النهار الاخبارية - وكالات
خلال السنوات الثلاث الماضية كان السبب الرئيسي للوفاة عالمياً هو السرطان وليس وباء كورونا، فلماذا ترتفع حالات الإصابة بالسرطان بين الشباب؟ وما أبرز خطوات الوقاية؟
الدكتور عارف كمال، كبير مسؤولي المرضى في جمعية السرطان الأمريكية، قال لشبكة CNN الأمريكية: "خلال السنوات الثلاث الماضية كان السبب الرئيسي الأول للوفاة في العالم هو السرطان، وليس كوفيد-19".
ويوافق 4 فبراير/شباط اليوم العالمي للسرطان، وشهدت توقعات الانتصار بحرب السرطان هذا العام أخباراً مبّشرة وأخرى محبطة، ففي الولايات المتحدة تراجعت الوفيات الناجمة عن السرطان بنسبة 33% منذ عام 1991، إذ شفي منه حوالي 3.8 مليون شخص، ويرجع ذلك في الغالب إلى التقدم في الاكتشاف المبكر والعلاج. ومع ذلك فقد 10 ملايين شخص حول العالم حياتهم بسبب السرطان عام 2020.
أعراض السرطان تتشابه مع أمراض أخرى
يقول الخبراء إن أعراض السرطان قد تشبه أعراض عديد من الأمراض الأخرى، لذلك يصعب تمييزها. ومن هذه الأعراض خسارة أو زيادة غير مفهومة في الوزن، أو ظهور تورمات أو تكتلات في الفخذ أو الرقبة أو المعدة أو الإبط، والحمّى والتعرق الليلي، وفقاً للمعهد الوطني للسرطان.
خبراء يحذرون من وجود أعداد كبيرة من المصابين بالسرطان في أوروبا – صورة تعبيرية
وقال المعهد إن مشكلات المثانة والأمعاء والبشرة والأعصاب قد تكون علامات على الإصابة بالسرطان، مثل التغيرات في السمع والرؤية والصداع والنزيف أو الكدمات دون سبب، لكن معظم السرطانات لا تسبب الألم في البداية، لذلك لا يمكن اعتباره من ضمن الأعراض.
وقال الدكتور كمال للشبكة الأمريكية: "نقول للمرضى إنه إذا ظهرت عليهم أعراض لم تخف بعد أسابيع قليلة فعليهم زيارة الطبيب"، لكن هذا لا يعني أن التشخيص سيكون سرطاناً.
لماذا ترتفع معدلات الإصابة بالسرطانات بين الشباب؟
مفتاح منع الإصابة بالسرطان هو الوقاية، وإجراء الفحوصات للكشف عن المرض في مراحله المبكرة، وليس انتظار الإصابة بالأعراض. ويقول الخبراء إن هذا بالغ الاهمية لأن حالات السرطان الجديدة على مستوى العالم في ارتفاع مستمر.
إذ سُجل عدد مذهل من الإصابات الجديدة بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً، وفقاً لمراجعة أجراها عام 2022 باحثون في جامعة هارفارد.
وترتفع حالات سرطان الثدي والقولون والمريء والمرارة والكلى والكبد والبنكرياس والبروستاتا والمعدة والغدة الدرقية، بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 50 و40 عاماً وحتى 30 عاماً منذ التسعينيات.
ويقول كمال إن هذا غير معتاد في مرض يصيب عادة من هم فوق سن الستين. وقال: "السرطان بشكل عام يعتبر حالة مرتبطة بالعمر، لأنك تحتاج إلى وقت ليحدث التحور السرطاني". والخلايا المسنة تبلى على مر السنين جرّاء السموم البيئية وأنماط الحياة غير الصحية، وهذا يجعلها المرشحة الأولى لطفرة سرطانية.
وتساءل كمال: "كنا نظن أن حدوث ذلك يستغرق وقتاً، ولكن إذا أصيب شخص بالسرطان وهو في الخامسة والثلاثين من عمره فالسؤال هو "ما الذي حدث ليصاب به في هذا العمر؟".
لا أحد يعرف على وجه التحديد، لكن التدخين وشرب الكحول وتلوث الهواء والسمنة وقلة النشاط البدني واتباع نظام غذائي فقير في الفواكه والخضراوات من العوامل الرئيسية للإصابة بالسرطان، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
الأمراض السرطانية تحدث بشكل أساسي بسبب السمنة
وكتب باحثو جامعة هارفارد في مراجعتهم لعام 2022: "الاستهلاك المتزايد للأطعمة فائقة المعالجة، أو ذات الطابع الغربي، والتغيرات في أنماط الحياة، والبيئة… وعوامل أخرى ربما أسهمت جميعها في هذه التغييرات في الإصابات".
