دنيز رحمة فخري
في توقيت غير بريء فجّر الأمين العام لـ"حزب الله"، حسن نصر الله، قنبلة بإعلانه انطلاق سفينة محملة بالمازوت من إيران الخاضعة لعقوبات أميركية إلى لبنان، محذراً في الوقت ذاته إسرائيل والولايات المتحدة من التعرض لها. وفي كلمته، الخميس 19 أغسطس (آب)، في ذكرى عاشوراء، وعد نصر الله بسفن أخرى ستتبع الأولى، قائلاً "سفينتنا الأولى التي ستنطلق من إيران محملة بالمواد (…) أَنجزت كل الترتيبات. حُمّلت بالأطنان المطلوبة… وستبحر خلال ساعات... إلى لبنان". وفي تحذير مباشر، أعلن نصر الله أنه سيعتبر السفينة الإيرانية "أرضاً لبنانية"، ما يعني أنه سيرد في حال تعرضها لهجوم.
وترافق كلام نصر الله مع إعلان الولايات المتحدة الأميركية عن استعدادها لمساعدة لبنان في استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا من طريق الغاز المصري وبتمويل من البنك الدولي. ونفت سفارة واشنطن لدى بيروت أن يكون الفيول الإيراني هو ما حرّك المساعدة الأميركية، فيما أوضحت مصادر مطلعة لـ"اندبندنت عربية" أن السفيرة دوروثي شيا أبلغت رئيس الجمهورية ميشال عون قرار بلادها بمساعدة لبنان في استجرار الكهرباء من الأردن قبل ساعات من خطاب نصر الله، وأن المساعي الأميركية لتحقيق هذا الهدف بدأت منذ زمن.
من أين ستدخل الباخرة؟
تفرد نصر الله باتخاذ قرار إدخال المازوت الإيراني إلى لبنان، فيما التزم رئيس الجمهورية الصمت، وكذلك رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب. واكتفى وزير الطاقة، ريمون غجر، بنفي تبلغ الوزارة إذناً بدخول المواني اللبنانية.
ولم يوضح نصر الله إذا ما كانت السفينة ستصل إلى الموانئ اللبنانية، لكنه قال "عندما تصل إلى مياه البحر الأبيض المتوسط نتحدث عن تفاصيل إلى أين وكيف ومتى والآليات العملية وما شابه". وتضاربت المعلومات في شأن مسار الباخرة ووجهتها النهائية قبل تفريغ حمولتها، في حين كشفت معلومات لـ"اندبندنت عربية" أن الباخرة الإيرانية كانت ستُفرغ حمولتها في الزهراني جنوب لبنان، وقد حالت اختلافات حول الحصص داخل الثنائي الشيعي دون ذلك، واتخذ القرار بدخولها عبر سوريا وبراً إلى لبنان، لا سيما بعدما تردد نقلاً عن وكالة "نور نيوز" المقربة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني أن "ناقلة المازوت ليست هبة ولم تشترها الحكومة اللبنانية، وإنما عدد من التجار اللبنانيين الشيعة، قد سددوا ثمنها".
ولأن الدولة اللبنانية تعيش عزلة غير معلنة، ولأنها لا تستطيع أن تستقبل الناقلة تجنباً لعزلة إضافية وعقوبات قاسية، ولأن الشركات الخاصة التي يمكن أن تخزن هذه المواد ترفض استقبالها كي لا تتعرض للعقوبات الأميركية، فإن السيناريو المرجح لدخول الناقلة الإيرانية سيكون عبر بانياس السورية، حيث ستكون في انتظارها صهاريج تابعة لـ"حزب الله" لنقلها إلى الداخل اللبناني عبر المعابر غير الشرعية ومنها إلى المحطات والمؤسسات التابعة للحزب، لا سيما أن الكمية المتوقعة ليست بكبيرة، وهي بحسب ما كشفت مصادر احتسبت من الموازنة الإيرانية المخصصة للحزب. ولأن إيران لديها مشكلة في إنتاج كميات من المحروقات لتكفي سوقها أولاً قبل توزيعها خارجاً، فإن هذه الشحنة قد لا تتكرر، وهي بالتالي استعراض إعلامي وبروباغاندا أرادها نصر الله للقول لبيئته أولاً إنه وفى بالوعد، وللشركاء المعادين لإيران ثانياً: طهران تساعد فيما حلفاؤكم يشددون الحصار على لبنان، وإن لم تحلوا مسألة الدعم فنحن سنعوض باستيراد البديل من إيران، على الرغم من العقوبات التي يمكن أن تفرض على لبنان. وهو كان أعلن في تصريح سابق أن الشعب اللبناني يستحق أن يتعرض السياسيون اللبنانيون من أجله للعقوبات الأميركية.
