كأنما لم يكن يكفي تمسك الممثلات بالماكياج الصارخ في الدراما العربية، حتى عند الاستيقاظ من النوم صباحاً أو عند الاستحمام، حتى جاءت عمليات التجميل وزادت الطين بلة وأفقدت الدراما مزيداً من مصداقيتها لدى المشاهد خصوصاً في الأعمال التاريخية وأعمال البيئة.
غالباً ما تعتبر الفنانات أن التجميل أصبح من ضرورات العصر ولا يلجأن إليه وحدهن وحسب، بل هو في متناول عدد كبير من بين الفتيات والسيدات. ولكنهن أولى بها، بسبب طبيعة عملهن التي تفرض عليهن الظهور أمام الجمهور في شكل لائق من خلال تحسين صورتهن، لأن في ذلك احتراماً لعين المشاهد، على حد قولهن.
في المقابل تحولت بعض عمليات التجميل إلى موضة في الوسط الفني، وفي مقدمها تعريض الفكين أو ما يعرف بـ"التكساس"، التي راجت كثيراً في العامين الأخيرين بين الفنانين نساء ورجالاً على حد سواء في العالم العربي، خصوصاً وأن الغيرة صفة من صفات الفنانين العرب، الذين هم بارعون في التقليد والاستنساخ بصرف النظر عما إذا كان ما يفعلونه مناسباً لهم أم لا.
الصبا والجمال الاصطناعي
لا شك في أن الصبا والجمال يعززان الثقة بالنفس في مهنة الفن عامة ومهنة التمثيل على وجه التحديد، خصوصاً عند اللاهثات وراء البقاء على الشاشة لأنهن يعتبرن أن أشكالهن هي الرأسمال الذي يعتمدن عليه للاستمرارية. ومن ثم تأتي الموهبة بالدرجة الثانية، وهذا الأمر ينطبق على عدد كبير من الممثلات. ومقابل نسبة قليلة من الفنانات اللاتي يفضلن الإطلالة الطبيعية ويعتبرن أن لكل عمر جماله وأدواره، وفي طليعتهن منى واصف التي تتمسك بتجاعيدها، لجأت معظم الممثلات إلى التجميل على أنواعه، بوتكس، فيلر، حقن، تاتو حاجبين، وكونتور الشفاه، شد الجفون، هذا عن عمليات نحت الجسم.
طبياً، عمليات التجميل تحتاج إلى تجديد بين فترة وأخرى، ولا يمكن الاكتفاء بعملية واحدة مدى الحياة. لذا تجد الفنانة نفسها مجبرة على الخضوع إلى عملية تلو الأخرى ولتجميل شيء جديد في وجهها وفق ما تقتضيه موضة التجميل. هكذا تجد نفسها في نهاية المطاف مدمنة عمليات تجميل، بينما في الماضي كانت الفنانة تكتفي لاستعادة صباها، بعملية شد للوجه أو "ليفتنغ" وهي كانت تخضع لها مرة واحدة كل سنوات عدة، كتلك التي اشتهرت بها الفنانة الراحلة صباح.
أما استخدام الممثلات التقنيات التجميلية نفسها، فيجعل منهن نماذج مستنسخة، البطلة تشبه السكرتيرة والمربية والطبيبة، بل حتى مساعدة البيت التي تطل هي أيضاً على المشاهد بشفاهها المنفوخة ورموشها الاصطناعية وخدودها المرفوعة وحواجبها التي تشبه السيف الحاد.
بعض العمليات التجميلية تكون مقبولة، وهي عبارة عن "رتوش" لا مبالغة فيها، كتلك التي تخضع لها سيرين عبد النور أو سلافة معمار أو ماغي بو غصن أو سواهن. فهن لم يغيرن كثيراً في ملامحهن، بل حافظن على شبابهن لضمان إقبال المنتجين للتعامل معهن واستمراريتهن. وفي المقابل، هناك عمليات تجميلية أخرى، تغير شكل الفنانة رأساً على عقب، فتجعلها إما أكثر صباً وجمالاً وإما أكثر قبحاً.
الجمهور يرفض
غادة عبد الرازق صدمت المشاهدين بشكلها الجديد في مسلسل "لحم غزال" الذي عرض في الموسم الرمضاني، مما تسبب بكسر الألفة بينها وبين الجمهور. فهو كان يعرف غادة عبد الرازق أخرى، ولم يتقبل أنها هي نفسها الممثلة التي كانت تطل عليه خلال السنوات الماضية، وتعرضت لكثير من الانتقادات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نظراً لمبالغتها في عمليات التجميل التي خضعت لها، والتي تم تفنيدها واحدة تلو الأخرى، ووصلت إلى سبع عمليات دفعة واحدة، كما أن البعض شبهها بالفنانة لطيفة، وآخرون انتقدوا لجوء الفنانات إلى العمليات التي تجعل منهن نسخاً متكررة.
