سعد بن طفلة العجمي
وزير الإعلام السابق في الكويت
بعد مرور أكثر من ست سنوات على الانقلاب الإيراني-الحوثي في اليمن، الذي أدى إلى اندلاع الحرب الحالية فيه، تستدعي الكتابة عن الوضع اليمني طرح التساؤلات التالية: من كسب المعركة ومن كسب الحرب؟ من خسر المعركة ومن كسب الحرب؟ من كسب المعركة ومن خسر الحرب؟ من خسر المعركة ومن خسر الحرب؟
لا شك بأن انطلاق "عاصفة الحزم" التي أعقبت الانقلاب قد حققت هدفها الاستراتيجي بوقف المشروع الإيراني بأيدٍ حوثية في اليمن، ولا شك بأن اليمنيين يدركون اليوم أن ما جرى هو بتخطيط وتنسيق إيراني-حوثي للسيطرة على كل اليمن، تنفيذاً للمشروع الإيراني بالهيمنة على المنطقة العربية كاملة. ولعل تطورات الأحداث واستمرار الاقتتال اليوم بين اليمنيين أنفسهم تشرح الحالة بالرفض اليمني للهيمنة الإيرانية على بلادهم، خصوصاً أنهم يشهدون ما آلت إليه أوضاع الدول العربية التي هيمنت عليها إيران بأيادٍ عربية ولائية تابعة لإيران:
العراق: فوضى أمنية وفساد وانتهاك سيادة وانعدام خدمات و"دولة الحشد الشعبي" داخل الدولة العراقية وأقوى منها.
سوريا: حريق هائل، وخرائب مدن، وملايين من القتلى والجرحى والمفقودين والمشردين والمهجرين، وأوضاع اقتصادية صعبة، وبؤس لم تشهد له البلاد مثيلاً في تاريخها.
لبنان: في طريقه الحتمي نحو الدولة الفاشلة التي يتحكم ببقاياها حزب بقيادة عمامة شبح تعيش في المجهول، وانهيار معيشي وخدماتي غير مسبوق في "لبنان الأخضر".
يدرك اليمنيون بوعيهم أن الحوثي يسير بالبلاد لوضع أسوأ مما هي عليه بلاد الرافدين وسوريا ولبنان، وبالتالي فلن يقبلوا بأن تتحول بقايا الدولة باليمن إلى لبنان آخر والأمل الخليجي على الأبواب، وهنا مربط الفرس.
كاتب هذه الكلمات كان من المنادين بصوت عالٍ بمشروع مارشال خليجي لليمن، ليس حباً باليمن وأهله وحسب، ولكن لأن لنا مصلحة أمنية واستراتيجية واقتصادية في يمنٍ منتعش متلاحم مع امتداده الخليجي، ولقد بحت أصوات كثيرين وجفت أقلامهم في الخليج من الدعوة إلى انتشال اليمن كمخزون استراتيجي هائل للعمالة والسوق والموقع الاستراتيجي المهم لأمن الخليج كامتداد طبيعي له في الجزيرة العربية، ولكن ذهبت تلك الدعوات المخلصة سُدى.
بتقديمها مبادرة السلام في مارس (آذار) الماضي، أعلنت السعودية عملياً انتهاء الحرب التي اضطرت إلى الدخول بها بعد انقلاب الحوثي في سبتمبر (أيلول) عام 2014. العالم والأمم المتحدة والدول الوسيطة مثل عمان وغيرها، بل وحتى الحكومة اليمنية الشرعية وباقي القوى اليمنية، رحبت بالمبادرة السعودية، واعتبرت أنها يمكن أن تكون مقدمة النهاية للمأساة التي تعيشها البلاد، الطرف الوحيد الذي رفض المبادرة هو الطرف الحوثي، أو بالأحرى الإيراني، وليس في ذلك مبالغة، فلقد توجه المبعوث الأممي السابق الخاص باليمن مارتن غريفيث بعد إعلان المبادرة إلى طهران، التي تقول بالعلن إنها مع المبادرة والسلام، ولكنها تحث الحوثيين على استمرار الحرب مهما كلفهم ذلك، فلماذا تقوم إيران بذلك؟
ترى طهران في أي احتراب عربي-عربي ضعفاً للعرب وقوة لإيران ومساهمة في تحقيق مشروعها بالهيمنة على المنطقة برمتها، كما أن الحرب بنظرها جرح نازف للسعودية لا بد من استمرار نزفه بأي حال من الأحوال، ومن ثم فهي حريصة كل الحرص على استمرار الحرب وإن قالوا عكس ذلك علناً.
بالنسبة إلى بقية العالم، فإن اليمن على آخر سلم أولوياته، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس جو بايدن، الذي أظهرت إدارة أزمته الانسحاب من أفغانستان ضعفاً وتردداً وتخبطاً وإذلالاً للهيبة الأميركية والسياسة الأميركية الخارجية. ومهما أرسلت الأمم المتحدة من مبعوثين، من جمال بن عمر المغربي المشبوه، إلى إسماعيل ولد الشيخ أحمد الموريتاني الضعيف، إلى الهَرِم الإنجليزي مارتن غريفيث، وصولاً إلى السويدي هانز غروندبرغ، الذي تبوأ منصبه قبل أيام، فلن يغير تغيير المبعوث الأممي من الأمر باليمن شيئاً.
وعليه، فنحن أمام معادلتين: استثمار الانتصار مقابل الحرب بالاستمرار. انتصار التحالف بإجهاض المشروع الإيراني، واستمرار إيراني للحرب كجزء من استراتيجية بعيدة المدى.
فلنفكر خارج الصندوق: لم يكن اليمن يوماً موحداً منذ سبأ وحمير ومعين وحتى وحدة الحديد والنار التي فرضها علي عبد الله صالح عام 1994، فما المشكلة من التمرحل في إنقاذ اليمن؟ ما لا يدرك كله لا يترك جله، الشمال سيعيش فوضى وقهراً حوثياً إلى زمن غير معلوم، لكن المعلوم أن المناطق المحررة يمكن للخليجيين تنميتها وازدهارها كنموذج للمقارنة مع النموذج الإيراني بالشمال، الحوثيون بهرطقاتهم وخرافاتهم سيقضون على أنفسهم بأنفسهم، وسيخرج اليمنيون بمناطقهم هاتفين: "إيران برا برا"! تماماً مثلما هتف نظراؤهم ببغداد والبصرة والناصرية وبيروت، بل وحتى بالجنوب اللبناني معقل "حزب الله" الإيراني، لكن الجنوب اليمني والمناطق المحررة رهن مبادراتنا للتنمية والازدهار كجني لثمار "الانتصار"، وإلا فإن البديل "الاستمرار" وهذا ما تريده إيران.
لعل أسهل الإجابات عن الأسئلة أعلاه هي الإجابة عن السؤال الأخير:
من خسر المعركة، ومن خسر الحرب؟ الإنسان اليمني هو الخاسر بالاستمرار، وهو الخاسر، ونحن معه، ما لم يُستثمر الانتصار.