ياسين أقطاي
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
تبقى الجيوش التي أنشأتها الولايات المتحدة وأغدقت عليها أموالاً هائلة عرضة للانهيار ما إن قررت الولايات المتحدة الانسحاب من المشهد يوماً ما، ويمكن قراءة انهيار الجيش الأفغاني أمام بضعة آلاف من مقاتلي طالبان كمثال حاضر لا يزال يفرض سطوته. إلى جانب ذلك يمكن ملاحظة أن العديد من الأنظمة حول العالم التي تتمتع في الظاهر بمؤسسات وهياكل وقواعد قانونية تدين بوجودها واستمراريتها للدعم الفعال من قبل الولايات المتحدة.
نتذكر جميعاً رسالة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للعاهل السعودي الملك سلمان، عندما قال له "أيها الملك لا يمكنك البقاء لأسبوعين بدوننا، نحن نحميكم"، تجلّى ذلك التهديد المبطّن واضحاً اليوم في أفغانستان حينما سحبت الولايات المتحدة يدها.
نستذكر من خلال المثال الأفغاني بعض الأنظمة في العالم الإسلامي، وكم تدين للولايات المتحدة بالبقاء راسخة، رغم الرفض الشعبي لها.
قِس على ذلك عدم صدور ردة فعل قوية أو مزلزلة من دول العالم الإسلامي أو الدول العربية، إزاء ما يجري في أفغانستان، بل يبدو أن الجميع يتبع سياسة "انتظر وشاهد".
وإذا ما استثنينا القضية الفلسطينية وجدنا أن أنظمة العالم الإسلامي نادراً ما تتأثر أو تكترث بما يجري حولها، تماماً كما يحدث حول أفغانستان اليوم. على الرغم من أن ما يجري هناك منذ أربعين عاماً ونيّف يلقي بظلاله وتأثيراته بطريقة أو بأخرى على العالم الإسلامي.
قضية العالم الإسلامي
حينما كانت أفغانستان تحت الاحتلال السوفييتي كانت قضية تخص العالم الإسلامي كله، حيث كان العالم الإسلامي بأسره تقريباً في ذلك الوقت يشارك مأساة أفغانستان، سواء عبر المواقف السياسية الرسمية أو المنظمات غير الحكومية والمتطوعين وما شابه. وبسبب هذه المشاركة كان للعالم الإسلامي نصيب إيجابي أو سلبي مما حدث عقب ذلك في أفغانستان. فبعد انتهاء احتلال السوفييت وقبل تولي طالبان نجد أن الجميع ساهم بالتساوي في الخصومات القبلية أو أمراء الحرب، وما حدث عقب ذلك كان محط أنظار العالم العربي والإسلامي على الدوام.
هذا يعني أن أفغانستان ليست بعيدة عن أي ركن من أركان العالم العربي والإسلامي، ولا توجد أي نقطة بعيدة عن تأثير أفغانستان، ولذلك حينما يتحدث البعض اليوم في تركيا حول أن الاهتمام بأفغانستان يعتبر بذخاً يتحدثون بدافع الجهل في أحسن الأحوال. الأمر ذاته ينطبق على أولئك الذين يتساءلون عن سبب وجود المهاجرين الأفغان في تركيا، بدافع من اللامبالاة التي تطغى على كل ذي عقل محدود الأفق. حتى ولو كان البعض لا يريد رؤية لاجئين أو مهاجرين أفغان في تركيا، فمن الواجب عليكم إظهار اهتمام إنساني وتعاطف صادق مع القضية الأفغانية. عليكم الاعتراف بأنه من المحتم على تركيا أن تكون هناك بشكل مكثف، سواء بحضورها الدبلوماسي أو العسكري، ولا شك أن اهتمام تركيا بأفغانستان هو نتيجة حتمية لا مفرّ منها لأفق الوجود التركي.
إن قضية أفغانستان ربما من المقدّر لها أن تكون مرحلة بداية على طريق تأسيس عالم جديد، يجب عدم النظر إلى ما يجري على أنه مجرد استيلاء طالبان على كابل، وسط جو محمّل بالتصورات والانطباعات "المرعبة" عن الحركة، بل سيكون من الأدق قراءة ما حدث على أنه نقطة انفجر عندها الضغط المستمر منذ 15 عاماً على الأقل.
