بقلم: وائل المولى
كاتب وصحفي
النهار الاخباريه مقالات
في عمق التاريخ العربي الحديث، تبرز ثورة الجزائر كواحدة من أعظم ملاحم التحرر الوطني، ليس بسبب قساوتها فحسب، بل لما حملته من تضحيات أسطورية وإصرار شعبي خارق على انتزاع الاستقلال من أحد أعتى الاستعمارات في العالم وهو الاستعمار الفرنسي.
132 عامًا من القهر والاحتلال
منذ أن اجتاحت القوات الفرنسية الجزائر عام 1830، فُرض استعمار دموي همّش الهوية الوطنية، جرّد الشعب من أرضه، وسعى بكل قوته إلى طمس اللغة والثقافة والدين. تحولت الجزائر إلى ما سُمّي بـ"الولاية الفرنسية رقم 49”، بينما صودرت الأراضي، وهُجّر السكان، واستُغلت خيرات البلاد لصالح المستوطنين الفرنسيين ورعاياهم .لكنّ الروح المقاومة لم تخبُ. فكانت هناك انتفاضات متقطعة منذ البداية، بدءًا من مقاومة الأمير عبد القادر، إلى ثورات القبائل، فاالحركة الكبرى التي ستُغيّر مجرى التاريخ: ثورة نوفمبر 1954.
الفاتح من نوفمبر: شرارة التحرير
في فجر الأول من نوفمبر 1954، أعلنت جبهة التحرير الوطني انطلاق الثورة المسلحة عبر بيان تاريخي دعا إلى "استعادة السيادة الوطنية مهما كان الثمن”.تحركت خلايا المقاومين في جبال الأوراس والقبائل والهضاب، وانتقلت العمليات بسرعة إلى المدن والريف، لتدخل البلاد في مواجهة مفتوحة مع واحدة من أقوى الجيوش الأوروبية.
التضحيات: مليون شهيد في سبيل الكرامة
لم تكن الثورة نزهة. بل كانت حربًا ضروسًا دامت أكثر من سبع سنوات، سقط خلالها أكثر من مليون شهيد، بين مدنيين ومقاومين ، رجالًا ونساءً، شيوخًا وأطفالًا.أُحرقت قرى، وارتُكبت مجازر جماعية، وتعرض الآلاف للاعتقال والتعذيب.
لكنّ الشعب لم ينكسر. وبرزت المرأة الجزائرية كرمز للبطولة، من جميلة بوحيرد إلى حسيبة بن بوعلي، واشتعلت المدن الكبرى، كالعاصمة وقسنطينة وعنابة، بعمليات المقاومة السرية.
الجبهة الإعلامية والدبلوماسية
إلى جانب الكفاح المسلح، خاضت جبهة التحرير الوطني معركة إعلامية ودبلوماسية شرسة.فقد نجحت في تدويل القضية الجزائرية، وكسبت تعاطف الشعوب الحرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما لعبت الدول العربية دورًا مهمًا في دعم الثورة ماديًا وسياسيًا وإعلاميًا.
يوم النصر: 5 يوليو 1962
بعد 132 عامًا من الاحتلال، و7 سنوات ونصف من الثورة، رضخت فرنسا للواقع، وتم التوقيع على اتفاقيات إيفيان في مارس 1962.وفي 5 يوليو 1962، أعلنت الجزائر استقلالها رسميًا، في مشهد تاريخي غمرته دموع الفرح وزغاريد النصر. ومنذ ذلك اليوم، أصبح الخامس من يوليو عيدًا وطنيًا يُجسد معاني العزة والكرامة والانتصار.
الذاكرة الحية: نارٌ لا تنطفئ
ثورة المليون شهيد لم تكن فقط لحظة تحرّر، بل أصبحت هوية وطنية وروحًا متقدة في وجدان كل جزائري.إنّها درس خالد في التضحية والوحدة والصمود، وشعلة لا تزال تنير دروب الشعوب الساعية إلى التحرر.فالجزائر، التي قدّمت مليون شهيد في سبيل الكرامة، تظلُّ منارة للمقاومة، وشعبها من الشعوب التي لا تُقهر .