وأضاف كمال للشبكة الأمريكية: "لا تحتاج مثلاً إلى 65 عاماً من تناول اللحوم المقرمشة أو المصنعة، بل 20 عاماً فقط، وبعدها تبدأ في رؤية سرطانات المعدة والقولون، حتى في أعمار صغيرة". فكيف تقاوم السرطان إذاً؟ يقول كمال: "ابدأ من سن العشرينيات".
معرفة التاريخ الطبي للأسرة أمر جوهري
الكثير من السرطانات الأكثر شيوعاً، مثل سرطان الثدي والأمعاء والمعدة والبروستاتا سببها عوامل وراثية، وهذا يعني أنه إذا أصيب به أحد الأقارب فربما تكون قد ورثت استعداداً للإصابة بهذا السرطان أيضاً.
ولهذا السبب من الأهمية بمكان أن تعرف التاريخ الصحي لعائلتك. ويقترح كمال أن يجلس الشباب مع أجدادهم وأقاربهم المقربين، ويسألونهم عن الأمراض التي أصيبوا بها، ويكتبونها. وقال: "الشخص العادي لا يعرف في الواقع مستوى التفاصيل التي تساعد في تحديد خطر الإصابة".
وقال: "حين أتحدث إلى مريض يقول إن الجدة مصابة بالسرطان، لكنني أكون بحاجة لمعرفة جواب سؤالين: في أي عمر تم تشخيص إصابتها بالسرطان، وما نوع السرطان تحديداً؟ يلزمني معرفة إن كانت أصيبت بالسرطان في الثلاثينيات أو الستينيات من عمرها، لأن هذا يحدد مستوى خطر تعرضه للإصابة، لكنه في كثير من الأحيان لا يعرف".
وقال كمال إن هذا ينطبق على نوع السرطان أيضاً: "يقول الناس غالباً إن "الجدة مصابة بسرطان العظام". حسناً، الورم النقوي المتعدد والساركوما العظمية سرطانا عظم، لكن كلاهما نادر نسبياً، لذلك لا أظن أن الجدة مصابة بسرطان العظام، بل كانت مصابة بسرطان آخر وصل إلى العظام، وأنا يلزمني معرفة ذلك".
وبعد ذلك، يتعين على الأطباء معرفة ما حدث لهذا القريب. هل كان السرطان شديداً؟ وكيف كانت استجابته للعلاج؟. وقال: "إذا سمعت أن الأم أو الجدة أصيبت بسرطان الثدي في سن الأربعين وتوفيت عن عمر 41 عاماً، أدرك حينها أن السرطان كان شديداً، وهذا يغير تقديري لخطر تعرضك للإصابة به. وقد أضيف فحوصات أخرى لا تشملها الإرشادات الخاصة بمن هم في عمرك".
وقال كمال إن إرشادات فحص السرطان تستند إلى تقييمات على مستوى عموم السكان، وليس مخاطر الإصابة الفردية، لذلك لو كان السرطان (أو حالات أخرى مثل أمراض القلب أو السكري أو الزهايمر أو حتى الصداع النصفي) منتشراً في العائلة، فإنك تصبح حالة خاصة، وتحتاج إلى خطة مخصصة لحالتك.
افحص نفسك
لو كان تاريخ عائلتك خالياً من السرطان فإن ذلك يقلل من خطر تعرضك للإصابة، لكنه لا يمحوه. يقول الخبراء إنه يمكنك تقليل احتمالية الإصابة بالسرطان عن طريق اتباع نظام غذائي صحي نباتي، ونيل القسط الموصى به من التمارين والنوم، والحد من استهلاك الكحول والامتناع عن التدخين بأنواعه.
وحماية نفسك من أشعة الشمس وأسرّة التسمير من الأمور المهمة أيضاً، لأن الأشعة فوق البنفسجية الضارة تتلف الحمض النووي في خلايا الجلد، وهي من العوامل الرئيسية التي تؤدي للإصابة بسرطان الجلد. وقال كمال إن سرطان الجلد يمكن أن يظهر حتى في الأماكن التي لا تتعرض للشمس.
