رفيق،خوري
كان. أوسكار وايلد يقول، "إذا أرادت السماء أن تعاقبنا فإنها تستجيب صلواتنا"، ويبدو أن منطق الأحداث يقود إلى شيء من ذلك. أفغانستان "الطالبانية" تواجه تحديات ما بعد الانسحاب الأميركي بعدما واجهت خطورة الاحتلال، وجمهورية الملالي الإسلامية في إيران تواجه تحديات الفراغ الأميركي الذي تطلبه من دون أن تتخفف من مواجهة أخطار الوجود العسكري الأميركي في غرب آسيا، والدرس أمام الجميع مكتوب على الجدار في العراق، حيث قاد الاحتلال الأميركي ثم الانسحاب، أيام الرئيس باراك أوباما، إلى ولادة تنظيم "داعش".
وكما في المفاوضات مع حركة "طالبان" كذلك في التفاوض مع الملالي، تتعدد المطالب لكن المطلب العام واحد، فما يطلبه الغرب والشرق من "طالبان" هو منع عودة تنظيم القاعدة والقضاء على "داعش - ولاية خراسان"، والانفتاح على القوى الأخرى في البلاد والحفاظ على المكاسب الاجتماعية التي قدمها الاحتلال وأبرزها تعليم البنات، وترجمة ذلك بإقامة دولة وطنية همومها واهتماماتها داخلية لمصلحة شعبها، فلا تتدخل في شؤون سواها ولا تسمح بانطلاق عمليات إرهابية من أرضها ضد أي بلد.
وما يطلبه الأميركيون والأوروبيون من الملالي في التفاوض على الملف النووي والصواريخ والنفوذ الإقليمي، وما يطلبه العرب في الحوار حول حسن الجوار هو أيضاً الاكتفاء بإقامة دولة وطنية إيرانية تعمل لرفاه شعبها من دون أن تمد يدها إلى الجيران وسواهم.
وما يحدث هو شيء آخر، "طالبان" تطالب بمساعدتها والاعتراف بها وتعلن أنه لا أجندة خارجية لديها، لكنها تصنع بيئة ملائمة للإرهاب وعودة "القاعدة"، وتصرّ على تسمية حكمها "إمارة أفغانستان الإسلامية"، وهو اسم مستعار لدولة "الخلافة"، والملالي يقولون كلاماً ناعماً ويحملون، لا فقط "عصا غليظة" بحسب وصفة الرئيس الأميركي ثيودور روزفلت، بل أيضاً صواريخ وميليشيات، وهم مصرون على أن تكون إيران "ثورة" تعمل على مشروع إمبراطوري في المنطقة، ويرفضون التخلي عن الصواريخ والنفوذ الإقليمي كما عن "ستة جيوش" أنشأها الحرس الثوري الإيراني للدفاع عن إيران في ستة بلدان عربية.
وحتى في المشروع النووي فإنهم يتعهدون بسلميته ويطالبون برفع العقوبات من دون أن يتخلوا عن العمل سراً على الجانب العسكري، بحيث صارت إيران "دولة عتبة" نووية.
والواقع أن تنظيمات الإسلام السياسي منذ أسس الشيخ حسن البنا حركة "الإخوان المسلمين" عام 1928، تتعدد وتتمدد في بلدان عدة وتتناقض ويكفر بعضها بعضاً، وخصوصاً بين "الروافض والنواصب"، غير أن هدفها الكبير واحد: الجانب السني يريد عودة "الخلافة" والجانب الشيعي يعمل من أجل "الولاية"، والتجارب ليست مقتصرة على الدرس العراقي، فلدينا اليوم تجربة حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي في المغرب، وتجربة حركة "النهضة" الإسلامية في تونس بعد تجربة "الإخوان المسلمين" في مصر وتجربة الحكم الإخواني في السودان، وهي تجارب أحزاب تمثل الإسلام السياسي تولت السلطة ثم خسرت في الانتخابات، أو بثورة شعبية دعمها الجيش كما في مصر ثم السودان، فلا شيء يقوّي تنظيمات الإسلام السياسي أكثر من عقم الأنظمة وفساد حكامها وظلمهم وجشعهم حيال المال والسلطة، وضربهم المعارضة الوطنية بحيث لا يبقى مكان للتجمع إلا في المساجد، ولا شيء يضعف هذه التنظيمات سوى ممارستها السلطة حيث ينكشف الفارق بين شعاراتها وحكمها، كما فقدانها مشروعاً غير سلطوي وسوء أدائها وعدم خبرتها في إدارة دول في العالم المعاصر.
عام 1961 قال الرئيس الفرنسي شارل ديغول للرئيس الأميركي الشاب جون كينيدي الذي قرر التدخل في فيتنام لمحاربة الشيوعية من دون التوقف أمام تجربة فرنسا المرّة في الهند الصينية، "أتوقع أن تنزلق خطوة خطوة إلى مستنقع عسكري وسياسي لا قاع له مهما أنفقت من مال وبعثت من رجال، وحتى إذا وجدت الزعماء المحليين على استعداد لطاعتك تحقيقاً لمصالحهم الخاصة، فإن الناس لن توافق على ذلك ولا تريده بالفعل".
لكن كينيدي اغتيل عام 1963 فلم يعش ليرى ما حدث لأكبر حشد عسكري أميركي في فيتنام قرره الرئيس جونسون ثم الرئيس نيكسون، ووصل عديده إلى نصف مليون جندي بإمرة الجنرال وستمورلند، فالإدارات خسرت الحرب سياسياً في واشنطن، والجيش خسرها عسكرياً على الأرض، وهانوي أعادت توحيد فيتنام الشمالية وفيتنام الجنوبية تحت حكم الحزب الشيوعي.
الغزو الأميركي للعراق وأفغانستان كان "فشلاً استراتيجياً" باعتراف رئيس الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، والاحتلال السوفياتي لأفغانستان فشل وقاد إلى سقوط الاتحاد السوفياتي. وإذا كان هذا مصير تدخل قامت به قوى عظمى، فإن تدخل قوى إقليمية هو وصفة لكارثة مؤكده