في الوقت الذي تتسع فيه دائرة الاحتجاجات في إيران، تتواصل الأزمات الاقتصادية التي تطارد غالبية الشعب الإيراني، إذ بدأت أزمات نقص الموارد العامة والعجز الضخم في الموازنة، إلى الانعكاس بشكل مباشر على حياة الإيرانيين التي ارتفعت فيها تكلفة المعيشة بنسب مرعبة مع تفاقم أزمات التضخم والبطالة وتهاوي معدلات النمو.
في الوقت نفسه، تكشف أزمات نقص المياه واستمرار انقطاع التيار الكهربائي، عن أزمة كبيرة في إمدادات الطاقة الخاصة بالسوق المحلية في إيران، والتي جاءت بعد استمرار فرض العقوبات الأميركية على صادرات النفط والوصول به إلى المستوى "صفر". لكن من المتوقع أن تتفاقم الأزمة بخاصة بعد إعلان الإدارة الأميركية الجديدة عن تشديد عقوباتها على واحد من أهم منافذ بيع النفط الإيراني، مع تصاعد مراوغات طهران حيال العودة إلى المحادثات النووية، وكشف مسؤول أميركي عن أن بلاده تدرس تشديد تنفيذ عقوباتها على مبيعات النفط الإيراني إلى الصين.
وبخلاف أزمة الخبز التي تشهدها البلاد أخيراً، فقد حدثت انقطاعات للمياه وكذلك الكهرباء في أنحاء البلاد في الأسابيع القليلة الماضية، لكن تأثيرها كان سيئاً خصوصاً في إقليم خوزستان حيث بلغت درجات الحرارة هناك 50 درجة مئوية، وأضرّت هذه الانقطاعات بالزراعة، وتشهد إيران، في الوقت نفسه، موجة أخرى قاسية من الجفاف.
عملة إيران المنكوبة مقابل الدولار
على صعيد العملة الإيرانية، ومنذ أن انسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من الاتفاق النووي في الثامن من مايو (أيار) من عام 2018، شهدت العملة الإيرانية انهياراً غير مسبوق لم تسجله منذ عام 1979. وعقب قرار الانسحاب الأميركي، ردت طهران بانتهاك عدد من القيود النووية المفروضة عليها، ما دفع الإدارة الأميركية إلى فرض المزيد من العقوبات التي انتهت بتصفير صادرات النفط الإيراني ومعاقبة مسؤولين وشركات إيرانية.
وشهدت سوق الصرف الإيرانية العديد من الضغوط خلال فترة تولي المحافظ المقال أخيراً، عبد الناصر همتي، منصب محافظ البنك المركزي في عام 2018، حيث انهار سعر العملة المحلية مقابل الدولار الأميركي. وتشير البيانات إلى أن الدولار تمكّن من الارتفاع بنسبة 120 في المئة خلال فترة رئاسة المحافظ المقال للبنك المركزي الإيراني.
وتشير البيانات إلى أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء، قفز من مستوى 114.1 ألف ريال في بداية عام 2018 إلى مستوى 250 ألف ريال في الوقت الحالي، ما يعني أن الدولار الأميركي حقق مكاسب تقترب من 136 ألف ريال خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
معدلات التضخم تزيد من حدة الفقر
وتشير البيانات والأرقام المتاحة إلى أن أكثر من نصف الشعب الإيراني، يواجه الفقر المدقع، ما يزيد من حدة الضغوط التي تنتظر الرئيس الإيراني الجديد، وتمتد أزمات الاقتصاد الإيراني من انهيار سعر العملة الذي يصحبه تضخم مرتفع وقاسٍ، مروراً بارتفاع حاد في نسب البطالة، مع تراجع قياسي في الإيرادات بعد انهيار عائدات صادرات بيع النفط، مع استمرار العقوبات الأميركية ما تسبّب في انهيار احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
وأضافت التداعيات الخطيرة التي خلّفتها جائحة كورونا العديد من الأزمات ليتحول النمو إلى انكماش صعب، إضافة إلى استمرار نزوح المستثمرين والشركات الأجنبية، وأخيراً اتساع دائرة الفقر المدقع ليطال أكثر من نصف الشعب الإيراني، وهو ما ارتفع خلال الفترات الأخيرة مع تفاقم أزمة معدلات التضخم والارتفاع الكبير في أسعار كل السلع.