وقال: "هناك ارتفاع في حالات سرطان الجلد في المناطق غير المعرضة للشمس، مثل الإبط والمنطقة التناسلية وبين أصابع القدم، لذلك من المهم أن تفحص جسمك بالكامل مرة واحدة في السنة".
فحص الجلد: اخلع جميع ملابسك وألقِ نظرة فاحصة على كامل بشرة الجسم، بما يشمل راحة اليد، وباطن القدمين، وبين أصابع القدمين، والأرداف، ومنطقة الأعضاء التناسلية. وراجع أيضاً طبيب جلدية لو كنت مصاباً بالحكة أو نزيف أو رأيت شامة غريبة الشكل تختلف عن الشامات الأخرى في جسدك.
تناول اللقاحات: يوجد لقاحان يقيان من سرطان عنق الرحم وسرطان الكبد، وتوجد لقاحات أخرى لسرطانات مثل سرطان الجلد قيد التطوير.
ينتقل التهاب الكبد B عن طريق الدم والسوائل الجنسية، ويمكن أن يسبب سرطان الكبد وتليف الكبد. ومجموعة من ثلاث جرعات، تبدأ عند الولادة، جزء من لقاحات الأطفال الموصى بها في الولايات المتحدة. وعلى البالغين الذين لم يأخذوا هذا اللقاح مراجعة طبيبهم لمعرفة إن كانوا مؤهلين له.
ويقي لقاح فيروس الورم الحليمي البشري من الإصابة بعدة سلالات من هذا الفيروس، الذي هو أكثر أنواع العدوى المنقولة جنسياً شيوعاً، وفقاً للمراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.
وفيروس الورم الحليمي البشري قد يسبب سرطان عنق الرحم القاتل، وكذلك سرطان المهبل والشرج والقضيب. ويمكن أن يسبب أيضاً سرطاناً في الحنجرة، ويمتد إلى اللسان واللوزتين.
هناك الكثير من المركبات الكيميائية في الخضار التي نحمي الجسم من السرطانات
يقول كمال لسي إن إن: "سرطانات الرأس والرقبة المرتبطة بفيروس الورم الحليمي البشري أشد من السرطانات غير المرتبطة به، لذا من الضروري تطعيم الأولاد وكذلك الفتيات".
ومنذ الموافقة على إعطاء اللقاح للمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و13 عاماً في الولايات المتحدة عام 2006، انخفضت معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم بنسبة 87%. وتقول مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) في الوقت الحالي، إنه يمكن إعطاء اللقاح حتى سن 45.
الفحص الذاتي للثدي: سرطان الثدي أكثر أنواع السرطانات انتشاراً على مستوى العالم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يليه سرطان الرئة والقولون والمستقيم والبروستاتا والجلد والمعدة.
والرجال والنساء عرضة للإصابة بسرطان الثدي، لذلك على الرجال الذين لديهم تاريخ عائلي أن ينتبهوا إلى أعراضه أيضاً، وفقاً لما يقوله الخبراء. وهذه الأعراض تشمل ألماً أو احمراراً أو تهيّجاً أو انتفاخاً في أي جزء من الثدي. وقال مركز السيطرة على الأمراض إن أي تكتلات جديدة، سواء في الثدي أو الإبط، وأي إفرازات من الحلمة، بخلاف حليب الثدي، من الأعراض المقلقة أيضاً.
وتنصح الجمعية الوطنية لسرطان الثدي النساء بإجراء فحص ذاتي مرة في الشهر، واستشارة الطبيب إذا وجدن أي علامة تحذيرية. وأنسب وقت لإجراء هذا الفحص يكون بعد حوالي 7 أو 10 أيام من نزول الدورة الشهرية.
الفحوصات والاختبارات: الفحوصات واللقاحات المنزلية قد تنقذ الأرواح، لكن الكثير من السرطانات لا يمكن اكتشافها إلا من خلال الفحوصات المعملية أو المسح الضوئي أو الخزعات، ولدى جمعية السرطان الأمريكية قائمة بالفحوصات الموصى بها حسب الأعمار.
وقال كمال إن إجراء هذه الفحوصات في الوقت المناسب يزيد من فرصة الاكتشاف المبكر والعلاج، ولكن لا يزال لدى كل شخص مسؤولية معرفة عوامل خطر تعرضه للإصابة، التي من أهمها تاريخ العائلة.