️ عصام الحلبي- النهار الاخبارية
"أمضيت ليلتين أحمل طفلي بين يدي وأنا أبحث عن بقعة لا تقصف"...
بهذه الكلمات اختزلت أم محمد ، نازحة من خان يونس الى رفح، عبر احدى المحطات الاعلامية مأساتها في محاولة النجاة من حرب باتت وقودها من البشر والحجر، في قطاع ضاقت فيه الحياة وفقد فيه الأمان.
في قطاع غزة، حيث لا ملاذ ومكان آمن، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني تحت أقسى حصار عرفه العصر الحديث.
العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، خلّف أكثر من 38,000 شهيد، بحسب بيانات وزارة الصحة الفلسطينية، فيما فاق عدد الجرحى 87,000، ثلثهم من الأطفال.
الدمار طال 80% من البنى التحتية، وتحوّلت المدارس والمستشفيات والمخيمات إلى ركام، والناس إلى نازحين داخل جحيم لا ينتهي.
"المناطق الإنسانية”... ممرات إلى الجحيم
رغم إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي عن إنشاء "ممرات إنسانية" ومناطق "خضراء آمنة" للنازحين، تُظهر تقارير لمنظمة هيومن رايتس ووتش وأطباء بلا حدود أن تلك المناطق تعرضت للقصف مرارًا، ما أسفر عن مجازر في صفوف المدنيين الذين فرّوا إليها.
يقول أبو يوسف (50 عامًا)، نازح من بيت حانون، عبر الهاتف" وتس اب":
"هربنا من بيتنا بعد تهديد بالإخلاء، ذهبنا إلى مدرسة للأونروا جنوب غزة، فتعرضت لقصف مباشر من طائرات الاحتلال الاسرائيلي. ابني استشهد وزوجتي أصيبت، ولم نعد نعرف إلى أين نذهب. نحن نقصف و نموت في كل مكان نلجأ اليه."
الأمم المتحدة أعلنت في بيان رسمي في حزيران الماضي أن "لا مكان آمن في غزة، ولا يمكن ضمان حماية المدنيين"، ما يضع علامات استفهام حول مدى التزام إسرائيل بالقانون الدولي الإنساني.
الجوع... عدو آخر للغزيين لا يقل فتكًا
في غزة، الموت لم يعد فقط نتيجة القصف، بل نتيجة الجوع والعطش ونقص الرعاية الصحية.
بحسب برنامج الغذاء العالمي WFP، فإن 9 من كل 10 عائلات لا تجد ما يكفي لإطعام أطفالها ليوم واحد، فيما تراجع استهلاك المياه بنسبة 90% بسبب تدمير الشبكات ومحطات التحلية.
تقرير صادر عن الأونروا بتاريخ 28 حزيران 2025 أشار إلى أن:
"العائلات تتلقى معونات غذائية مرة كل 25 إلى 30 يوماً فقط، رغم أن الحاجة يومية. المساعدات تدخل بكميات ضئيلة، وتتعرض أحيانًا للقصف أو الاحتجاز على المعابر."
مريم (28 عامًا)، أم لطفلين من دير البلح، تقول:
"أطفالي ينامون وهم جائعون. أحيانًا نعطيهم ماء وسكر فقط. لا يوجد طحين، لا يوجد رز، لا يوجد حليب. العالم يتحدث عنا فقط في الأخبار، لكن لا أحد ينقذنا."
خذلان دولي وصمت عربي مريع
فيما تستمر آلة القتل، تبدو الإرادة الدولية مشلولة.
مجلس الأمن فشل في تمرير أكثر من 6 قرارات تطالب بوقف إطلاق النار، بسبب الفيتو الأميركي المتكرر.
أما على المستوى العربي، فلا تزال المبادرات السياسية تراوح مكانها، والقمم تصدر بيانات دون أثر عملي على الأرض.
منظمة العفو الدولية قالت في تقريرها السنوي (يونيو 2025):
"ما يحدث في غزة هو كارثة إنسانية صُنعت عمدًا. القتل، التهجير، والتجويع يُستخدم كسلاح حرب، في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف."
ويذهب مراقبون الى القول أن "الصمت العربي والدولي ليس فقط تقاعسًا، بل تواطؤ ضمني يفتح الباب أمام تكرار النكبة بشكل جديد".
أطفال غزة... جيل يحلم بالحليب ويستفيق على الغارات
لا أفق لأطفال غزة سوى الطائرات، والملاجئ، والركام.
بحسب منظمة Save The Children، فإن نحو 80% من أطفال القطاع يعانون من اضطرابات نفسية، أبرزها الصدمة، التبول اللاإرادي، الكوابيس، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
التعليم متوقف في 90% من المدارس، والكتب تحولت إلى رماد، والصفوف إلى ملاجئ مؤقتة. جيل كامل مهدد بالضياع، في غياب أي أفق لإعادة الإعمار أو لوقف العدوان.
هل يسمع العالم صرخة غزة؟
إن ما يجري في غزة ليس فقط عدوانًا عسكريًا، بل جريمة سياسية وإنسانية مكتملة الأركان، تُنفّذ في وضح النهار وفي ظل صمت عالمي مريب.
الناس في غزة
لا يطلبون المعجزات، بل الحد الأدنى من الكرامة،
رغيف خبز لا يُقايض بالدم،
ملجأ لا يُقصف،
وطفولة لا تُسرق تحت أنقاض بيت هُدم ذات فجر.
غزة تحت النار، وغزة تنادي.
فهل هناك من يسمع؟ وهل هناك من يجرؤ على وقف هذه المذبحة؟