وتشير تقارير المؤسسات الدولية إلى أن الاقتصاد الإيراني يقترب بالفعل من حافة الهاوية، لكن الجهات المسؤولة في إيران تواصل تقديم بيانات مغلوطة، ولا تفصح عن الأرقام الحقيقية، وبخاصة ما يتعلق منها بالناتج المحلي الإجمالي أو مدخلات الموازنة العامة أو خسائر النفط مع إصرار الإدارة الأميركية السابقة على "تصفير" صادرات النفط، وأخيراً احتياطي النقد الذي اقترب من النفاذ.
وفي ما يتعلق باتساع دائرة الفقر، كان مركز الإحصاء في إيران، قد كشف عن ارتفاع حدة الفقر المدقع في البلاد، وقال إن أكثر من 50 في المئة من السكان يعيشون في فقر مطلق، وتسبب تهاوي الدخل في انخفاض نسبة استهلاك اللحوم بنحو 65 في المئة، كما تراجع استهلاك الأرز بنسبة 35 في المئة، وتشير البيانات إلى أن نسب الفقر ارتفعت في إيران من مستوى 18 في المئة خلال عام 2011 إلى نحو 24 في المئة خلال عام 2018، ثم زادت النسبة إلى 35 في المئة خلال عام 2019، لتقفز في الوقت الحالي إلى أكثر من 50 في المئة.
زيادة بنسبة 60 في المئة في أسعار السلع والخدمات
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، توقع صندوق النقد الدولي مزيداً من ارتفاع التضخم في إيران، ودعا إلى إصلاحات تدعم تعافي الاقتصاد من تداعيات أزمة كورونا، وفي تقرير حديث، كشف مركز الإحصاء في إيران، عن زيادة بنسبة 59.6 في المئة في أسعار المواد الغذائية خلال شهر يوليو (تموز) الماضي، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وفي وقت بلغ معدل التضخم السنوي نحو 44.2 في المئة، فإن معدل التضخم السنوي للأسر الحضرية والريفية بلغ نحو 43.7 في المئة و47.3 في المئة على التوالي، لذلك ارتفعت الأسعار في المناطق الريفية أكثر من المدن، ودفعت هذه الأرقام صندوق النقد الدولي إلى تأكيده أن إيران سجلت بعد فنزويلا وزيمبابوي والسودان وسورينام ولبنان، أعلى معدل تضخم في العالم عام 2020، وستزداد البلاد سوءاً هذا العام.
وعلى الرغم من المخاطر العديدة التي تحاصر الاقتصاد الإيراني، لكن الرئيس حسن روحاني اختزل كل الأزمات في "العقوبات الأميركية"، وتشهد البلاد موجة عنيفة من ارتفاعات أسعار السلع الأساسية والخدمات، بينما تبررها الحكومة بقيام الإدارة الأميركية بتجميد الأموال الإيرانية في الخارج والتزام الدول بتنفيذ العقوبات الأميركية التي فرضتها على إيران.
وفي وقت سابق، كشف مركز الأبحاث البرلمانية، أن حوالى 23 إلى 40 في المئة من سكان إيران يعيشون في خطر الفقر، وطالب بضرورة تغطية حوالى 60 مليون شخص، أي أكثر من ثلثي سكان البلاد، من خلال خطة معيشة الأسرة، ما يعني أنهم فقراء ويحتاجون لمساعدات مالية.
