دراسه من اعداد الاستاذ احمد عثمان
تنقل هذه الرحلة التي استمرت ثلاثة
ايام في طرابلس، غابة من اصداء الكلمات والعبارات والصور والكنايات التي نشرتها
السلفية الاسلامية العامية في رأس رجل طرابلسي اربعيني، واحاديث واخبارا عن
المدينة وانماط العيش والامزجة فيها، بعد حادثة "فتح الاسلام" التي لا تزال ذيولها تتفاعل في عاصمة الشمال، مع الحرب
المستمرة دامية في مخيم نهر البارد.
فجأة قام الرجل عن الكرسي الذي كان يجلس عليه قبالتي في
مكتب المؤسسة الاعلامية التي يعمل فيها مصورا صحافيا في طرابلس.قام واستدار واحنى ظهره دافعا مؤخرته نحوي ليريني كيف
يُبرز ارتداء بنطلون الجينز المؤخرة - العورة، ويجعلها
ظاهرة مكشوفة للعيان، مما يعرّض صاحبها للحساب في يوم الدين، لأنه ارتكب، بحسب
تعاليم الاسلام السلفي الدعوي الجديد، معصية اظهار عورته وابرازها واضحة الحدود
والقسمات في بنطلون الجينز الذي يرتديه.
العلنية والكتمان
انور متزوج وتجاوز الاربعين، وابنه
البكر في آخر العقد الثاني من عمره.وهو يقيم مع اسرته في مجمع سكني جديد كبير شيدت بناياته
قبل 10 سنوات في خراج قرية رأس مسقا المسيحية
على تخوم قضاء الكورة المتصل بحي البحصاص الطرابلسي الجديد، ولا يبعد منه اكثر من 2او 3 كلم صعودا الى
تلال متصلة بمحلة ابو سمرا في جنوب طرابلس الشرقي. زميلة لأنور في المؤسسة الصحافية، قالت ان دورية للجيش اللبناني دهمت احدى
بنايات المجمع واعتقلت شابين من ساكنيها عقب حادثة "فتح الاسلام" واعتداءاتها
الدامية على قوى الامن والجيش في طرابلس يوم الاحد 20 ايار 2007. لذا اتصلت به هاتفيا ليرافقني
ويرشدني في جولة استطلاعية للمجمع السكني، فاستغرب طلبي واستهجنه، قبل ان يرفضه
ويشجبه غاضباً، معتبرا ان زميلته تشهّر به وبعائلته وبيئته السكنية، واني سأشوه
سمعة اهل المجمع وافشي اسرارهم الخاصة، اذا جمعت اخباراً من سكانه عن الشابين
المعتقلين. لذا اكتفيت بأن التقي انور في مكتب
المؤسسة الاعلامية التي يعمل فيها علّني احصل منه على ما يعرفه عن سكان المجمع، من
دون ان اتوقع انه سيطلعني على وجه من وجوه معتقدات الاسلام السلفي الجديد والعامي
الشائع في بعض الاوساط والبيئات الطرابلسية، وخصوصا في طرابلس الداخلية، اي
الشرقية الممتدة من محلة ابو سمرا فالقبة وباب الرمل والاسواق او المدينة القديمة
والمنكوبين وصولاً الى باب التبانة.
عورات الجسم السلفي
هو الغضب من اللباس الذي يظهّر
عورات الجسم ويعرضها للعيان من خلف قماش الثياب، كان مدار كلام محدثي. بعدما وقف عن
الكرسي واستدار، راح يردد بالعامية اسم المؤخرة، مشبّعا حروف الكلمة حتى تنضح
لزوجة مادية في صوته، كأنه شيخ يلقي درسا في علم تشريح الجسم البشري.فجأة استدار ليواجهني قائلا ان "التيشرت" التي يلبسها
وألبس انا مثلها، ليست شرعية بدورها، لأنها لا تظهّر عورات الجسم فحسب، بل لأننا
نكون نتشبّه بالاميركيين والكفرة حين نلبسها، شأن بنطلون الجينز.لم يتوقف عن اداء حركاته الانفعالية الايمائية المتمكن
من ادائها لكثرة ما كررها شارحا كيف تبرز الثياب التي يرتديها عورات الرجل التي
يبقيها اللباس الشرعي الفضفاض للاسلام السلفي، مستورة تحته وغير مجسّمة، فلا تبعث
الاثارة في النفس الامّارة بالسوء وارتكاب المعاصي.
