائيلية على لبنان قبل الزيارة وبعدها، كما أن تعقيدات الأزمة الداخلية اللبنانية وتركيبة الطبقات المسيطرة، لا تجعل الآمال كبيرة بإمكانية أن تتغلب الأخلاق، والأدعية إلى الله على المصالح.