تزيد المبالغة في عمليات التجميل، من نفور المشاهد من الممثلات والسخرية منهن، خصوصاً في أعمال البيئة الشامية، حيث لم يكن هناك وجود للعمليات التجميلية الرائجة اليوم، وكانت نساء الشام، من دون شفاه منفوخة وخدود مرفوعة وتاتو حواجب وكونتور شفاه وأنوف منحوتة وفكي تكساس ورموش اصطناعية طويلة، ولا يشبهن هيئة الممثلات السوريات اللاتي يظهرن في أعمال البيئة الشامية كـ"باب الحارة"، التي تتناول مرحلة تاريخية معينة من الحياة الدمشقية. إطلالات الممثلات السوريات المجملة، أفقد تلك الأعمال منطقها، وجعلها عرضة لكثير من الانتقادات وأوقع ممثلاتها في موضع السخرية. ربما يتوقف صناع هذا النوع من الدراما عند هذا الخلل، ولربما هم لا يجدون له حلاً، لأن حمى التجميل انتقلت إلى معظم الممثلات، اللاتي صار هاجسهن الأول تحسين أشكالهن، بحسب اعتقادهن، حتى لو تم الأمر على حساب الدور، كما على حساب تقديم شخصيات مقنعة.
وما ينطبق على الأعمال التاريخية ينطبق أيضاً على الأعمال المودرن، حيث تركت عمليات التجميل المبالغ بها على الوجوه، آثارها السلبية عليها، وأفقدها القدرة على التعبير بسبب "البوتكس"، الأكثر شيوعاً بين الممثلات. وهو عبارة عن مادة سامة لخلايا الأعصاب، تحقن بها الأنسجة التي تقع في الطبقة الموجودة تحت الجلد، مما يؤدي إلى وقف تأثير الإشارات الكهربائية التي ينقلها العصب لألياف العضلات، مما يمنع تقلص العضلات ويفقد ملامح الوجه القدرة على التعبير حزناً أو فرحاً، عدا عن أنه يؤثر سلباً في مخارج الحروف عند اللفظ.
الترويج للاطباء
لا تترد بعض نجمات الدراما الخليجية، في نشر تفاصيل عمليات التجميل التي يخضعن لها من داخل العيادات بهدف الترويج للأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي، فتظهر نتائج تلك العمليات على الشاشة بوجوههن المنتفخة، وشفاههن المكتنزة، وحواجبهن المرفوعة. وبدل قبول المشاهد، غالباً ما يكون رد فعله عكسياً، من خلال انتقاده لتلك الأشكال ورفضه لها، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأسماء الكبيرة التي لها وزنها ومكانتها وقيمتها في قلبه ووجدانه. فهو لا يخفي أنه كان يفضلهن بأشكالهن السابقة، وأنه كان يحبهن ويقدرهن لموهبتهن وليس لشكلهن، حتى أن البعض يرى أن مسلسلات رمضان الخليجية تحولت إلى استعراض للجمال المزيف.
للأسف، ارتكاز الدراما العربية على الشكل، تسبب في تشويه عدد كبير من نجمات الصف الأول اللاتي على رغم تجاوزهن سن الأربعين والخمسين، يتمسكن بأدوار تناسب ممثلات في سن العشرينات، وعلى خطاهن تسير ممثلات يطمحن أيضاً إلى مثل هذه الأدوار، خصوصاً أن عمليات التجميل لم تعد حكراً على عمر معين بل هي مرغوبة ومطلوبة من كل الأعمار، فلا مانع عند ممثلة شابة أن تسعى إلى تحسين هنا وتعديل هناك في وجهها كي تصبح أكثر جمالاً، لكي يرضى عنها المنتج، في زمن أصبح الجمال هو المعيار لدخول مجال التمثيل الذي تسيطر عليه المنافسة والمحسوبيات والشكل الجميل، مما يحول دون قيام دراما حقيقية.
لسوء الحظ لم تنجح عمليات التجميل التي تخضع لها ممثلات العالم العربي في تحقيق الهدف المرجو منها. فشكلياً تحولت بعض الممثلات اللاتي يبالغن في استخدامها إلى دمى جفصينية، أما درامياً، فهن فقدن القدرة على التعبير بملامحهن التي شوهها البوتوكس"، كما فقدن ثقة الجمهور الذي لم يعد يفرق بين ممثلة وأخرى.