دخول الباخرة الإيرانية يعرض لبنان للعقوبات
وقد سارع سياسيون لبنانيون إلى التحذير من مخاطر دخول الناقلة لبنان عبر الموانئ الرسمية، وتعريض بلد الأرز إلى العقوبات الأميركية، فاعتبر الرئيس سعد الحريري أن "سفن الدعم الإيرانية ستحمل معها إلى اللبنانيين مخاطر وعقوبات إضافية على شاكلة العقوبات التي تخضع لها فنزويلا ودول أخرى". فيما حذر رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، مما "سيلحق لبنان من جراء باخرة المازوت" الإيرانية.
ومن المعلوم أن لدى الولايات المتحدة الأميركية ثلاثة قوانين خاصة بالعقوبات على إيران في مجال النفط ومشتقاته، أبرزها ISA، إضافة إلى أربعة أوامر تنفيذية رئاسية خاصة بالمشتقات النفطية.
والجدير ذكره أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما كان ألغى بعض الأوامر التنفيذية المتعلقة بإيران والتي لها علاقة بصلاحيات الرئيس، لكن الرئيس السابق دونالد ترمب أعاد العمل بها. واللافت أن الرئيس الحالي جو بايدن أبقى عليها انسجاماً مع قرار ترمب.
إذاً، دخول الباخرة الإيرانية وفق هذه القوانين سيعرض لبنان ومؤسساته الرسمية السياسية والتنفيذية والمصرفية والتجارية وكل من استثمر في النفط الإيراني أو تولى عملية النقل أو أعطى إذناً بدخوله الأراضي اللبنانية إلى خطر العقوبات والعزل، وإلى قطع أي علاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي استحالة قيام علاقات تجارية وغيرها مع دول أخرى.
بعبدا الصامتة
غاب أي تعليق رسمي على كلام نصر الله وإعلانه دخول المازوت الإيراني لبنان. في المقابل استبعدت مصادر مقربة من عون دخول الباخرة لأسباب عدة، أبرزها عدم توفر المتطلبات اللوجستية، بدءاً من طلب الإذن من المستورد بدخولها، وصولاً بمرفأ التفريغ ومستودعات التخزين والتوزيع، وكلها إجراءات تحتاج إلى تراخيص. وترفض المصادر المقربة من عون التعليق على كلام نصر الله، بانتظار أن يتضح الهدف الذي أراده من هذا الكلام، والذي تعتبره مصادر عون أنه لغرض استراتيجي، وهو ليس موجهاً فقط إلى الدولة اللبنانية، بل إلى باقي الفرقاء اللبنانيين، الذين يرفضون الإبقاء على سياسة الدعم للمحروقات. كلام نصر الله بحسب مصادر عون، كان له إيجابياته بحيث تحرك الأميركيون للمساعدة في توفير الكهرباء، ما يعني أن أميركا لن تترك لبنان ينهار خوفاً على فوضى قد تمتد إلى المنطقة بكاملها.
نصر الله يسلم إيران قطاع الطاقة في لبنان
كذلك يستبعد العميد المتقاعد، خليل الحلو، أن تتمكن الباخرة الإيرانية من دخول لبنان وإفراغ حمولتها على المواني اللبنانية، في الزهراني أو طرابلس، معتبراً أن أمراً كهذا سيعرض الدولة اللبنانية للعقوبات، الأمر الذي تتجنبه الدولة حتى الآن. كما أن الشركات المستوردة التي يبلغ عددها نحو 14 شركة، هي أيضاً لن تتمكن من استقبال النفط الإيراني تجنباً للعقوبات الأميركية التي قد تغلق أمامها أي إمكانية في استيراد المحروقات من أي دولة أخرى. بالتالي، فإن السيناريو الأقرب إلى الواقع هو أن تفرغ هذه الباخرة حمولتها في أي مرفأ في سوريا، على أن تنقل بالصهاريج إلى لبنان. لكن هذه الصهاريج وأصحابها أيضاً، بحسب الحلو، سيكونون عرضة للعقوبات الأميركية وفقاً لقانون قيصر والقوانين الأميركية على إيران. حتى المحطات التي يمكن أن تستقبل هذه المواد الإيرانية ستكون عرضة للعقوبات الأميركية.
