الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

البيوت البلاستيكية الذكية ثورة قادمة في الزراعة الرقمية

النهار الاخبارية _ وكالات 

قُدّر حجم السوق التجاري العالمي للزراعة الدفيئة داخل البيوت البلاستيكية بنحو 29.6 مليار دولار أميركي في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل إلى 50.6 مليار دولار أميركي بحلول عام 2025، مسجلا معدل نمو سنوي مركب يبلغ 11.3% خلال هذه الفترة، وذلك حسب ما ذكرته منصة "ماركتس آند ماركتس" (Markets and Markets) في تقرير لها مؤخرا.

ويعزى نمو هذا القطاع إلى زيادة الطلب على الغذاء بسبب تزايد عدد السكان في العالم عاما بعد عام، إضافة إلى التغير المناخي الذي يؤثر على حجم غلة المحاصيل الزراعية العالمي، كما سيوفر التطور التكنولوجي وزيادة الاعتماد على طرق الزراعة الرقمية المختلفة فرصا كبيرة لنمو هذا القطاع الحيوي للبشرية في المستقبل، حيث يجري العلماء والباحثون من مختلف دول العالم دراسات علمية وأبحاثا زراعية لتقليل التكلفة من جهة وزيادة الإنتاج من جهة أخرى داخل هذه البيوت البلاستيكية متزايدة الانتشار في مختلف أرجاء العالم.
وأظهرت دراسة حديثة -نُشرت مؤخرا في مجلة "بلانتس" (Plants)- أن استخدام نظام تحكم ذكي داخل البيوت البلاستيكية (الدفيئة) يمكن أن يحسن الإضاءة للنباتات المزروعة من خلال التنبؤ بأشعة الشمس وتشغيل الأضواء فقط عند الحاجة. وأظهرت البيانات أن المزارعين يمكن أن يقللوا تكلفة استخدام الكهرباء داخل هذه البيوت بنسبة تصل إلى 33% عن طريق تحسين نظم الإضاءة المستخدمة داخلها.

نظم الإضاءة غير الذكية تكلف مئات الملايين من الدولارات
في الأيام الممطرة أو الغائمة التي تغيب فيها الشمس تُعطى النباتات إضاءة تكميلية لتعويض نقص ضوء الشمس الضروري لنموها، ورغم فعاليتها فإن هذه الأضواء يمكن أن تكون باهظة الثمن، وغير فعالة، وتستهلك كميات كبيرة من الكهرباء.
وقدر تقرير صدر عام 2017 من وزارة الطاقة الأميركية أن نظم الإضاءة المستخدمة في زراعة النباتات داخل البيوت البلاستيكية تستهلك نحو 600 مليون دولار من الكهرباء كل عام.

وقال الأستاذ في كلية العلوم الزراعية والبيئية في جامعة جورجيا الأميركية مارك فان إيرسيل "عندما ظهرت المصابيح الكهربائية من نوع "إل إي دي" (LED) أول مرة في الأسواق أعطتنا الفرصة للتحكم في إضاءة الدفيئة بمستوى لم يكن ممكنا من قبل".

وأضاف "في ذلك الوقت، كان يتم إجراء كثير من الأبحاث لتحسين الإضاءة نفسها، ولكن لم يكن أحد تقريبا يعمل على تكنولوجيا التحكم الذكي في نظم الإضاءة المستخدمة حينها".

وأوضح إيرسيل أن "تكلفة الكهرباء المستخدمة للإضاءة في أي بيت بلاستيكي تتراوح بين 10 و30% من تكلفة التشغيل، وبدأ بحثنا بفكرة أنه إذا تمكنا من تقليل هذه التكلفة، فيمكننا بسرعة كبيرة التأثير على كفاءة واستدامة البيوت البلاستيكية".
نظام إضاءة ذكي
وصمم فريق من الباحثين في جامعة جورجيا الأميركية نظام إضاءة ذكيا جديدا يمكن أن يقلل استهلاك الكهرباء في البيوت البلاستيكية من دون الإضرار بالنباتات وفرص نموها، وذلك حسب ما نشرته الجامعة على منصتها أخيرا.
وقامت شيرين أفازلي طالبة الماجستير في كلية الهندسة الكهربائية ببناء نظام تحكم يستخدم أجهزة استشعار ذكية لقياس أحوال الطقس الحالية، في حين طوّر طالب الدكتوراه ساهاند مشرفيان بمساعدة البروفيسور جواد محمدبور فيلني خوارزميات خاصة للتنبؤ بالضوء في مختبرات الجامعة. ويمكن للنظامين معا التنبؤ بكمية ضوء الشمس التي تحتاجها النباتات للنمو؛ وهو الأمر الذي يسمح بتحسين الإضاءة داخل البيوت البلاستيكية وإعطاء النباتات الكمية الصحيحة من الضوء.

وتُستخدم البيوت البلاستيكية لإنتاج النباتات من فواكه وخضروات في الأغلب خلال فصلي الشتاء والربيع حين تغيب أشعة الشمس بسبب الأمطار وتغير أحوال الطقس، لذلك اختبر الفريق نظامه خلال هذين الموسمين الزراعيين.

وفي الوقت الذي أظهرت فيه كلتا التجربتين انخفاض التكاليف مع الحفاظ على نمو النبات بشكل سليم، كان للنظام الجديد تأثير أكبر خلال فصل الربيع، حيث انخفضت التكاليف بنسبة 33%، ولكن الكفاءة انخفضت إلى 4% فقط خلال فصل الشتاء بسبب غياب الشمس بشكل شبه كامل.

التوفير الفعلي أعلى بكثير
وأكد فريق البحث أن التوفير الفعلي يمكن أن يكون أعلى بكثير على أرض الواقع، حيث افترضت تجاربهم أسعارا ثابتة للكهرباء، وهو شيء لا يحدث دائما في العالم الحقيقي، حيث تتغير الأسعار بشكل مستمر، وتكون عادة أعلى بكثير في فصلي الشتاء والربيع منها في فصلي الخريف والصيف، وقام الفريق بالفعل ببرمجة النظام لحساب هذا المتغير، ويخطط لنشر بحث مستقبلي يظهر معدلات توفير وادخار أعلى بكثير.
ومع استمرار ارتفاع عدد سكان الكوكب، إذ من المتوقع أن يصل عدد سكان الأرض إلى نحو 10 مليارات نسمة في عام 2050؛ تزداد أهمية إيجاد طرق ذكية لإنتاج المزيد من الغذاء بموارد أقل، وهو ما يجعل استخدام التكنولوجيا والأنظمة الذكية في الزراعة أمرا لا مفر منه في المستقبل.

وهنا تكمن أهمية هذا البحث الذي يعد لبنة جديدة في صرح ما أصبح يعرف على نطاق واسع بالزراعة الرقمية التي تعتمد على الخوارزميات والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية لإنتاج المزيد من الغذاء لتغطية حاجة البشر المتزايدة يوما بعد يوم.