في دراسة حديثة ارتبطت المستويات العالية من "الذكاء السلس" بتناول أطعمة صحية واستنشاق هواء نظيف وتوفر ظروف معيشية جيدة
هاري كوبيرن كاتب وصحافي
النهار الاخباريه- لندن
توصلت دراسة دولية حديثة إلى وجود علاقة تجمع بين المستوى الأفضل من التطور المعرفي لدى الأطفال، وتناول الطعام المنتج عضوياً بنظام يتجنب استخدام الأسمدة الاصطناعية والمبيدات الحشرية والإضافات الصناعية للأعلاف الحيوانية...
تفحص باحثون في إسبانيا مستويات "الذكاء السلس"، كما يسمى، لدى عدد من الأطفال، ويتيح هذا النوع من الذكاء إيجاد حلول للمسائل عبر التفكير بطريقة منطقية ومعقولة واستخدام "الذاكرة العاملة"، التي تشير إلى القدرة على تخزين معلومات جديدة في حين أن الحاجة إليها تكون قصيرة الأجل.
وقال فريق البحاثة، إن النتائج التي خلصوا إليها تشير إلى أن اتباع أنظمة غذائية صحية يمكن أن يترك تأثيراً مباشراً في تطور عقول الأطفال.
جوردي جولفيز، الباحث الرئيس في الدراسة، الذي تعاون مع أكاديميين في "معهد برشلونة للصحة العالمية" في إسبانيا قال إنه "مقارنة مع الوجبات السريعة تعد الأنظمة الغذائية المكونة من أطعمة عضوية غنية أكثر بالعناصر الغذائية اللازمة للعقل، من قبيل الأحماض الدهنية والفيتامينات ومضادات الأكسدة، التي ربما تعزز مجتمعة الوظيفة المعرفية في مرحلة الطفولة."
كذلك قال العلماء، إن عوامل عدة مثل تناول الوجبات السريعة والعيش في منازل مكتظة بأفراد الأسرة، والتعرض لدخان التبغ في المنزل ارتبط بانخفاض مستويات الذكاء السلس.
إضافة إلى ذلك، وجد العلماء علاقة بين استنشاق الجسيمات الملوثة المتناهية الصغر من النوع "بي أم 2. 5" (PM2.5) داخل المنزل من جهة، وتراجع النتائج التي سجلها الأطفال في ما يتعلق بالذاكرة العاملة من جهة أخرى.
استخدم فريق البحث بيانات تعود إلى ألف و298 طفلاً، تراوحت أعمارهم بين ست و11 سنة، وتوزعوا على ست دول أوروبية هي المملكة المتحدة، وفرنسا، وإسبانيا، واليونان، وليتوانيا، والنرويج.
درسوا 87 عاملاً من العوامل البيئية التي مر بها هؤلاء الأطفال خلال نموهم في أرحام أمهاتهم، من بينها الهواء الملوث، والازدحام المروري، والضوضاء، وكثير من المواد الكيماوية، وعوامل متعلقة بأسلوب العيش، إضافة إلى 122 عاملاً آخر تعرضوا له خلال طفولتهم.
وقالوا إن الهدف من الدراسة كان تحليل التأثير الذي تطرحه العوامل المذكورة آنفاً على مستوى نمو دماغ الإنسان ونضوجه.
في هذا الصدد، ذكر الباحثون أنه "خلال مرحلة الطفولة، لا يكون دماغ الإنسان قد تطور بشكل كامل بعد، كي يتصدى بشكل فاعل للمواد الكيماوية الموجودة في البيئة، بل يكون حساساً بشدة تجاه السمية، حتى المستويات المنخفضة منها التي لا تتهدد بالضرورة الدماغ السليم الذي بلغ مرحلة النضوج".
ويعد هذا البحث فريداً من نوعه، لأن الباحثين الذين نهضوا به، توخوا، كما قالوا، أن يأخذوا بعين الاعتبار مجمل العوامل التي تعرض لها الأطفال، ولم يصبوا تركيزهم على عامل واحد فقط. وفق كلامهم، يسفر هذا الأسلوب عن فهم أفضل للتشابك الذي تتسم به عوامل بيئية عدة ينكشف عليها الأطفال، والتأثير المتزامن الذي تتركه على تطور أدمغتهم.
وأشار الباحثون إلى أنه في السابق تقصى عدد قليل من البحوث العلاقة بين النظام الغذائي والوظيفة المعرفية، ولكن ارتبط تناول الوجبات السريعة بتسجيل معدلات نجاح منخفضة في التطور الأكاديمي، كذلك أفادت بعض الدراسات السابقة بوجود صلات إيجابية تجمع بين النظم الغذائية العضوية، ودرجات كفاءة الوظائف التنفيذية التي يضطلع بها الدماغ.
شرح الدكتور جولفيز، "وجدنا في دراستنا أن الحصول على درجات أفضل في الذكاء السلس والذاكرة العاملة يأتي مع استهلاك أكبر للطعام العضوي وتناول كمية أقل من الوجبات السريعة".
في المقابل، أشار الباحثون إلى أن التعرض لدخان التبغ وجسيمات "بي أم 2. 5" في المنزل أثناء الطفولة قد يؤثر سلباً في الوظيفة الإدراكية للدماغ عبر مفاقمة التفاعلات المسببة للالتهابات في الدماغ.
لكن الدكتور جولفيز حذر من أن "عدد الأشخاص الذين يعيشون معاً في المنزل نفسه يؤشر غالباً إلى الوضع الاقتصادي للأسرة، وأن ظروف الفقر تؤاتيها عادة أنماط حياة أقل صحة، التي بدورها قد تؤثر في درجات الاختبارات المعرفية لدى الأطفال".
نشر البحث في مجلة "إنفايرومنتل كوميونيكيشن" Environmental Internationa