الجمعة 17 تشرين الأول 2025

المؤتمر... مساحة الوعي وتجديد المسار


 بقلم: عصام الحلبي

ليست المؤتمرات الحزبية أو الحركية ولا حتى المدنية مجرد محطة إجرائية تُعقد لتبديل الوجوه أو انتخاب هيئات جديدة، بل هي فعل وعي ومسؤولية، ومناسبة لقياس المسافة بين الفكرة والتطبيق، وبين الشعار والواقع. فهي لحظة مراجعة عميقة لعملية جماعية، تتجلى فيها روح النقد الذاتي، وتُستعاد خلالها القيم التي من أجلها وُجد التنظيم أو المؤسسة.
فالمؤتمر هو مرآة حقيقية لمدى التزام الإطار بمبادئه، إذ لا يمكن الحديث عن تجديد دون محاسبة، ولا عن انتخاب دون تقييم لذلك، فإن المحاسبة هي جوهر كل عملية تنظيمية راشدة، لأنها تمتحن صدق الانتماء من خلال المسؤولية، وتضع كل فرد أمام حصيلة أدائه لا أمام الشعارات التي يرفعها.
غير أن قيمة وأهمية المؤتمر لا تتوقف عند حدود النقد والمراجعة، بل تمتد إلى التجديد بوصفه ضرورة وجودية للحركة والمؤسسة. فكل كيان لا يجدد نفسه محكوم بالجمود، لكن التجديد لا يعني الفوضى، ولا يقاس بالشباب وحدهم، فإدماج الطاقات الشابة مطلوب، لكن بشروطٍ تضمن النضج الفكري والعقلي، واستكمال التجربة التنظيمية، واحترام المدد المنصوص عليها في القوانين الداخلية، مع حضور فعلي وصدق في الالتزام والانتماء،
فالشباب الذين يدخلون المسؤولية من باب الوعي والكفاءة يشكلون إضافة، أما الذين يُدفعون إليها قبل أوانهم تحت شعار "التجديد السريع” فهم عبءٌ على أنفسهم وعلى المؤسسة، لأن التجديد غير المنضبط هو شكل من أشكال التخبط الذي يضعف الأطر، ويهز ثقة القواعد، ويحوّل التنظيم إلى جسدٍ بلا توازن.
أما الانتخابات، فهي نتيجة لعملية نضجٍ تنظيميٍّ متكاملة، لا غاية بحد ذاتها. فهي تأتي في نهاية الحوار والمراجعة والمحاسبة، لتكرّس إرادة الجماعة في الاختيار الحر، لا لتكون غاية شكلية تعيد إنتاج ذات الوجوه أو تنقل الخلل من موقع إلى آخر.
إن المؤتمرات في جوهرها، امتحان لصدق التجربة، ومرصدٌ لمدى التزام الأفراد والمؤسسات بقيم الديمقراطية والمساءلة. ومن يحسن إدارة هذه اللحظة التاريخية، إنما يؤسس لمستقبلٍ أكثر نضجًا ووعيًا، حيث تتجدد الفكرة قبل أن تتجدد الأسماء، ويتجدد الإيمان بالمبادئ قبل المواقع والمناصب