الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

غادرنا يوم غادر الوطن

غادرنا يوم غادر الوطن
بسام صالح 
غادرتنا يوم ان غادرت الوطن، الى الوطن الاخر الذي منحك جوازا للسفر، لتعود به الى وطنك فلسطين، وقريتك الجميلة برقة، ومن هناك كنت تكتب عن وجع الوطن وحكي الناس، في القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية، تنقل اوجاعهم بمصداقية واخلاص، صريحا كعادتك، دبلوماسيا كي لا تجرح احدا، ملتزما بالحركة العملاقة التي آمنت بها طريقا لفلسطين، ناقدا بالتزام ووعي فتحاوي لا ينقطع، غادرت الوطن كما تقول في مقالتك الاخيرة، واقتبس" سأغادر الوطن الى الاخر بعد يومين لاسابيع اقل من اصابع اليد، رغم انني اعشق الوطن بكل ما فيه من الارصفة لابحث عن لقاح ضد احتلال آخر في الوطن المحتل بأكثر من محتل لتطول حياتي في الوطن الجميل فلسطين ؟" فجأتني بمقالتك، وعندما سألتك مستفسرا، عن صحتك قلت لا شئ الحمد لله يمكن اخذت شوي برد في النمسا، كنتَ سعيدا بانك تلقيت اللقاح ضد الفيروس اللعين فور وصولك الى فيينا، لان اللقاح في الوطن يحتاج لتاشيرة دخول من المحتل الغاصب، وقلت لي كلها كم يوم وبرجع غدرك الفيروس اللعين. فهل كنت تشعر بقرب الوصول الى نهاية المطاف؟ ليبقى هذا السؤال سر الوجود؟ 
رحل الاخ الاكبر احمد دغلس، الصحفي والاعلامي الفلسطيني الذي عمل في وكالة الانباء الفلسطينية وفا في النمسا، وكان اول امين سر لاقليم حركة فتح فيها، رحل الصديق الاكبر، وغابت مكالماته اليومية، ومناقشاته الجدية خاصة في الوضع الفلسطيني، رحل وفي قلبه حسرة، وفي عينيه دمعة لم تسقط، لانه كان مليئا بالتفاؤل والامل بان الامور لازم تتغير للافضل، وان لا ننسى اننا مازلنا في مرحلة التحرر الوطني، وعلينا الاستمرار في البقاء على ارضنا، ولهذا ترك النمسا وعاد للعيش في ارض الوطن، وفي قريته مسقط راسه، زرته قبل سنوات والح ان نذهب سويا لبيته، وان نقف لحظات امام نافذة تشاهد منها سهول وهضاب فلسطين، كم كانت سعادته وهو يشرح لي كيف سيرمم البيت، وكم كان في قمة السعادة وهو يلاعب ابنه الصغير. رحل احمد بعد ان ترك بصماته في قريته، فهوصاحب فكرة تمثال "ظريف الطول" التي تم تصميمه ووضعه على مدخل القرية، رمزا للفلاح الفلسطيني المتشبث بارضه، كان حلمه ان يقام هذا النصب على مداخل قرى ومدن فلسطين. 
ترجل فارس من فوارس المؤسسين لاتحاد الجاليات الفلسطينية في اوروبا، ترجل قبل ان يلتئم الجرح، وقبل يوم واحد من ذكرى مرور عام على رحيل الاخ والحببيب نبيل خير، وكأن شهر نيسان يأبى علينا الرحمة، من الشهيد عبد القادر الحسيني الى الشهيد ابو جهاد الوزيرمرورا بشهداء فردان كمال عدوان وكمال ناصر و ابو يوسف النجار، وغسان كنفاني، وشهداء مجزرة دير ياسين، وحمام الشط بتونس، شهر نيسان  رغم مرارته يمثل الذاكرة الفلسطينية التي لا تموت. 
رحلت يا صديقي بعد ان اكملت عامك ال 82 بيوم واحد،  بجسد انهكه فيروس كورونا، ولم تثنيه اعاصير الزمن ولا الرسائل المفخخة، ولكنك لن ترحل بافكارك ومبادئك فهي ملك لنا، نحافظ عليها ونطورها الى ان يتحقق الحلم الذي جمعنا بالحرية 
والاستقلال والعودة الى الوطن الذي احببته خاليا من فيروس الاحتلال وطفراته التي طالما حذرتنا منها . رحمك الله حيثما تكون في الارض او في السماء، لك منا عهد الوفاء الحق.