بشير مصطفى
صحافي
@albachirmostafa
في الذكرى الثامنة لتفجير مسجدي التقوى والسلام في مدينة طرابلس شمال لبنان، تبدّل السؤال من مَن هو الفاعل، إلى من سيتولى تنفيذ حكم المجلس العدلي بحق من خطط ونفذ الجريمة التي أسفرت عن سقوط 54 قتيلاً و800 جريح؟ قد تكون الإجابة على هذا السؤال بديهية بنظر البعض، إلا أنها في الحقيقة ليست بهذه السهولة، وخصوصاً أن بعض المدانين بالتخطيط للجريمة هم مسؤولون أمنيون في سوريا، كما أن شكل السلطة في لبنان تغير كثيراً خلال العقد الأخير من الزمن، ليصبح أقل توازناً وأكثر قرباً من "محور الممانعة".
العدالة من أجل الضحايا
انفجار المسجدين ليس مجرد حادثة عابرة بالنسبة لكثيرين، وبعيداً من الرمزية الدينية والوجدانية للمكانين، والانقسام السياسي الذي يتيح للبعض من باب الخصومة إيجاد مبرر لهذا الفعل أو ذاك، وهو أمر حاضر في السياسة اللبنانية، فإن هناك حكماً قضائياً صدر عن المجلس العدلي لا بد من تنفيذه، وتؤكد المحامية سليمة أديب أن "الحكم قطعي"، وغير قابل للاستئناف، وبالتالي على السلطات اللبنانية القضائية والعدلية تنفيذه.
وجاء القرار القضائي ليقرّ ما ذهب إليه القاضي آلاء الخطيب في القرار الاتهامي عندما ادعى على مجموعة من الأمنيين السوريين بجرم التخطيط للجريمة وتشكيل خلية درس ورصد لتنفيذ أعمال إرهابية في لبنان، وتحديداً الفار الذي يشغل منصب نقيب في المخابرات السورية محمد علي ومجموعة من الفاعلين من الجنسيات اللبنانية والسورية والعراقية.
وتضمن القرار أسماءهم ومهماتهم "الموقوف أحمد حسن الغريب من المنية (طرابلس)، الموقوف مصطفى محمد حوري من السويقة (سوريا) الذي أفاد بأن الغريب فاتحه بموضوع الانتقام من الشخصيات المعادية للنظام السوري، وأعلمه بإمكان جلب سيارة مفخخة لوضعها أمام المسجد (التقوى) بعد تفخيخها في سوريا، الفار السوري خضر لطفي العيروني الذي اشترى السيارة المفخخة التي استهدفت مسجد السلام، المدعى عليه اللبناني هاشم منقارة بتهمة عدم إبلاغ السلطات المختصة بالمخطط، والذي تمسك أثناء التحقيق بعدم معرفته به على الرغم من إصرار أحمد الغريب على أنه أبلغه به علي ومصطفى شمص، والعراقي محمد حسين، لإقدامهم على التدخل في العمل الإرهابي من خلال شراء سيارات وإرسالها إلى خضر العيروني في سوريا بغية تفخيخها ومن ثم تفجيرها في طرابلس".
كذلك شمل الادعاء اللبنانيين الفارين يوسف دياب الذي شارك في عملية نقل السيارتين المفخختين من منطقة القصر الحدودية بين لبنان وسوريا إلى جبل محسن (طرابلس)، وسلمان أسعد شارك في نقل السيارتين المفخختين، كما في مرافقة وإخراج منفذ تفجير التقوى بسيارته، والشيخ حيان رمضان الذي نسق عملية تفجير السيارتين وتوزيع الأدوار، وخضر شدود وأحمد مرعي لإقدامهم على القيام بأعمال إرهابية من خلال التفخيخ والتنفيذ
وضمت اللائحة السورية ثكينة إسماعيل التي تدخلت في الجريمة بنقل السيارتين المفخختين من سوريا إلى لبنان، وكذلك شحادة شدود لإقدامه على جرم الإخفاء ومساعدة ثكينة، إضافة إلى السوري ناصر جوبان مسؤول الأمن السياسي الملقب بـ "أبو خالد"، واللبناني سمير حمود بجرم إخفاء ومساعدة أحد المطلوبين للعدالة، كما شملت قائمة الاتهام اللبنانيين أنس حمزة وحسن جعفر، والمتوفى علي عيد لإقدامه على إخفاء المطلوب للعدالة أحمد مرعي.