واعترف الرئيس روحاني بأن الآثار الاقتصادية للقيود المفروضة على وباء كورونا أدت إلى ارتفاع الأسعار العالمية لكل السلع ولا سيما الأساسية، وأن الجفاف قلّل من إنتاج بعض المحاصيل، وعلى الرغم من كل المشكلات، بخاصة العائقين الرئيسين، تفشي كورونا والحرب الاقتصادية (العقوبات)، فإن حكومته لن تسمح للحكومة المقبلة بمواجهة مشكلة توريد السلع الأساسية في بداية نشاطها.
96.7 في المئة من احتياطي النقد تبخر في ثلاث سنوات
في ما يتعلق بمعدلات البطالة، وفي الوقت الذي أشار فيه صندوق النقد الدولي إلى ارتفاعها لتسجل مستوى 11.2 في المئة خلال العام الماضي، كشف مركز الإحصاء في إيران، أن عدد العمال الذين تبلغ أعمارهم 15 سنة فأكثر في البلاد انخفض من 24.273 مليون شخص إلى 23.263 مليون شخص خلال العام الماضي، ما يعني أن أكثر من مليون عامل فقدوا وظائفهم خلال عام واحد، وبحسب التقرير، فإن 25 في المئة ممن فقدوا وظائفهم كانوا يعملون في الزراعة، وحوالى 75 في المئة في الخدمات العامة.
وفي ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، نشر مركز البحوث في البرلمان الإيراني تقريراً قال فيه إن معدل البطالة الذي أعلنته الحكومة عند 9.8 في المئة ليس حقيقياً، وإن معدل البطالة الحقيقي يتجاوز مستوى 24 في المئة.
على صعيد احتياطي البلاد من النقد الأجنبي، تشير البيانات إلى تعرضه لموجة قاسية من الخسائر، إذ هوى بنسبة 92.78 في المئة خلال ثلاث سنوات ليفقد نحو 113.2 مليار دولار بعدما نزل من مستوى 122 مليار دولار خلال عام 2018 إلى نحو 8.8 مليار دولار، وفق الأرقام والبيانات التي أعلنها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية. وكان صندوق النقد الدولي قد قال في تقرير سابق، إنه، لكي يوازن النظام الإيراني ميزانية العام المقبل، يجب عليه بيع النفط بسعر 195 دولاراً للبرميل الواحد.
وقبل رحيله، كشف عبد الناصر همتي، محافظ البنك المركزي المقال أخيراً، عن بيانات تشير إلى نفاد احتياطي النقد الأجنبي لإيران، بحيث قامت الحكومة بتحويل موارد العملات الأجنبية المحجوبة في الخارج أو في صندوق احتياطي النقد الأجنبي إلى الريال من قبل، وأدت هذه الطباعة للنقود من دون دعم إلى نمو غير مسبوق للتضخم والسيولة، وقال إن الحكومة الإيرانية حوّلت حتى موارد العملات الأجنبية، التي يتعذر الوصول إليها، إلى الريال من أجل القضاء على عجز ميزانيتها في السنوات الأربع الأخيرة، والذي يتزامن مع عقوبات ترمب أحادية الجانب ضدّ إيران ما أدى إلى نمو السيولة والتضخم.
وكشف صندوق النقد الدولي في تقرير حديث، أن إجمالي احتياطيات إيران من النقد الأجنبي والذهب انخفض من 121 مليار دولار في عام 2018 إلى أربعة مليارات دولار في 2020، مشيراً إلى أنه من غير الواضح ما هو الوضع الحالي للنقد الأجنبي الإيراني، وتكشف بيانات صندوق النقد الدولي أن إيران خسرت نحو 117 مليار دولار من احتياطي النقد الأجنبي لديها في ثلاث سنوات بما يعادل تراجعاً بنسبة 96.7 في المئة في إجمالي احتياطيات النقد لدى البنك المركزي الإيراني.