مادالينا شيلانو - روما
في صمتٍ مُطبقٍ من الدبلوماسية الدولية، وقع خلال الليل حدثٌ بالغ الخطورة: شنت الولايات المتحدة غارات جوية استهدفت ثلاثة من أكثر المواقع النووية الإيرانية حساسية، وهي فوردو، نطنز، وأصفهان. لم يكن هذا الهجوم "عاديًا"، بل استهدافًا مباشرًا لمنشآت مرتبطة بالبرنامج النووي المدني للجمهورية الإسلامية، مُعرّضًا حياة ملايين الأشخاص لخطر التلوث الإشعاعي.
هذا الهجوم يمثل خطوة إضافية نحو هاوية حرب عالمية في وقتٍ يُظهر فيه النظام الدولي علامات الانهيار، نتيجة أزمات الطاقة، والحروب بالوكالة، والتوترات المتصاعدة بين القوى الكبرى.
هجوم نووي بحكم الأمر الواقع
ليس من المبالغة وصف ما جرى بـالهجوم النووي غير التقليدي. فبينما لم تقع انفجارات ذرية، فإن استهداف مواقع لتخصيب اليورانيوم أو مستودعات للوقود النووي يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن الإشعاعي في مناطق واسعة، مع احتمالات تأثير تمتد إلى إيران، العراق، أفغانستان، باكستان، الخليج العربي، القوقاز، وحتى الهند.
وأعربت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقها العميق إزاء "تدهور السلامة النووية والفيزيائية" في إيران. وعلى الرغم من عدم تسجيل تسربات إشعاعية كبيرة حتى اللحظة، فإن مستوى الخطر لا يزال مرتفعًا للغاية، وستكون الأيام المقبلة حاسمة في تقييم حجم الضرر.
دونالد ترامب: من "رجل السلام" إلى مشعل الحرائق العالمي
تشير المعلومات إلى أن أمر تنفيذ الهجوم جاء من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي عاد إلى الساحة الدولية بنبرة تصعيدية، مكشفًا زيف الرواية التي روّجت له كـ"أقل حربية" من سابقيه.
بهذا القرار، يكون ترامب قد تجاوز الخطوط الحمراء التي تردد عندها رؤساء مثل رونالد ريغان، جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، وهم معروفون بتدخلاتهم العسكرية في الشرق الأوسط والعالم الجنوبي. لكن لم يسبق لأحد، منذ هيروشيما وناغازاكي، أن قصف منشآت نووية فعّالة، مدركًا العواقب الكارثية المحتملة.
خيانة التعددية القطبية
في السنوات الأخيرة، راود الأمل كثيرين بإمكانية التحوّل نحو نظام عالمي أكثر توازنًا وتعددية، يحدّ من الغطرسة الأمريكية. غير أن الهجوم الأخير يُمثل ارتدادًا عن هذا الأمل، وعودة إلى أسوأ أشكال الأحادية.
ويزيد من خطورة الموقف البُعد الإبادي المحتمل المرتبط بالتلوث النووي، حتى ولو كان جزئيًا. وقد أعلنت إيران أنها سترد "في الوقت والمكان المناسبين"، مما يُنذر بتصعيد قد يتسع إلى صراع إقليمي أو دولي.
في المقابل، دعت الصين إلى عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي، بينما وصفت روسيا الهجوم بأنه "استفزاز غير مسؤول وإجرامي".
أين المجتمع الدولي؟
الصمت الذي خيّم على معظم وسائل الإعلام الغربية، وغياب ردود فعل قوية من أوروبا، خاصة من حكومات مثل الإيطالية والفرنسية، يُعد هزيمة جديدة للقانون الدولي.
فإيران، التي لم تهاجم أي دولة ولم تطوّر أسلحة نووية، بحسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُعامل كتهديد دائم. وفي المقابل، تُغضّ القوى الكبرى الطرف عن دول تمتلك ترسانات نووية، بعضها لم يوقّع قط على معاهدة حظر الانتشار النووي أو ينتهكها دون محاسبة.
مفترق طرق للبشرية
ما جرى يُجسّد الوجه الأكثر عدوانية وعدمية للإمبريالية الأمريكية، المستعدة لخوض مغامرات إبادة جماعية بهدف تأمين هيمنتها على العالم.
لقد آن الأوان لكل من يؤمن بالسلام وحق الشعوب في تقرير مصيرها أن يرفعوا أصواتهم، ويكسروا حاجز الصمت، ويوحّدوا صفوفهم لمواجهة الانزلاق الحتمي نحو حرب شاملة.
لا يمكن للعالم أن يقبل بأن يُعرّض رجلٌ واحد، مدفوعًا بحسابات انتخابية أو أوهام هيمنة، حياة ملايين الأبرياء ومستقبل الكوكب للخطر.
بعد هيروشيما وناجازاكي، أقسم العالم أن "هذا لن يتكرر أبدًا". لكن يبدو أن هذا العهد قد تم نكثه.