لقد أدركت الولايات المتحدة على مدار 15 عاماً أن أنشطة الهندسة الاجتماعية والسياسية في العالم الإسلامي التي تحاول تطبيقها غير مستدامة. أدركت أنها لا تحتاج إلا إلى خطوة جريئة من أجل العودة وتبني أسلوب سياسي جديد، وحينما وصلت إلى نقطة لا بد فيها من اتخاذ هذا القرار الذي تأخر 15 عاماً، برز التغيير الحتمي الذي سيتحقق مهما كلف الثمن، وبالتأكيد لن يقتصر تأثيره على أفغانستان فحسب، بل سيصل انعكاسه للعالم بأسره بطريقة أو بأخرى، أما عن خريطة هذا التغيير فهي وإن كانت تبدو مبهمة في الظاهر إلا أنها ستتحدد تبعاً لأنشطة اللاعبين السياسيين.
مواجهة التغيير الأفغاني
السؤال الأهم، ما هو موقف أو مدى جهوزية العالم الإسلامي والعربي بشكل عام لمواجهة موجة تغيير كـ"الربيع الأفغاني"؟ أليس من المفترض أن يكون العالم الإسلامي أكثر جاهزية وتنظيماً في مواجهة مثل هذه الأحداث، وأن يتمتع بعزيمة نحو تطوير عقل مشترك.
تجدر الإشارة إلى أن المستشارة الألمانية ميركل ذاتها عبّرت عن آمالها الكبيرة في احتمالية تغيّر طالبان عن السابق، ومع ذلك يصر الإعلام العربي على تأجيج نيران الإسلاموفوبيا عبر الانطباعات والتصورات الجاهزة حول طالبان،
لكن لسوء الحظ لا يبذل العالم الإسلامي أو العربي أي جهد في هذا الصدد، إلا أن مثل هذه الأحداث قد تخلق فرصاً لزيادة قدرة الدول الإسلامية والعربية على الالتقاء معاً وتطوير حالة والوعي وتقديم حلول مشتركة.
في هذا الصدد أودّ أن ألفت النظر أنه من الضروري استثناء تركيا وباكستان وقطر والكويت من ذلك.
لقد أثبتت قطر فاعليتها الدبلوماسية ورؤيتها وعمقها السياسي من خلال فتح مكاتب تمثيلية لحركة طالبان في مرحلة مبكرة جدّاً من المفاوضات، واستضافتها لما يقرب من عقد من الزمن. وعلى الرغم من أولئك الذين يصرون على اختصار الدور القطري في حماية طالبان فحسب، وفق انطباعات جاهزة في أذهانهم، فإننا نجد حتى الولايات المتحدة تقدّر هذا الدور القطري، لاسيما أنها ظلت تبحث عن أرضية للاتفاق مع طالبان منذ 14 عاماً. وعلى صعيد آخر، يبدو أن طالبان ذاتها قد استفادت خلال عملها السياسي من قطر في تكوين رؤية سياسية وفكرية من المحتمل أنها ستنعكس عبر نهجها الجديد.
على الرغم من أن الموقف الرسمي في الدول العربية تجاه حركة طالبان منحصر في المراقبة فحسب، فإن وسائل الإعلام الرسمية والعادية لا تختلف عن وسائل إعلام تركية تحاول شيطنة طالبان، عبر صور قديمة وانطباعات جاهزة. بل إن وسائل الإعلام العربية تتفوق على نظيرتها التركية من حيث تداول آليات العداء للإسلام، التي تستخدمها الولايات المتحدة منذ 25 عاماً إلى الآن، من أجل إضفاء الشرعية على وجودها، سواء في أفعانستان أو أي مكان آخر تمارس فيه أنشطتها ومهامها.
رهاب طالبان
بالطبع قد يتساءل البعض عن سبب ربط "رهاب طالبان" بالإسلاموفوبيا، نحن بالتأكيد لا نسعى لصياغة عبارات تدافع عن طالبان، إلا أننا نرى بوضوح أن جميع الرمزية المستخدمة حاليّاً لتشويه صورة طالبان، تخدم بشكل تلقائي تعميم الإسلاموفوبيا. لدرجة أن ما ينشر في وسائل الإعلام تلك من إيحاءات مثل اللحية واللباس والبرقع وربطها بالإسلام لا نجده بهذا الحجم حتى في وسائل الإعلام الغربية ذاتها.
بالمناسبة، تجدر الإشارة إلى أن المستشارة الألمانية ميركل ذاتها عبّرت عن آمالها الكبيرة في احتمالية تغيّر طالبان عن السابق، ومع ذلك يصر الإعلام العربي على تأجيج نيران الإسلاموفوبيا عبر الانطباعات والتصورات الجاهزة حول طالبان، وربما هذا يشير إلى نقطة واحدة: وهي أن موجات التغيير التي تحدثنا عنها ستضرب أولاً أولئك الذين يصرون على عدم تغيير تحيزاتهم.