أصدر "المركز الثقافي العربي" كتاب "سنواتي مع دوستويفسكي" للكاتبة الروسية أبوليناريا سوسلوفا (1839-1918)، ترجمة الجيلالي مويري. وفيه، تسرد أبوليناريا سوسلوفا تفاصيل علاقتها الغرامية الشائكة والمضطربة مع الكاتب والروائي الروسي فيودور دوستويفسكي، من خلال يومياتٍ وشذراتٍ ووثائق تقف عند أشد تفاصيل تلك العلاقة إثارةً للاهتمام، وتكشف جوانب مخفية من شخصية مؤلف "الإخوة كارامازوف".
تسببت العلاقة الغرامية التي جمعت دوستويفسكي بسوسلوفا بألمٍ كبير تجاوز جميع ما لحق به من ألمٍ في بقية علاقاته الغرامية
وتحاول أبوليناريا سوسلوفا في مذكراتها هذه، الإحاطة بمختلف أحداث ووقائع الحقبة الزمنية التي تغطيها يومياتها، لا سيما الأدبية منها، حيث تُقدِّم لمحاتٍ متفرقة عن طبيعة حياة الأدباء والمثقفين الروس في روسيا والمهجر، خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وذلك في إطار حديثها عن طبيعة العلاقة التي جمعتها بدوستويفسكي.
بدأت علاقة أبوليناريا سوسلوفا ودوستويفسكي في إحدى جلسات قراءاته العامة. كان الأديب الروسي يبلغ من العمر حينها 42 عامًا، فيما كانت سوسلوفا في سنواتها العشرين، ولكن ذلك لم يمنعهما من إقامة علاقةٍ غراميةٍ تقاسما فيها الشغف بالأدب والجنس، دون أن تختلف عن بقية علاقات صاحب "ذكريات من منزل الأموات"، الذي اعتاد منح كيانه كاملًا لعشيقاته.
أراد فيودور دوستويفسكي لعلاقته هذه التي لم تخل من التعقيد والتوتر والاضطرابات النفسية، أن تظل سرية لأطول وقتٍ ممكن بسبب زواجه، وهو ما لم تعارضه سوسلوفا لأسبابٍ أخرى مختلفة تمامًا، منها عدم رغبتها في أن تذهب علاقتهما أبعد من ممارسة الجنس والثرثرة حول الأدب، لا سيما وأنها كانت على علاقة برجالٍ كُثر تختفي بصحبتهم لبعض الوقت، قبل أن تعود مجددًا إلى عشيقها الذي لم يكن قادرًا على تلبية جميع طلباتها.
خيانات أبوليناريا سوسلوفا المتكررة والتغيّر المفاجئ في سلوكها ودخولها في علاقة غرامية مع شابٍ إسباني، بالإضافة إلى رفضها الزواج من دوستويفسكي الذي كان آنذاك مدمنًا على لعب القمار، أنهت علاقتهما التي انعكست بالضرورة على بعض أعمال الكاتب الروسي الأدبية، ومنها "المقامر"، "الجريمة والعقاب"، "الشياطين"، و"الأبله".تسببت تلك العلاقة بألمٍ كبيرٍ لدوستويفسكي، تجاوز جميع ما لحق به من ألمٍ في بقية علاقاته الغرامية المتعددة، وهو ما يؤكده الناقد الروسي مارك سلونيم، مؤلف كتاب "قصص الحب الثلاث لدوستويفسكي"، بقوله إنه: "كان يجفل عندما يذكر اسمها. لقد كان على علاقةٍ معها عندما كان متزوجًا، ولطالما جسدها في رواياته. وحتى وفاته، بقي متذكرًا مداعباتها وصفعاتها على وجهه. لقد بقي مخلصًا لهذا الحب المغري والقاسي والمأساوي".