"قضية ديريك شوفين مهمة بقدر ما هي معقدة"
فبعيدا عن ذلك الخِيار الرمزي الذي يقطع مع حِقْبَة الرئيس السابق، دونالد ترامب. ذلك الرئيس الذي لم يأل جهدا في شق صفوف الأمريكيين ولا سيما بشأن موضوع "القانون والنظام"، فإن المرشح الرئاسي جو بايدن أظهر بوضوح عزمه على معالجة المسألة وذلك بحديثه عن "العنصرية المتجذرة" في الولايات المتحدة. وهو تعبير لا يزال يوظفه في أحاديثه بعدما أصبح رئيسا للولايات المتحدة.
ولكن الخطوة الأهم نحو الأمام كانت تصديق مجلس النواب في 4 مارس/آذار الجاري على مشروع إصلاح جهاز الشرطة. وأُطلق عليه "عدالة جورج فلويد في سلوك الشرطة"، وهو إصلاح يتضمن حظر خنق المشتبه بهم، والحد من تسليح رجال الشرطة بمعدات عسكرية وإنشاء سجل وطني لرجال الشرطة المفصولين من عملهم بتهم سوء المعاملة.
الخَشْيَة من صدور حكم مماثل لحكم رودني كينغ
ويعيد مشروع إصلاح الشرطة النظر أيضا في مسألة الحصانة التي يحظى بها رجالها في حالة الملاحقات المدنية. كما ينص على إنهاء أوامر التفتيش المتعلقة بالجرائم المتصلة بالمخدرات التي تسمح لضباط الشرطة باقتحام أماكن إقامة المشتبه بهم دون إذن.
فيما صرحت رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي بأن النص، الذي يجب التصويت عليه الآن في مجلس الشيوخ، قبل إقراره: "لن يمحو قرونا من العنصرية المتجذرة" في الولايات المتحدة. لكنها ستكون "خطوة كبيرة ’نحو‘ بناء عالم أفضل ومناخ أكثر صحية في العلاقة بين الشرطة والمجتمع الذي تحترمه".
من ناحية أخرى، ليس من الوارد على الإطلاق إجراء أي خفض في ميزانيات الشرطة، وهو مطلب العديد من المتظاهرين الذين رفعوا شعار "أوقفوا تمويل الشرطة". والنص الذي صوت عليه الكونغرس الأسبوع الماضي لا يشير إطلاقا إلى هذا الموضوع.
وعلى المستوى المحلي، فقد تراجعت العديد من المدن التي غامرت ووضعت هذا الموضوع موضع نقاش. فمجلس مدينة مينيابوليس، حيث توفي جورج فلويد، كان قد أعلن في 7 يونيو/حَزِيران الماضي أنه سيفكك جهاز الشرطة التابع له. لكنه في النهاية، لم يقلص ميزانية الشرطة إلا بمبلغ 8 ملايين دولار من ميزانية قدرها 179 مليون دولار. أما نيويورك، المدينة التي قررت في يونيو/حَزِيران الماضي أيضا استقطاع مليار دولار من ميزانية الشرطة، فقد عادت وخفضت المبلغ كثيرا وأخذت قرارا بالاستقطاع تدريجيا.
ويتوقع جان إريك برانا أن "نتيجة المحاكمة ستكون لها عواقب مهمة. ويخشى الجميع أن تنتهي هذه القضية بحكم مماثل لقضية رودني كينغ عام 1992 [تبرئة أربعة ضباط شرطة كانوا قد ضربوا هذا الأمريكي من أصل أفريقي في لوس أنجلس عام 1991 مما تسبب في اندلاع أعمال شغب غير مسبوقة]. فقضية جورج فلويد أصبحت بصورة كبيرة رمزا للنضال غير المكتمل من أجل الحصول على الحقوق المدنية. ففي عيون مجتمع الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية فإن العدالة والكفاح من أجل المساواة يمران من بوابة إدانة ديريك شوفين".
هل ترفع إدارة جو بايدن شعار "العمل ضد العنصرية"؟
بالنسبة للوضع على الأرض، لم يطرأ كثير من التحسن: فقد سقط ألف شخص برصاص رجال الشرطة في عام 2020، من بينهم 28 بالمئة من الأمريكيين من أصل أفريقي، في حين أنهم لا يمثلون إلا 12 بالمئة فقط من السكان. هذا بالإضافة إلى أن العدالة قد تخلت عن ملاحقة رجال الشرطة المسؤولين عن وفاة أمريكيين من أصول أفريقية كانوا غير مسلحين مثل برونا تايلور التي أرديت قتيلة في شقتها في كنتاكي، ودانيال برود الذي مات مختنقا خلال أزمة ذهانية بالقرب من نيويورك. وهو أيضا حال الضابط الذي أطلق النار من مسافة قريبة على يعقوب بليك سبع مرات لأنه لم يستسلم له في ولاية ويسكونسن.
والآن باتت العيون مسلطة على رد فعل جو بايدن. وينظر جزء من مجتمع البيض في الولايات المتحدة إلى وفاة جورج فلويد بوصفها "نهاية الأوهام التي شاعت بعد انتخاب باراك أوباما عام 2008 بحديثه عن أمريكا ’ما بعد العنصرية‘ و’بلا ألوان مختلفة للبشرة‘" كما يقول المختص في تاريخ الولايات المتحدة أونيس رومان هوريت لفرانس24.
فقد كان باراك أوباما يقدم نفسه دائما كرئيس لجميع الأمريكيين، ورفض بالتالي حمل شعلة مكافحة العنصرية في الولايات المتحدة. أما اليوم، وكما يلاحظ جان إريك برانا "فقد تغير الوضع، ويتوقع الأمريكيون الذين صوتوا لصالح جو بايدن منه اتخاذ إجراءات قوية في هذا الصدد. ولا سيما أنه أبيض أيضا، ثم إنه أوضح أنه لن يترشح لولاية ثانية وهو ما يترك له المجال واسعا للمناورة دون أن يقلق بشأن شعبيته".
وكما صرح بايدن نفسه في 26 يناير/كانون الثاني الماضي قائلا: "لقد حان الوقت للعمل لأن الإيمان والأخلاق يفرضانه"، ولأن العنصرية "تنخر وتدمر وتكلف" الولايات المتحدة" وذلك أثناء توقيعه عددا من القرارات التي من شأنها مكافحة العنصرية.
النص الفرنسي: رومان برونيه | النص العربي: حسين عمارة