الخسارة كبيرة
لحظة الانفجار ما زالت راسخة في ذاكرة عدد كبير من الناس، فهم فقدوا حبيباً أو أخاً أو أباً أو أختاً، ويتحدث أهالي الضحايا عن غصة تعتريهم حتى اليوم، فلا تتخيل إحدى الشابات رحيل صديقتها المقربة التي تشع "بالعلم والذكاء والجمال"، في ذلك اليوم أخذت إذناً من المكتب حيث تعمل لتشتري أغراضاً للمنزل، وخلال انتقالها من قلب مدينة طرابلس إلى خارجها، أنهى انفجار مسجد التقوى حياتها ومخططاتها، وكانت على أبواب تأسيس أسرة، إلا أن قدرها عاكسها وانتهت حياتها، وعاشت عائلتها أوقاتاً عصيبة، فهي فقدت الاتصال بابنتها ومضت أيام قبل العثور عليها، وقد قذفها الانفجار بعيداً، ولم تتمكن العائلة من وداع ابنتها، وهذا ما جعلها تعيش الحسرة حتى يومنا هذا، فقد فقدت أشلاء من جسدها.
وينتظر الأهل تحقيق العدالة لابنتهم، وكذلك أبناء المدينة الذين يستذكرون نداءات أبو عشير عبوس الذي رحل أخيراً قبل أن يرى القتلة وراء القضبان.
الصدمة النفسية
المحامي علي زمزم الذي كان يصلي في ذلك اليوم في مسجد التقوى يقول إنها "لحظات لا تنسى، كأنها أمامي الآن"، فقد عاش حالاً من الذهول تحت وقع الانفجار، وخسر سمعه دقائق عدة، ونظر حوله فلم يجد سوى الدمار والدماء، واتجه إلى باب المسجد حيث منعته نار مخيفة من الخروج، فما كان منه إلا أن توجه إلى الباب الخلفي للخروج، فإذا بأشلاء المصلين تملأ الأرض، "والشاب الذي توجه إليه بالتحية أثناء الدخول إلى الصلاة، ترقد جثته بسلام على الأرض"، فقد تعرّف عليه من خلال ملابسه.
ومضت السنون إلا أن "صرخات الناس ما زالت تسكن مخيلته"، "وكذلك لحظات الرعب الشديد، إضافة إلى صور الجثث المتفحمة وتحديداً "سيدة طاعنة في السن تحولت إلى جسد محروق".
تنفيذ القرار القضائي
وفي الذكرى الثامنة على تفجير المسجدين، عقد اللواء أشرف ريفي وإمام مسجد التقوى سالم الرافعي وإمام مسجد السلام بلال بارودي مؤتمراً صحافياً طالبوا فيه تنفيذ القرار القضائي الصادر عن المجلس العدلي.
وحمّل اللواء ريفي "المنظمة الحاكمة" "التي "يحميها سلاح إيران مرتكب الجرائم الكبرى"، و"نظام الأسد" المسؤولية عن الجرائم، متسائلاً عما "إذا تمت مطالبة الإنتربول الدولي والعربي بتنفيذ مذكرات التوقيف"، وأكد أن العدالة وحدها تحمي الناس، لأن البديل عنها هو الثأر والانتقام كما حدث في خلدة (جنوب لبنان) بعد أن حمى "حزب الله" قاتل أحد الشبان (حسن غصن)، وتحدث ريفي عن رابط بين الجرائم المتلاحقة في لبنان ومن ضمنها اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، وأحداث السابع من مايو (أيار)، وانفجار مرفأ بيروت وانفجار التليل (شمال لبنان).
وتوجه ريفي إلى رئيس الجمهورية ميشال عونه مطالباً إياه بالاستقالة مع "كامل المنظومة" كمقدم لعملية الإنقاذ، وتطرق إلى الحس الأمني لدى الضباط ومن ضمنهم عون الذي لم يتحرك على الرغم من أنه "علم قبل 14 يوماً من تفجير مرفأ بيروت بوجود نيترات الأمونيوم، بينما تحرك اللواء وسام الحسن قبل 14 دقيقة من تنفيذ عملية ميشال سماحة وعلي مملوك، لأن معالجة الأخطار الأمنية الكبرى لا تحصل بالمراسلات والمعاملات الورقية أو تترك للمعاونين.
