الجمعة 13 حزيران 2025

حق العودة: قضية وطنية فلسطينية راسخة في الشرعية الدولية



بقلم: عصام الحلبي

بدأت مأساة اللجوء الفلسطيني عام 1948، حين اقتلعت العصابات الصهيونية نحو 750 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم قسرًا، إثر المجازر والهجمات التي استهدفت المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ. لم تكن هذه النكبة حدثًا عابرًا في التاريخ الفلسطيني، بل فتحت صفحة جديدة من الألم والشتات، ما زالت مستمرة حتى اليوم. وتوسعت موجات اللجوء لاحقًا بعد عدوان عام 1967، لتشمل دول الجوار ودولًا بعيدة، فبات الفلسطيني لاجئًا قسرًا في كل أصقاع الأرض.

غادر اللاجئون فلسطين بأجسادهم، لكن عقولهم وقلوبهم ظلّت متشبثة بوطنهم. وعلى الرغم من قسوة الشتات ومصاعب الحياة، لم يتخلّ الفلسطيني عن حقه في العودة. بل خاض من أجله نضالًا مستمرًا على مختلف الأصعدة: الشعبية، والسياسية، والوطنية، والدبلوماسية، والقانونية. ويخوض الفلسطيني معركته عبر ممثله الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية، ومن خلال ممثليات المنظمة وسفارات دولة فلسطين، إلى جانب النشاط الجماهيري والثقافي في بلدان اللجوء.

ويستند الفلسطينيون في تمسكهم بحق العودة إلى عشرات القرارات الدولية، وعلى رأسها القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، والذي ينص في الفقرة 11 على "وجوب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم بالعودة في أقرب وقت ممكن". وقد أعيد التأكيد على هذا القرار أكثر من 135 مرة في قرارات لاحقة. كما جاء في القرار 3236 لعام 1974 تأكيد واضح على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وفي الاستقلال، وفي عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم.

لم تكن المخيمات التي أقيمت للاجئين مجرد ملاجئ مؤقتة، بل تحوّلت مع مرور الزمن إلى رموز وطنية وسياسية. فالمخيم بات الحاضنة التي تغذّي ذاكرة اللاجئ، حيث تُرفع أسماء القرى والمدن الفلسطينية على جدرانه، وتُروى تفاصيل التاريخ والهوية للأجيال الجديدة. وعلى الرغم من الظروف المعيشية الصعبة، يرفض اللاجئون الفلسطينيون اعتبار تحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك حقوق الإنسان الأساسية كحق العمل والسكن، بديلًا عن العودة. بل يشدّدون على أن تلك الحقوق لا تُلغي حقهم في وطنهم، ويرفضون بشكل قاطع أي مشاريع تهدف إلى التوطين أو التذويب.

ولا يقتصر النضال الفلسطيني من أجل العودة على الجانب السياسي أو القانوني، بل يمتد إلى ميدان الثقافة والتراث. ففي ذكرى النكبة السنوية، التي تُحيى في 15 أيار/مايو، يشارك الفلسطينيون في مسيرات العودة، ومعارض الصور والكتب التي توثّق تاريخ القرى المهجّرة، إلى جانب الأنشطة التراثية مثل الدبكة، والأغاني الوطنية، وارتداء الزي الفلسطيني، فضلًا عن مهرجانات تُقام في الشتات وتحمل أسماء القرى الفلسطينية، لتؤكد أن الذاكرة ما زالت حيّة.

يواصل الفلسطيني تمسكه بحقه في العودة، رغم أن الطريق ما زالت طويلة وشاقة. لكن هذا الحق لا يزال حيًّا في وجدان كل لاجئ، محفورًا في وعيه، متجذرًا في ثقافته. إنه مفتاح يُرفع في سماء المخيم، لا كقطعة معدن، بل كرمز لوعد لا يسقط بالتقادم. فهل من يسمع صوت المفتاح حين يُرفع عاليًا؟