السبت 23 تشرين الثاني 2024

أكبر من مجرد انسحاب.. لهذه الأسباب خسرت أمريكا حربَيها في العراق وأفغانستان


سعد سعيد
   كتب مستشار الامن القومى لامريكا  زينغو   كتابا  بعنوان  الفوضي الاضطراب   العالمى عند مشارف  القرن العشرين ا زبغنيو بريجنسكي  "الفوضى: الاضطراب العالمي عند مشارف القرن الحادي والعشرين
لذي عارض في بعض مفاصله كتابات فوكوياما وهنتجتون، التي بشّرت بعصر جديد تسود فيه الرأسمالية والإمبريالية العالم، بعد النهاية الدراماتيكية للشيوعية العالمية، التي تمثلت في سقوط الاتحاد السوفييتي (1991م) والكتلة الشرقية، بسرعة لم يتخيلها أحد، في نهاية التسعينات من القرن الماضي، واعتبره بريجنسكي الانتصار الثالث بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية.
واستبشر المنظرون الغربيون بأن هذا القرن (الحادي والعشرين) سيكون أمريكياً-غربياً خالصاً من كل النواحي، وهذا ما لم يحصل في البلاد التي دخلتها أمريكا عسكرياً مثل العراق وأفغانستان، التي ذهبت كمؤشرات لفشل مستقبلي آخر.
فكل الدلائل تشير إلى أن الإمبريالية تتجه نحو مراحل من الفشل إن استمرت في تبني غطرسة القوة بدون تخطيطات محكمة قد تؤدي بها للسقوط، وإن اتخذت من محاربة الإرهاب ونشر الديمقراطية سبباً لحروبها! وهذا لا يكفي لإحراز نصر مؤزر كما تشتهي الإدارة الأمريكية.
ولذلك فقد تنبأ بريجنسكي بأنه لا يمكن لأمريكا أن تكون شرطي أو مَصْرفي العالم، ولا حتى الأخلاقي الكوني، وأن مركز إدارة العالم لا يقع في الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، خاصةً بعد استرداد روسيا أنفاسها على الساحة العالمية وبزوغ النجم الصيني الساطع.
والعامل المشترك في فشل تجربتَي العراق وأفغانستان هو الجهل المطبق بشأن الأحوال السياسية والاجتماعية والإثنية، وأن الوعود بالديمقراطية لم تولّد إلا طبقات من الفساد لا يمكن تخيلها! لأنها ديمقراطية مشوهة قامت على أسس واهية أهمها الطائفية.
ففي العراق مثلاً تقول إيما سكاي المستشارة السياسية للقيادة العسكرية بعد الاحتلال في كتابها "الانهيار"، إن العسكريين الأمريكان كانوا يرددون "أن الفشل ليس خياراً بالنسبة لنا"، بدون أن يعرفوا طريقاً واضحاً للنجاح.
وأنها سمعت بأن القائد العسكري الأعلى يقول لأحد الساسة العراقيين عام 2006، "إن الولايات المتحدة بدأ صبرها ينفد تجاه الوضع في العراق، لكن الرئيس بوش مصمم على تحقيق النجاح"، الذي كانت تصوراته آنذاك ساذجة إلى أقصى الحدود.
في عام 2006 تصدّر كتاب "الفشل: مغامرة القوات الأمريكية في العراق"، للكاتب توم ريكس، مبيعات الكتب في الولايات المتحدة، وكان يحمل رؤية لاذعة لما حصل للجيش الأمريكي في العراق بين عامي 2003-2004م، وكان ذلك انعكاساً لخيبة الأمل التي مني بها المفكرون الأمريكان والشعب الأمريكي عموماً.
وتقول سكاي إنها قالت للجنرال أوديرنو، قائد القوات الأمريكية "سيدي: ربما يكون هذا الحال هو أكبر خطأ استراتيجي تمر به الولايات المتحدة منذ تأسيسها"، فأجابني: "وماذا يمكن أن نفعل تجاه الوضع، لا يمكن أن نترك الأحوال على ما هي ونمضي"، وكان هذا التخبط لا يليق بدولة عظمى لا تجد في النصر إلا الدوران حول عمود الفشل.
لقد راهن الأمريكان على القوة المفرطة والتعدد الطائفي والإثني أكثر مما تستوجبه المسألة، وكان ذلك سبباً في انهيار تجربتهم.
ومع اختلاف دوافع الحملة على أفغانستان، ففي التجربة الأفغانية تمتع الاحتلال الأمريكي بدعم شعبي واسع من قبل الشعب الأمريكي انتقاماً لأحداث (11 سبتمبر/أيلول).
أما في العراق فكان الدافع هو البحث عن أسلحة الدمار الشامل! مع إسقاط التأييد الدولي للتجربة الأمريكية، وكانت التجربة تعبيراً عن غطرسة مفرطة.
وإذا كان الفشل في العراق لا يزال تحت العلاج المستمر كالورم الخبيث الذي يُعالج بالكيماويات، فإن الفشل في أفغانستان كان مدوياً، خصوصاً بعد أحداث مطار كابول التي شاهدناها على شاشات التلفاز.
وإذا استطاعت الولايات المتحدة أن تتحاور أخيراً مع طالبان بصورة مباشرة وغير مباشرة، فإن ذلك يقلل من نتائج الفشل السريع، الذي تمثل في اجتياح أفغانستان من قبل طالبان، التي لم يتوقع أحد أن تكون بتلك المرونة السياسية في التعامل مع مجمل المسألة.
وقد علق المستشار الأقدم للأمن القومي الأمريكي ووزير الخارجية كيسنجر أخيراً، بأن ما حصل في أفغانستان انتكاسة طوعية، وجدت فيها الولايات المتحدة نفسها تتحرك للانسحاب دون التشاور مع الحلفاء، واعتبر أن القوة العسكرية لم تكن كافية لحسم الأمور، وأن الأهداف السياسية كانت غير واضحة وضبابية إلى أقصى الحدود، رغم أنه من دعاة استمرار القوة المفرطة في البلدان المحتلة.
وبالتالي، فإن على الولايات المتحدة أن تكون أكثر حكمة في سياستها نحو الآخر، والسيطرة على العالم بالطريقة التي تريدها مسألة غير واردة إطلاقاً، وقد يحدث ما حصل بين النبي داود (عليه السلام) والعملاق جالوت (جليات)، عندما رماه النبي داوود بحجر من مقلاعه وسقط على إثره مغشياً عليه، فأغمد النبي داود السيف في صدره وقطع رأسه.
ليخرج داود منتصراً، ولكنهم لا يقرأون كتابهم المقدس.