الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

"فتح لاند" و"جبران لالاند"


زاهر أبو حمدة
من السهل تزوير التاريخ. الأسهل صناعة الافتراءات واستحضار مواقف أو أحداث وربطها بالحاضر أو المستقبل. هذا ينطبق تماماً على جوقة الاتهامات ضد اللاجئين الفلسطينيين وما يعتبرونه سلاحاً بأيديهم. رُفعت السيوف بعد إطلاق صواريخ من لبنان تجاه المستوطنات الإسرائيلية. ومن المستغرب أن يتبنى البعض الرواية الإسرائيلية واعتبار أن فصيلاً أو فصائل فلسطينية أطلقت الصواريخ.
ولأنه لم يتبنى أي فصيل فلسطيني عملية إطلاق الصواريخ، وكذلك لم تقل قوات "اليونيفل" أو الجيش اللبناني من الفاعل؛ كيف عرفت الفرقة السياسية وعزفت الخطاب نفسه ضد الفلسطيني وسلاحه المحدود في لبنان؟ الإجابة هي الاستناد الى قاله مسؤولون إسرائيليون ووسائل اعلام عبرية. والأخطر ما قاله الوزير السابق جبران باسيل، فأكد أن "اتفاق القاهرة مات و"فتح لاند" لم تعد موجودة، ولا نحتاج لأن يأتي أحد ويستعمل أرضنا ليبعث برسائل، ولا نقبل على أرضنا إلا بالسّلاح اللبناني في يد اللبنانيين ونريد بلدنا لنا، لا أن يكون مطيّةً لأحد". أراد باسيل، توجيه رسائل داخلية وخارجية من هذا الكلام، على حساب استضعاف الفلسطيني وتحميله المسؤولية إطلاق الصواريخ من دون أدلة أو اثباتات.
في عام 2014، وأثناء العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة أطلق من جنوب لبنان بضع صواريخ، وتكررت الأمر في أيار 2021 أثناء معركة سيف القدس. في الحادثة الأولى، عُرف لاحقاً أن من أطلق الصواريخ لبنانيون ينتمون الى "الجماعة الإسلامية" وفقاً لمصادر أمنية وسياسية. أما الحادثة الثانية لم يُعرف من خلفها كما حصل قبل أيام. ويمكن التأكيد أن الفلسطينيين لم يستخدموا الأرض اللبنانية في الحالات الثلاث، لأنهم ببساطة لا يملكون صواريخ في المخيمات أو خارجها. يعرف السيد باسيل أن السلاح الفلسطيني فردي، وأن السلاح الثقيل قدمته الثورة الفلسطينية هدية للجيش اللبناني في بداية التسعينيات. ويعرف أن أي طرف فلسطيني لا يمكنه التفكير بتأسيس بنية عسكرية لأن الاستراتيجية العسكرية والسياسية تغيرت كلياً، وأصبح الشغل الشاغل هو الاشتباك مع الاحتلال من داخل فلسطين المحتلة.
إن حفلة الجنون بالاتهامات خطيرة، وهي تعطي مبرراً وغطاءً للاحتلال لقصف المخيمات الفلسطينية. وأي قصف لأي مخيم يعني مجزرة بحق اللاجئين في ظل اكتظاظ سكاني في مساحات صغيرة محاصرة ومتناثرة. وإذا كان السيد باسيل وغيره ينظرون الى الفلسطيني على أن لديه طموح عسكري في الداخل اللبناني او من خلال لبنان، فهذا يعني أنهم يعيشون في "لالاند" خاص بهم. هذا خيال غير علمي. هذا خيال لأهداف سياسية وتوجيه رسائل الى حلفاء باسيل وتقديم ولاءات وأوراق اعتماد عن السفارات من أجل أحلام رئاسية. هذا يشبه الفيلم الأمريكي "la la land" الذي كتبه وأخرجه داميان تشازيل، من ناحية الكوميديا والدراما الرومانسية. ويبدو أن البعض يمتلك الرومانسية السياسية ونوستالجيا الى عقود مضت. 
ومن المهم، القول إن كان الفلسطيني يريد أي دور في لبنان، كان يمكنه فعل ذلك منذ عام 2005 وما تبعها من أزمات سياسية وخضات أمنية. حتى أن بعض الأطراف اللبنانية حاولت الزج بالفلسطينيين ومخيماتهم في الاشتباكات لكنهم كانوا واضحين أنهم لن يدخلوا كطرف في أي أزمة. وتعرف هذه الفرقة السياسية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، عرض على الرؤساء اللبنانيين كافة تسليم سلاح المخيمات ولتتكفل السلطات اللبنانية أمن المخيمات، لكن الرفض كان لبنانياً، وهذا مثبت في محاضر اجتماعات في بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي.
إن الفلسطيني في لبنان، استخدم سلاحه وفقاً لاتفاق مع الدولة اللبنانية، للكفاح ضد عدو مشترك هو الاحتلال. ولم يسطو على جنوب لبنان أو كما أسماها الإسرائيليون والأميركيون "فتح لاند"، إنما كان بالاتفاق مع البيئة الجنوبية والحكومة اللبنانية لا بل انضم الاف اللبنانيين الى قوات الثورة الفلسطينية ومنهم مازال حتى الأن عضواً في حركة "فتح" والتنظيمات الأخرى. أما استحضار فكرة "فتح لاند" في هذه المرحلة يعني أن هذه الفرقة لم تغادر مربع الماضي، ومن يعيش في الماضي لا يتقدم نحو المستقبل.