الجمعة 24 تشرين الأول 2025

الإضرابات المدرسية في فلسطين.. التعليم بين الأزمة الاقتصادية والواقع السياسي


وكالة النهار الاخبارية/خاص
تحرير أكرم جابر – الخليل

تشهد المدارس الحكومية في الضفة الغربية الفلسطينية، حالة من الارتباك والتعطيل الدراسي مع تصاعد وتيرة الإضرابات التي ينفذها المعلمون احتجاجًا على أوضاعهم المعيشية والمهنية، في وقت تتفاقم فيه الأزمات الاقتصادية والسياسية التي تلقي بظلالها الثقيلة على العملية التعليمية برمتها.

منذ مطلع العام الدراسي الحالي، تعيش المؤسسات التعليمية حالة من عدم الاستقرار في الدوام، حيث اضطرت وزارة التربية والتعليم إلى تقليص أيام الدراسة في كثير من المدارس إلى ثلاثة أيام أسبوعيًا فقط، نتيجة الإضرابات المتكررة وصعوبة وصول المعلمين إلى أماكن عملهم بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية، إضافة إلى تردي الأوضاع الأمنية في عدد من المدن والبلدات الفلسطينية.

وتزداد حدة الأزمة مع تأخر صرف الرواتب لفترات طويلة وصرف نسب لا تتجاوز 50 إلى 60 في المئة من قيمة الراتب في كل مرة، ما أدى إلى تراكم المستحقات المالية للمعلمين لدى الحكومة، وولّد شعورًا عامًا بعدم الاستقرار المهني والمعيشي داخل قطاع التعليم. وتُعد هذه الأزمة امتدادًا لأعوام سابقة من التحديات الاقتصادية، التي باتت تتجدد مع كل أزمة مالية تمر بها السلطة الفلسطينية.

كما أثّرت هذه الاضطرابات بشكل مباشر على انتظام العملية التعليمية، وأدت إلى تراجع التحصيل الأكاديمي للطلبة، خاصة في الصفوف الأساسية والثانوية، حيث يصعب على المدارس تنفيذ خططها الدراسية وفق الجدول الزمني المقرر، في ظل تقليص عدد أيام الدوام وتكرار الإضرابات. وقد انعكس ذلك سلبًا على التفاعل داخل الغرف الصفية، وأضعف من قدرة المعلمين على متابعة مستويات الطلبة بشكل منتظم.

إلى جانب الأزمة الاقتصادية، تواجه المدارس تحديات ميدانية وأمنية متزايدة، إذ تعيق الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة على مداخل المدن والبلدات حركة المعلمين والطلبة، وتتسبب بتأخيرات يومية، وأحيانًا بإغلاق كامل للطرق، ما يحدّ من قدرة الكوادر التعليمية على الالتزام بساعات الدوام الرسمية. كما أسهم التوتر السياسي والأمني في تقييد الحركة داخل مناطق متعددة، وجعل الوصول إلى المدارس في بعض الأحيان محفوفًا بالمخاطر.

وفي ظل هذه الظروف، باتت العملية التعليمية في فلسطين تعكس الواقع العام الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني: اقتصاد يعاني من أزمات متكررة، واحتلال يفرض قيودًا ميدانية متزايدة، وموارد مالية محدودة لا تكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية للقطاع التربوي. ورغم الجهود المبذولة للحفاظ على استمرارية التعليم، فإن المعطيات الحالية تشير إلى أزمة متشابكة يصعب تجاوزها دون حلول مالية وإدارية جذرية.

كما أن استمرار الإضرابات وتقطع الدوام الدراسي من شأنه أن يُحدث فجوة تعليمية طويلة المدى بين الطلبة، ويؤثر في جودة المخرجات التعليمية وفي مستوى الكفاءات المستقبلية. فكل يوم دراسي مفقود يضيف عبئًا جديدًا على النظام التعليمي ويعمّق من أزمته الهيكلية، خاصة في ظل غياب رؤية واضحة لمعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى هذه الحالة.

إن الأزمة التعليمية الراهنة لم تعد مجرد قضية مطلبية للمعلمين، بل تحولت إلى ملف وطني شامل يمسّ مستقبل الأجيال القادمة ويؤثر على التنمية المجتمعية والاقتصادية في آن واحد. فالتعليم في فلسطين، الذي شكّل لعقود أحد أعمدة الصمود الوطني، يمر اليوم بمرحلة حرجة تتطلب معالجة مسؤولة وسريعة توازن بين متطلبات الاستقرار المالي وضمان حق الطلبة في التعليم.

وبين الواقع السياسي المعقد والأزمة الاقتصادية المستمرة، يبقى التعليم الفلسطيني أحد أبرز ضحايا المرحلة، حيث يواجه تحديات تتجاوز حدود الصفوف الدراسية، وتحتاج إلى إرادة حقيقية لإعادة الاعتبار للمعلّم والمدرسة والطالب معًا، من أجل الحفاظ على استمرارية رسالة التعليم ودوره في بناء المجتمع.