في المقابل، يعتبر العميد المتقاعد أن أمام واقع تخلي لبنان عن محيطه العربي وعن علاقته بالغرب نتيجة سياسة رئيس الجمهورية و"حزب الله" واستبدال السوق الإيرانية بالأسواق العربية يعنيان تسليم قطاع الطاقة إلى إيران، فهل هذا يناسب لبنان؟ وهل يستأهل الشعب اللبناني هذه اللا مبالاة من الدول العربية والغرب؟ ويسأل الحلو إذا كانت هناك مساعدات عربية وغربية للبنان، هل كان تسلل النفط الإيراني إلى بيروت؟
من ناحية أخرى، يسأل العميد المتقاعد هل فعلاً يمكن أن تكفي إيران لبنان؟ مذكراً بأن البواخر الإيرانية تدخل بشكل دائم إلى سوريا، فلماذا إذاً يستمر التهريب من لبنان إلى دمشق؟ هل بسبب فارق الأسعار أم لأن الكميات الإيرانية لا تكفي سوريا، فكيف ستكفي السوق اللبنانية؟ ويعتبر الحلو أن المحروقات الإيرانية تصل إلى "حزب الله"، إما مجاناً وإما بالليرة اللبنانية. بالتالي، فإن "حزب الله" سيستبدل بها الدولار، وهي مساعدة بالدولار غير مباشرة للحزب.
هل أسهم الفيول الإيراني في تحريك الأميركي؟
على الرغم من أن الاتصال الذي أجرته السفيرة الأميركية برئيس الجمهورية لإبلاغه قرار بلادها مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا، جرى قبل خطاب نصر الله، وعلى الرغم من تأكيد السفيرة الأميركية أنها كانت تعمل على هذا الملف منذ أسابيع، فإن كثيرين في لبنان ربطوا بين دخول النفط الإيراني بيروت والموقف الأميركي. فالسفيرة الأميركية وعدت رئيس الجمهورية بتوفير كميات من الغاز المصري إلى الأردن، تمكنه من إنتاج كميات إضافية من الكهرباء لوضعها على الشبكة التي تربط الأردن بلبنان عبر سوريا. كذلك سيُسهل نقل الغاز المصري عبر الأردن وسوريا وصولاً إلى شمال لبنان، مسقطة بذلك قانون قيصر الذي يحرم أي تعاون مع النظام السوري. ووعدت السفيرة بالعمل مع وزارة الخزانة الأميركية والبيت الأبيض لإيجاد طريقة لتجنب العقوبات بموجب قانون قيصر.
وأبلغت السفيرة شيا الرئيس عون بأن "الجانب الأميركي يبذل جهداً كبيراً لإنجاز هذه الإجراءات، وأن المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز".
وفي انتظار أن تتضح الخلفيات الحقيقية لهذا التسابق على مساعدة لبنان وتوقيته، يكشف المحرر في مؤسسة "كارنيغي للشرق" مايكل يونغ عن مبادرة أميركية - عربية - فرنسية لمنع سقوط لبنان بالكامل تحت السيطرة الإيرانية. ويؤكد يونغ أن تداعيات الحصول على الغاز من مصر كبيرة، وإذا رُبط لبنان بشبكة غاز مع مصر فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى ربطه بشبكة إسرائيل وتسهيل جلب الغاز المصري بسعر أرخص إلى السوق اللبنانية في يوم من الأيام. وهذا بالضبط ما لا يريده "حزب الله" على حد قول يونغ، الذي يعتبر أن إعلان الأردن عن توفير الكهرباء إلى لبنان يفسر "حيلة نصر الله في الإشارة إلى التنافس العربي مع إيران على لبنان".