الإثنين 11 تشرين الثاني 2024

تحسس عقلك… قد يكون مقيدا بـ"النمل الأعمى"

النمل الأعمى، أو النمل الجيش، هو فصيل من فصائل حشرة النمل ويتواجد في القارة الأفريقية بكثرة وينتشر في عدة مناطق في القارتين الأميركيتين، اكتسب شهرته من طريقة حركته الجماعية التي تميزه عن أشقائه من الأنواع الأخرى.
إلا أن اللافت أكثر هو سلوك التبعية الذي يتحرك فيه، إذ لا يملك أي حواس إرشادية كالبصر أو السمع، بل يعتمد على الشم الذي يستعين به لمعرفة الطريق الذي تسير فيه النملة التي تسبقه، والتي بدورها تعتمد نفس الطريقة في اتباع من تتقدمها، حتى الوصول إلى النملة القائدة.
المشكلة في هذا التحرك الجماعي أنه حتى النملة القائدة تعاني من ذات المشكلات البصرية، وتعتمد على حاسة الشم في تقفي أثر الطعام الذي خرجت من أجله، وتترك لمن خلفها مادة كيماوية تدعى "الفيرمون" تدل بها على رائحتها.
طاحونة النمل
هذه الطريقة ليست محكمة، ففرص وقوع الأخطاء فيها واردة جداً، فإذا تم رسم الخط بشكل دائري عن طريق الخطأ، فإن النمل سوف يسير في حلقة مفرغة يدور فيها على نفسه حتى يقتله الإنهاك بسبب إصراره على إكمال الطريق من دون توقف لتمسكه بالسير الجماعي، وهي العملية التي يسميها الباحثون طاحونة النمل.
هذه الطاحونة، أو دوامة الموت كما يسميها البعض، والتي قد تتسبب في فناء مستعمرة نمل بأكملها كانت ملهمة للتشكيلي السعودي حمود العطاوي في تصوير ما تفعله التبعية العمياء لسلوك الجماعة المؤدلجة بـ"فيرمون" الفكرة.
وحول ولادة فكرة العمل، قال العطاوي "كنت أتابع فيلم وثائقي عن الحشرات التي استعرضت قصة النمل الأعمى، كانت فكرتها لافتة، كيف أن أسلوب حياة هذا الفصيل هو أيديولوجيا بحد ذاته، هذا النمل يشبه القيد غير المرئي الذي يمكن أن يقيد الإنسان".
وأضاف "تقدمت بالفكرة إلى مؤسسة مسك الخيرية وحصلت على منحة لإنتاجه، بدأت بصناعة القالب ثم قمت بصبه عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد، حرصت على أن يقيد النمل رقبة المجسم وفمه وعيناه كما بقية جسمه، لتجسيد كيف تقيد التبعية النظر والتعبير وحتى القدرة على التنفس".
الدوران اللانهائي
يشدد العطاوي على أن كل أشكال الانصياع والتبعية لجهة أو شخص صاحب فكرة واحدة، هو سلوك قد يؤدي إلى الموت والهلاك والإنهاك الجسدي والعقلي.
إذ أثبتت "أيديولوجية الفيرمون" قدرتها على إبادة جيش كامل مكون من 200 ألف جندي من أكثر الحشرات تمرساً على الدأب والعمل اليومي.
والسلوك الجماعي لدى بعض البشر هو سلوك يشبه في الكثير من جوانبه سلوك هذا الجيش، حيث أن الإنسان يميل كثيراً إلى الانصياع للجماعة لأداء طقوس مشتركة، حتى وإن كانت هذه الطقوس تؤدي إلى الهلاك أو إلى نتائج مؤذية، فهم لا يضعون سلوكهم في إطار الجماعة موضع مساءلة أو اختبار، بل يتمسكون في سلوك القطيع من دون تأملٍ لما آلت إليه الأمور.
ويكون الأمر أكثر تعقيداً عندما يتحدثون عن الأفكار والقيم الاجتماعية التي يحملونها، وهي التي تعلموها من البيئة التي يعيشون فيها، وعلى الرغم من الاختلاف الظاهري في مواقفهم الفكرية فإنها في العادة تتشابه في جذورها، فالأهداف الجماعية والعقائد والقيم المشتركة بغض النظر عن وضعها في ميزان النتائج تتمتع بنفس القدسية التي يتمتع بها الانضباط الجماعي لدى النمل، وعندما يقودهم سلوكهم الجماعي هذا إلى مشكلات تهدد حياتهم فإنهم في العادة يستخدمون طريقة النمل في التبعية، من دون تغيير لإنهاء المشكلة بل يواصلون السير في الدوامة اللانهائية.