السبت 23 تشرين الثاني 2024

في الجزء الأول من قصة حياة صباح.. شقيقها يقتل أمّها في عز شهرتها في مصر


النهار الاخبارية - وكالات 

عرفت مرحلة الخمسينيات والسيتينيات والسبعينيات وهجاً لم ينطفئ وعزاً لم تشهد مثلهما تلك المرحلة، كما عرفته الفنانة اللبنانية صباح في العصر الذهبي. كانت ذهبية الشعر ودائمة الإبتسامة تمتلك صوتاً طربياً وجبلياً فريداً، صاحبة أطول أوف تؤديها بإحساس فريد مفعم بالفرح والأمل.
رغبتها الشاشة والأضواء حتى أصبحت فنانة مشهورة في لبنان والعالم، فسطعت مثل الشمس وملأت حياتنا 60 عاماً من الفرح والبهجة، لكنها تذوقت أيضاً طعم المرارة والغدر والخداع والطلاق ولم تتهنَّ بنجاحها كما تستحق.
إشتهرت جانيت جرجس فغالي فنيّاً بإسم صباح .
لمع إسمها في حقبة الخمسينيات إلى جانب ​فريد الأطرش​، وديع الصافي، ​عبد الحليم حافظ​، بديعة صادق، ​شادية​، ​ليلى مراد​، فيروز، ​فايزة أحمد​، أبو بكر سالم، زكي ناصيف، سيد مكاوي ونور الهدى.
إمتدت حياتها المهنية من منتصف الأربعينيات حتى عام 2000، تاركة خلفها إرثًا فنيًّا تلفزيونيًّا سينيمائيًّا ومسرحيًّا كبيرًا. إشتهرت صباح بألقاب كثيرة منها "الشحرورة" و"الصبوحة" و"​صوت لبنان​" و"الأسطورة"، وأطلق عليها الصحافي موسى صبري اسم "الشحرورة" نسبة لعمها "شحرور الوادي" وجمال صوت عصفور الشحرور، وكانت فخورة بهذا الاسم ولقبت أيضاً باسم "شمس الشموس صبوحة" الذي أطلقه عليها الفنان ​سمير صبري​. كانت من بين أوائل المغنين اللبنانيين والعرب الذين وقفوا على المسارح العالمية مثل الأولمبيا في باريس، وقاعة الكارنيغي في مدينة نيويورك، وقاعة ألبرت هول الملكية في لندن ودار الأوبرا في سيدني.
طفولة صباح
ولدت في 10 تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1927 في كنف عائلة متواضعة في منطقة بدادون قرب وادي شحرور، وهي الطفلة الثالثة في أسرة جرجي فغالي بعد جولييت والممثلة لمياء وتبعتها سعاد ونجاة. وكان لها أخ إسمه روجيه من أمّ ثانية. يحكى أن أمها امتنعت يومين عن إرضاعها لأنها كانت ترغب أن تكون صبياً، ولولا حكمة عم الطفلة الشاعر الزجلي أسعد فغالي الملقب بـ "شحرور الوادي" لما اقتنعت الأم بوجوب إرضاعها. ولكن ما لبثت أن حلّت مشكلة الأسرة بولادة شقيق صباح أنطون فغالي.

رحيل شقيقة صباح أول صدمة في حياتها
كانت والدتها تحب الفن، ووالدها كان فلاحاً يهتم بزراعة مساحة من الأرض التي كان يملكها في البلدة. صعقت العائلة في أحد الأيام بمقتل الشقيقة الكبرى جولييت وهي في العاشرة من عمرها، بعد إصابتها بطلقة نارية نتيجة إشكال وقع في بدادون، وكان ذلك سبباً لمغادرة جانيت فغالي البلدة إلى بيروت والإلتحاق بالمدرسة الرسمية أولاً ثم بمدرسة اليسوعية، وكانت تمثل وتغني في الحفلات المدرسية وهي لم تبلغ الثانية عشرة.

الراهبات إكتشفنَ جانيت فغالي
قررت المدرسة التي التحقت بها جانيت فغالي تقديم مسرحية "الأميرة هند"، ورشحتها الراهبة المسؤولة لأداء دور البطولة فيها، وكانت في الرابعة عشرة من عمرها، فراحت الراهبة تخفق لها يومياً خمس بيضات، وتقول لها: "إشربي، سيفيد البيض صوتك ويجعله قوياً". صدقتها صباح وواظبت على شرب صفار البيض المخفوق. أعجب بأدائها وشجعها الممثل الراحل عيسى النحاس، فأحضر لها الملابس التي خيطها بنفسه لدور الأميرة هند.
لم يتقبل والد صباحفكرة أن تقف إبنته على المسرح وتغني، إلا أنه ما لبث أن رضخ لذلك لأن المسرحية كانت تحت إشراف الراهبات، ووافقه الرأي جدها الخوري لويس وخال أمها المطران عقل وبقية أفراد العائلة .

