الأربعاء 5 تشرين الثاني 2025

إيطاليا – اللاجئون الفلسطينيون: معايير مزدوجة


روبرتو روجيرو

تؤكد جمعية الصداقة الدولية الإيطالية العربية التزامها الدائم بدعم الشعب الفلسطيني الشقيق، وهي إحدى المهام التي دأبت على القيام بها منذ تأسيسها قبل أكثر من ثلاثين عامًا. وفي هذا السياق، تسلط الجمعية الضوء على الوضع الذي يعيشه الفلسطينيون القادمون إلى إيطاليا من جحيم غزة، حيث يتم إيواء اللاجئين الأوكرانيين في فنادق مجهزة تجهيزًا كاملًا، فيما يتم إيواء اللاجئين الفلسطينيين في مراكز استقبال مختلطة مع المهاجرين غير الشرعيين.

هذا الواقع يعكس مفارقة واضحة في طريقة التعامل داخل إيطاليا، ويكشف عن وجود معايير مزدوجة في التعامل مع اللاجئين، رغم أن جميعهم فرّوا من بلادهم بسبب الحروب والنزاعات. فالمبدأ الإنساني والقانوني يقتضي معاملة كل من اضطر إلى مغادرة وطنه قسرًا بسبب الحرب على قدم المساواة دون أي تفضيل.

غير أن جذور المشكلة تمتد إلى المواقف السياسية، إذ إن الحكومة الإيطالية تدعم إسرائيل، ولكنها تتعاطف مع الفلسطينيين بشكل ملحوظ، ما يجعل اللاجئين الفلسطينيين يواجهون معاملة مغايرة وغير متكافئة. وفي موقف إنساني بارز، استقبلت إيطاليا عشرات الجرحى الفلسطينيين، وخاصة الأطفال، وتمت معالجتهم في مستشفياتها، ما يعكس الجانب الإنساني لدورها رغم التعقيدات الإدارية.

منذ لحظة وصول الفلسطينيين من غزة إلى إيطاليا تبدأ معاناتهم الحقيقية. فالإجراءات البيروقراطية المعقدة للحصول على صفة لاجئ تُدخلهم في دوامة من الانتظار الطويل، رغم أن حالتهم واضحة تمامًا كأشخاص أُجلوا من منطقة حرب، وهي حالة محمية بموجب القانون الدولي. ويُجبر الكثير منهم على الإقامة في مراكز استقبال مؤقتة تفتقر إلى الخدمات الأساسية، مع محدودية في الرعاية الصحية والأمن، في ظل تعقيدات كبيرة تعيق لمّ شملهم مع عائلاتهم. ويعيش هؤلاء في وضع قانوني مُعلّق يكتنفه الغموض والقلق حول المستقبل.

وعلى الرغم من أن إيطاليا وقّعت على مراسيم إنسانية طارئة تضمن حق اللاجئين في السكن والحماية فور وصولهم، إلا أن الفلسطينيين يُجبرون على الانتظار شهورًا طويلة للحصول على اعتراف رسمي بوضعهم الذي يقرّه القانون الدولي أساسًا. هذا التأخير يدفع العائلات إلى البقاء في مراكز مؤقتة في حالة من عدم اليقين، مع فرص محدودة جدًا للحصول على الخدمات الأساسية، مما يؤثر سلبًا على اندماجهم في المجتمع الإيطالي وعلى سلامتهم الشخصية. كما ينعكس تأخر الإجراءات على إمكانية حصولهم على الرعاية الطبية ومسارات الاندماج الاجتماعي والمهني، والأهم من ذلك على حقهم في الاستقرار والأمان.

وتبرز معاناة إضافية في مسألة لمّ شمل الأسر، إذ تُمنع هذه الإجراءات عن أولئك الذين لم يُعترف بعد بوضعهم القانوني، الأمر الذي يُطيل فترات الفراق بين أفراد العائلة الواحدةومع ذلك، تبذل بعض المنظمات الإنسانية، مثل جماعة سانت إيجيديو، جهودًا مهمة لتقديم الرعاية الطبية العاجلة وتسهيل لمّ شمل العائلات، كما حدث مع مجموعة من واحد وثمانين شخصًا من غزة منذ شهر يناير الماضي.

ورغم أن المراسيم الطارئة تمنح إيطاليا الأدوات القانونية اللازمة لتوفير الحماية الدولية الفورية للفارين من مناطق النزاع مثل غزة، إلا أن البيروقراطية تُبقي هذه الأسر رهينة الانتظار لأشهر طويلة، ويُعد هذا الوضع انتهاكًا صريحًا للاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين، إذ يُعرّض أشخاصًا عانوا من الحرب والاضطهاد لمزيد من المعاناة النفسية والجسدية، وخاصة الأطفال. ولا يُعد ذلك مستغربًا في ظل السياسة الإيطالية التي تعترف بأوكرانيا ولكنها لا تعترف بفلسطين، ما يجعل النتائج واضحة للعيان.

إن الحكومة الإيطالية مُلزمة أخلاقيًا وقانونيًا بتفعيل الإجراءات الاستثنائية والفورية لمنح صفة اللاجئ السياسي للعائلات الفلسطينية المقيمة في البلاد، فذلك ليس مجرد عمل من أعمال العدالة، بل واجب إنساني ينسجم مع القيم التي تدّعي إيطاليا الدفاع عنها أمام المجتمع الدولي.