كتب عصام الحلبي
في عصر تتداخل فيه الشهرة مع الضجيج، وتضيع فيه الموهبة بين خيوط "الترند" الزائفة، يبرز اسم لامع — أو بالأصح "ملتهب" — في سماء الفن المتعثر: إنه الفنان الذي لا يشق له نشاز، صاحب الصوت الذي لا علاقة له بالسلم الموسيقي، والذي نصب نفسه نجمًا غنائيًا ... إنه "رابح النار".
رابح — الذي اخترت له هذا الاسم، ولا اريد ذكر اسمه الحقيقي، يمتهن الغناء، أو على الأقل هكذا يدّعي. غير أن الاستماع إليه تجربة لا تشبه أي شيء في عالم الموسيقى؛ فهي تمزج بين صراخ قطة جائعة وارتطام غطاء طنجرة على الأرض، مع نكهة خفيفة من الكاريوكي المرتبك.
ورغم الأداء "الناري" الذي يقدمه في كل ظهور إلا أن المفاجأة الحقيقية تكمن في كلمات أغانيه. إذ تفيض بالمعاني المبهمة، والمفردات المرتبكة، فتجد مثلاً عبارات من نوع:
"أحبك فوق العادة، كأنك علبة شوكولاتة،
تمشي في قلبي كقرط من الموز"
والحق يُقال: لا أحد فهم شيئًا... ولا حتى
لكن "رابح النار" لم يتوقف عند حدود اغتيال الذائقة السمعية لمستمعيه خجلا فقط، بل وسّع نشاطه إلى مجالات أكثر احترافًا: الكذب، الخداع، وسرقة جهود واتعاب الآخرين.
فقد اشتهر بين أوساطه، لا بجودة صوته، بل بقدرته الخارقة على انتزاع وسرقة أفكار وجهد أصدقائه — خاصة الصحفيين منهم دون وجل او خجل.
ويُروى أنه مؤخرًا استولى على جهد صحفي محترم وهادئ الطباع، معروف بمصداقيته ومهنيته العالية، حيث أوهمه بشراكة "فنية إعلامية"، ثم قام باغلاق هاتفه والاختفاء بعد سرقة جهد الصحفي.
وقد شوهد الصحفي نفسه — الذي لا يرغب في ذكر اسمه، ونحترم ذلك — وهو يتمتم في إحدى الجلسات: "ظننت أنني اقدم جهدا لفنان، فاكتشفت أنني أبذل جهدا لحساب طماع يعشق الأضواء .
أما عن جمهور "رابح النار"، فهم مجموعة من الأصدقاء المجاملين، والأقارب المضطرين، وعدد من الحسابات الوهمية على مواقع التواصل واليوتيوب، التي لا يعرف أحد من يديرها.
ورغم أنه يفتخر دائمًا بعدد "المشاهدات"، إلا أن المراقبين يلاحظون أن أرقام "عدم الإعجاب" في ارتفاع مستمر، مما يجعله ظاهرة تستحق الدراسة.
في النهاية، يثبت لنا "رابح النار" أن الشهرة في هذا الزمن ليست دليلًا على الموهبة، وأن الصوت العالي لا يعني بالضرورة أن هناك شيئًا يُقال. بل أحيانًا، يكون الغناء مجرد وسيلة لتضليل الجمهور، وسرقة جهود الآخرين، وتلميع الذات بورق القصدير.
ومع ذلك، لا يسعنا سوى أن نشكر "رابح" على شيء واحد: أنه جعلنا نضحك، لا من النكتة، بل من المشهد كله!