صودف أن حضر المسرحية قيصر يونس، صهر الممثلة والمنتجة اللبنانية الأصل آسيا داغر الذائعة الصيت في مصر آنذاك، فاقترب من والدها قائلاً له: "حرام ألا تدخل ابنتك السينما".

صباح من لبنان إلى مصر

إنطلقت في صغرها من لبنان، ولفتت انتباه المنتجة السينمائية اللبنانية الأصل آسيا داغر والتي كانت تعمل في القاهرة، فطلبت من وكيلها في لبنان قيصر يونس عقد اتفاق مع صباح لثلاثة أفلام دفعة واحدة إيماناً منها بما تستطيع تحقيقه، مقابل أجر بلغ 150 جنيهًا مصريًا عن الفيلم الأول ويرتفع تدريجياً في العملين الآخرين.
توجّهت إلى أسيوط برفقه والدها ووالدتها واستضافتهم آسيا داغر داخل منزلها في القاهرة، وكلفت الملحن رياض السنباطي بتلقينها التدريبات اللازمة لصوتها الجبلي الفولكلوري، ووضع الألحان التي ستغنيها في الفيلم، وفي تلك الفترة اختفى اسم " جانيت الشحرورة" وحل مكانه اسم "صباح" ابنة الـ 18 عاماً في فيلم "القلب له واحد" عام 1945. وهذا الإسم أطلقه عليها الشاعر صالح جودت، لأن وجهها كان مشرقاً كنور الصباح. إلى جانب إجماع القراء على هذا الإسم بعدما نشرت آسيا صورتها في مجلة "الصباح المصرية" طالبة إلى القراء اختيار إسم فني لها.

صباح مطربة السندويش

لم تبشر بداية صباح في فيلم "القلب لو واحد" بنجاح كبير إذ كان صوتها غير ناضج بعد، وقدرتها على غناء الألحان المصرية محدودة. فاتجهت الى أداء الأغاني الخفيفة، وسماها بعض النقاد في تلك المرحلة "مطربة السندويش".
بعد الحرب العالمية الثانية تغيّر ميول الناس نحو الأغاني الطربية والكلاسيكية، وكادت صباحتدخل طي النسيان لولا أنها غيرت لون غنائها، وأطلت بالأغاني الطربية التي لحّنها لها ​كمال الطويل​. وهكذا أحدثت صباح إنقلاباً بأغانيها وكشفت عن قدراتها الصوتية.

أما بالنسبة للأغنية اللبنانية فكان لها دور كبير في إدخالها الى السينما المصرية، إذ اشترطت على المخرجة آسيا داغر أن تغني أغنية لبنانية في كل فيلم تمثل فيه. بعد الأخذ والرد وافقت آسيا على طلبها. وتجدر الإشارة الى أن صباح كانت تشرح للجمهور المصري على المسرح كلمات الأغنية باللهجة اللبنانية كي تقرّب المسافات وتعرفهم على اللهجة اللبنانية.
وكان صوتها يتجلى على حقيقته في الأغاني اللبنانية والمواويل الجبلية ذات الإمتدادات الصوتية، إذ ينتقل صاعداً من طرفه الثقيل الى طرفه الحاد وبالعكس، ممتداً على أربعة عشر مقاماً سليماً وهذا أمر صعب جداً.

شقيق صباح يقتل والدتها

أحدث شقيقها أنطون فغالي شرخاً دموياً في حياتها، أثّر في نفسها حتى وفاتها حين قتل والدته منيرة سمعان عام 1948، بعدما أخبروه أنها كانت مع عشيقها في بلدة "برمانا" فقتل الاثنين معاً، رمياً بالرصاص، ثم فرّ إلى سوريا، ثم إلى البرازيل وعاش باسم مستعار هو ألبرت فغالي، وكان عمره حينها 18 عاماً تقريباً. أما والدته فدفنوها في مكان لا يعرفه إلا من واروها الثرى، حتى صباح لم تكن تعلم مكان مثوى والدتها الأخير، إذ كانت حينها في مصر وعرفت بمقتلها بعد شهرين، مع أن الصحف المصرية تناقلت الحادث وأبرزته في الصفحة الأولى تحت عنوان: "شقيق صباح يقتل أمه وعشيقها بالرصاص"، إلا أن زوجها الأول، اللبناني نجيب شماس، أخفى عنها الخبر إلى أن طلبت بعد شهرين زيارة والدتها في لبنان، وعندما اقتربت الباخرة من بيروت اضطر إلى مصارحتها بالحقيقة، فانهارت من الصدمة.

تتبع قصة ​الشحرورة صباح​ في الجزء الثاني.. زيجاتها وعلاقتها بإبنتها هويدا