ولفت ريفي إلى ضرورة "تأمين الحماية للمحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ طارق البيطار لإتمامه مهمته الوطنية"، وإلا ستتم المطالبة بإنشاء لجنة تحقيق دولية، داعياً إلى الالتزام بحياد لبنان وفق مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي.
أما الشيخ سالم الرافعي فتطرق إلى مسألة إحقاق العدالة، ففي أول الأمر تعاملت الدولة اللبنانية بحزم وصولاً لإقرار القرار الاتهامي، ولاحقاً بدأت بالتساهل مع المتهمين بسبب المصالح مع النظام السوري، واتهم الرافعي أجهزة الدولة التي تتغاضى عن أعمال القتل والتشبيح بالتواطؤ في فساد المجتمع.
ووضع الشيخ بلال بارودي جريمة تفجير المسجدين في مسار إجرامي مستمر إلى انفجار مرفأ بيروت ومخزن المحروقات في التليل، ولاحظ أنه في كل الأحوال "المجرم ما زال يرتع ويلعب ويرهب ويهرب ويصادر قرار البلد"، وعبّر عن ثقة "ببعض القضاء في لبنان، وتحديداً من تابع جريمة تفجير المسجدين وأصدر القرارات بحق المرتكبين"، إلا أن "العدالة في تطبيق الأحكام مفقودة لأن المتهم في الجرائم، أي النظام السوري، يعتمد على حلفائه في تغطية جرائمه"، وتوجه إلى السلطة اللبنانية بالسؤال عن السبب الذي يحول "من دون تنفيذ الأحكام القضائية"، مشيراً إلى أن "المجرم لم يراع دور عبادة ولا دماء النساء والأطفال والشيوخ، وأثبت أنه راع للإرهاب".
الخطر مستمر
ويخلق عدم تنفيذ الأحكام شعوراً بأن الخطر ما زال مستمراً، وقال النائب السابق خالد الضاهر إنه "كان ضمن القائمة المستهدفة من قبل النظام السوري من الفترة السابقة لتفجير المسجدين"، وتحدث الضاهر عن سلوك يعتمده النظام السوري في تعامله مع مخالفيه، حتى من أبناء شعبه إذ قام بتهجير أكثر من نصفهم، مؤكداً خطورة مخططه للتغيير الديمغرافي في سوريا والترويج لفكرة حلف الأقليات في المنطقة.
وأكد الضاهر عودة العلاقات إلى طبيعتها في مدينة طرابلس بين المكونين السني والعلوي، وقال إن الأيام تشهد أنها مدينة التعايش والمعاناة المشتركة بين مختلف الشرائح لأنه "لا تزر وازرة وزر أخرى"، ولا يمكن تحميل أهالي جبل محسن تبعة أعمال مجموعة من الأفراد اشتركت في الجرم، لأنه "ضمن كل جماعة هناك أفراد يشترون ويباعون".
ورأى الضابط المتقاعد عميد حمود الذي كان ضمن قائمة المستهدفين بحسب القرار الاتهامي أن "تفجير المسجدين هو استمرار للعمليات الإجرامية التي يمارسها النظام السوري ومحور الممانعة التي استهدفت شخصيات سياسية، ودفع اللواء وسام الحسن حياته ثمناً بعد أن أحبط مخطط "سماحة - مملوك"، وصولاً إلى التفجيرات التي نشهدها، إذ يوجهون رسائلهم بدماء الأبرياء لإخضاع الناس".
ورفض حمود "وضع التفجيرات في نطاق تصفية الحسابات"، وقال "نحن لم نرتكب شيئاً بحقه حتى يصفي حسابات بحقي، فهو يريد إخضاع البلد لأساليبه الإجرامية ولمحوره"، وسبق أن "استعمل البراميل المتفجرة بحق مواطنيه من دون أن يحاسبه أحد من المجتمع الدولي"، وأكد أن المواجهة الحالية "لم تعد تعتمد على ما يسمى تجمع "14 آذار"، لأن شخصيات كثيرة خضعت لمنطق محور الممانعة الذي يمسك بالسلطة، وإنما المواجهة حالياً هي بثوار أصحاب كلمة عراة الصدر"، مراهناً على وعي الناس وانتخابات نيابية مقبلة يشارك فيها "الخائفون والمنشغلون اليوم بالأزمات والطوابير".