السبت 23 تشرين الثاني 2024

تقدم تحقيقات انفجار بيروت يصطدم بخطوط حمر


دنيز رحمه فخري   صحافيه 

تشهد التحقيقات في شأن انفجار مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، التي يجريها قاضي التحقيق الأول طارق بيطار، وتيرة متسارعة بعدما بدأ مرحلة استجواب المدعى عليهم، التي أفضت إلى توقيف اثنين، هما عضو المجلس الأعلى في الجمارك سابقاً هاني الحاج شحادة، ومدير العمليات في مرفأ بيروت سامي حسين. 
ووسع بيطار حلقة تحقيقاته مستجوباً للمرة الأولى مدير الاستخبارات السابق في الجيش اللبناني كميل ضاهر من دون أن يتخذ إجراء بحقه، بانتظار جلسة استجواب العميدين المتقاعدين في الاستخبارات جودت عويدات وغسان غرزالدين، على أن يستجوب الاثنين المقبل قائد الجيش السابق جان قهوجي مجدداً. 
وتكشف مصادر قضائية لـ"ندبندنت عربية" أن بيطار سيعمل على مقارنة الإفادات ومقاطعتها، وقد يلجأ إلى تنفيذ مواجهة بين الضباط قبل اتخاذ القرار المناسب في حقهم. 
وحتى الآن، لم يتخذ القاضي قراراً جديداً بشأن طلب استدعاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ومدير أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا، لا سيما بعد أن رفض وزير الداخلية السابق محمد فهمي ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات إعطاء الإذن بملاحقة إبراهيم، ولم يعط المجلس الأعلى للدفاع الذي يرأسه رئيس الجمهورية ميشال عون الإذن بملاحقة صليبا أيضاً. 
وتقول المصادر القضائية، إن القاضي بيطار يدرس حالياً الخيارات القانونية التي يمكن أن يلجأ إليها بهدف الوصول إلى استجواب كل من إبراهيم وصليبا.
إحضار دياب لن ينفذ
وإذا كانت التحقيقات في جانبها العسكري تسير بشكل سريع، إلا أنها لا تزال على مستوى المدعى عليهم من السياسيين عالقة في مهب التدخلات السياسية الطائفية الرافضة لرفع الحصانات عن رئيس الحكومة السابق حسان دياب والنواب الثلاثة علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، الذين كان ادعى عليهم بيطار فور تسلمه القضية وبعد انتهاء قراءته الأولى للملف. 
وكان بيطار حدد 20 سبتمبر (أيلول) الحالي موعداً لجلسة دياب، بعدما أصدر مذكرة بإحضاره بصفته مدعى عليه، داعياً إلى تنفيذ المذكرة بمهلة أقلها 24 ساعة قبل موعد الجلسة. 
وتوقعت مصادر مقربة من النيابة العامة التمييزية عدم تنفيذ المذكرة، لأن عويدات يرفضها، على اعتبار أنه لا يمكن إحضار رئيس حكومة فاعل ولا يمكن توقيفه أمام القضاء العادي، بل أمام مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء. لكن دياب وبعد توقيع مرسوم تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، اليوم الجمعة، أصبح رئيساً سابقاً، فهل يتمكن بيطار من إقناع عويدات بتنفيذ المذكرة؟
أما النواب المدعى عليهم، علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، فيجد بيطار نفسه مكبلاً إزاءهم ولن يتمكن من اتخاذ أي إجراء جديد بحقهم بانتظار رفع الحصانة عنهم من قبل مجلس النواب، في ظل رفض رئيسه نبيه بري السماح بالسير بهذه الإجراءات لاعتبارات كثيرة، أهمها أن اثنين من النواب ينتميان إلى كتلته النيابية (حركة أمل)، فضلاً عن اتهام بيطار بممارسة الانتقائية في ادعاءاته وتسييس الملف، كما قال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، الذي رسم مع بري خطاً أحمر لن يتمكن القاضي من تجاوزه. 
عراقيل داخلية وتهويل بإقالته
يدرك القاضي بيطار أن مهمته في كشف الحقيقة والمتورطين بانفجار المرفأ والعاصمة لن تكون سهلة. هو لا يزال حتى الآن يتعرض لانتقادات بلغت حد التهويل بإقالته. فالأمين العام لـ"حزب الله" كان أول من شكك في تحقيقاته، ما إن أصدر مذكرات توقيف بحق نواب ووزراء مقربين من الحزب، وطالبه بتقديم أدلة تدعم قراره باستدعاء المسؤولين الحاليين والسابقين للاستجواب في القضية.
وقال نصرالله "التحقيق مسيس. إما أن يعمل القاضي بطريقة واضحة أو يجب على القضاء إيجاد قاض آخر". وفي السياق نفسه، كانت كلمة بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر،  حيث طالب بيطار بتطبيق القوانين بدءاً من الدستور، متوجهاً إليه بالقول "اسمع صوت العدالة لا من يهمس لك أو يهتف".
لكن، هل يمكن أن تدفع هذه الحملات بيطار إلى التراجع والانكفاء عن توجيه سهام الاتهام بالإهمال إلى مسؤولين سياسيين؟ تجيب مصادر مطلعة على موقف القاضي أنه لم يستغرب الحملات السياسية التي يتعرض لها، لا سيما عندما بلغت تحقيقاته مرحلة الادعاء على أشخاص محسوبين على القوى السياسية. غير أن كل هذه الحملات لن تدفعه إلى التراجع، بل تزيده تصميماً للوصول إلى هدفه وهو إنصاف ضحايا الانفجار وأهلهم، وإنصاف العاصمة التي تهدمت وتشرد أهلها. 
وينقل عنه من يلتقي به بأن قناعة بدأت تتكون لديه بأن هناك جهات لا تريد للحقيقة أن تظهر، وقد تنجح القوى السياسية في تنحيته كما فعلت مع سلفه، لكن بالنسبة إليه هو باق في هذه القضية، ولن يتخذ قرار الانسحاب مهما اشتدت الضغوط عليه. 
الخارج لم يتعاون بعد
في مايو (أيار) الماضي، سطر القاضي بيطار 13 استنابة قضائية إلى دول تملك أقماراً اصطناعية، لتزويد لبنان بصور لموقع المرفأ، لكنه حتى الآن لم يتلق جواباً من أي دولة. 
وتصف مصادر قضائية التعاون الخارجي بالغامض وغير الإيجابي. وتكشف المصادر لـ"اندبندنت عربية" أن بيطار لا يزال ينتظر الاستنابات الخارجية، كما ينتظر التقرير الفرنسي الذي يفترض أن يستلمه في آخر الشهر الحالي أو في بداية أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. هو لا يزال ينتظر صور الأقمار الاصطناعية التي يمكن أن تظهر كيفية حصول الانفجار، بمعنى هل كان اعتداء خارجياً أم عملاً أمنياً من الداخل. كما لم يتلق أي استنابات تتعلق بالشركات الخارجية، التي قيل إنها اشترت النيترات للتأكد إن كانت وهمية أم حقيقية.
ولا يزال بيطار بانتظار معرفة طريقة الدفع التي استخدمت في شراء هذه الشحنة، وعبر أي مصارف ولحساب من وهل فعلاً اشتراها رجال أعمال سوريين لصالح النظام السوري؟ حتى الآن لا جواب حاسماً حول كل هذه النقاط التي يمكن أن تحول الشك إلى يقين في ما يتعلق بكيفية حصول الانفجار ومن هي الجهة التي استقدمت نيترات الأمونيوم إلى بيروت ولصالح من وبحماية من. وقبل جلاء كل هذه النقاط لا يمكن أن يصل القاضي إلى قرار ظني حاسم، علماً أن المعلومات تفيد بأنه قد يصدر لائحة ادعاءات جديدة قريباً قبل ختم التحقيق وتحويله إلى المطالعة. 
التحقيقات الخارجية
ترد مصادر دبلوماسية أسباب عدم التعاون الدولي مع القضاء اللبناني إلى عدم الثقة الكاملة بالأجهزة اللبنانية التي تعتبرها مخترقة من قبل "حزب الله". 
وفي حين يتكتم المطلعون على التحقيقات الدولية عن كشف التفاصيل المتعلقة بأسباب الانفجار وكيفية حصوله، تكشف مصادر لـ"اندبندنت عربية" أن المعلومات التي توصل إليها مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات استخبارات أميركية تشير إلى أن الانفجار كان بقوة 500 طن، وتظهر الأدلة أن 2250 طناً تم تهريبها إلى منطقة محروسة في مصياف بريف حماة، وتحديداً إلى ما يعرف بالفرعين 797 و410 التابعين للمعهد 2000 و4000، المسؤولين عن برنامج البراميل المتفجرة. 
أما في ما يتعلق بسبب الانفجار، فلا يزال الكلام الأكثر تداولاً أن وحده انفجار ذخائر عسكرية أو متفجرات يمكن أن يتسبب بانفجار مادة نيترات الأمونيوم. بالتالي، يبقى خياران لا ثالث لهما، فإما أن يكون الانفجار ناتجاً من عمل تخريبي، أو انفجار ذخائر وصواريخ نتيجة خطأ بشري.