ثم رفع رجله ووضع قدمه على الكرسي، ورسم بكفه دائرة حول
خصيتيه وعضوه قائلاً انه يُحرَّم على الرجل المسلم ان تكون عورته الامامية بادية
للعيان تحت لباسه، لأن بروزها مجسمة لا بد ان يثير اي امرأة تراها منتفخة تحت
الثياب، مما يعرض الرجل لحساب الآخرة. بالعامية العارية
والسليطة ردد كثيرا اسم الخصيتين، مشيرا اليهما بيده، حتى كاد يلامسهما بين فخذيه،
من دون ان يكف عن تكرار كلمة: "عورة"، "عورة"، "عورة"، كأن هذه العورة الكريهة محور حياة البشر في هذا العالم وفي
العالم الآخر.
ما همّ ان يثير مشهد ما، عابر، امرأة على نحو عابر؟
سألته، فجاوبني: "انت تقول ما همّ، لكن رب
العالمين ليس عنده ما هم. هناك حكم رباني
على سلوك البشر، لا يستطيع احد تغييره ومخالفته".
انت تخالف رب العالمين في ارتدائك هذا اللباس، اذا، قلت
له، فجاوبني بأن وظيفته في المؤسسة الاعلامية، هي التي تمنعه من التزام اللباس
الشرعي الاسلامي، لأنها تقوم بطرده من عمله، حالما يرتديه منفذاً حكم الله.
قد تكون رغبته المكتومة، بل توقه المقموع هو مصدر هذيانه
الجسماني والاخلاقي والكلامي، فيما هو يؤدي حركاته الايمائية مشيرا الى عورات
الجسم. وضع كفه على صدره، ثم ابعدها منه مسافة
قصيرة، راسما ثدي امرأة كأنه يمسكه، قبل ان يقول مبشرا: "بزاز المرأة عورة، فكيف لها ان تبرزها في الازياء التي تلبسها
اليوم؟!" ثم ارسل الى الله دعوة مستجيرة "كي ينجينا من عذاب النار في الآخرة". هو يبصر نار جهنم مستعرة، فكرت فيما هو يصب شتائمه الغاضبة المتوعدة
على نساء طرابلس وبناتها المسلمات السافرات "المتشخلعات" في شوارع
المدينة. لعنة الله عليهن، قال في نبرة حلقية
منتفخة وفصيحة، كنبرة الدعاة وخطباء المساجد، متمنيا اقتراب موعد اقامة حكم
الاسلام، اسلامه السلفي، في الارض، على انقاض حكم الدولة العلمانية التي يعيش
مكتوما تحت سلطانها في لبنان، وتمنعه من ان يكون مسلما ملتزما شرع الاسلام السلفي
ولباسه الشرعي الفضفاض الذي يحجب عورات الجسم كلها.
شهوة الذبح
إجلس، إجلس، قلت لمحدثي، بعدما رأيت
ان عليّ ان استزيد من حديثه وغضبه، فجلس على الكرسي، وقال: "انا كمسلم يعيش في بيئة اسلامية
في طرابلس ودولة علمانية في لبنان، سوف احاسب في الآخرة على عدم التزامي الشرع
الاسلامي الذي يدعوني الى القيام على الدولة العلمانية التي تمنعني من ان اقتلك
قياما بواجبي الديني، اذا كنت مسيحيا وسمعتك تشتم الله وتلعنه".
بين اي من الفئات الشابة يشيع هذا النوع من التدين؟ سألت
انور، فجاوبني في حمية متسرعة بأنه يشيع بين 70 في المئة من الناس، ودعاني الى حضور صلاة الجمعة في مساجد المدينة، لأعاين
نسبة الشبان الهائلة بين المصلين. لا تدل نسبة
المصلين الى ما يذهب اليه محدثي، فكرت فيما هو يقول منفعلا: "روح شوف، الشباب كلها بتاكل نار من شدة اسلامها وشدة قربها من
رب العالمين وحبها للدين وتوقها الى التزام تعاليمه". لكنه سرعان ما تابع مؤكداً ان هؤلاء الشباب "سبور وحلوين، ويلبسون مثلي ومثلك، لأن الحكم في البلاد ليس
اسلاميا. لذا لا يستطيعون تطبيق حكم الشرع الذي
يؤمنون به، لا على انفسهم ولا على غيرهم من الناس".
فجأة هب انور عن الكرسي واقفا من جديد، وراح يؤدي
جسمانيا الفعل والحركات التي يقوم بها لو كان يعيش في ظل امارة اسلامية، وسمعني،
انا محدثه، اشتم رب العالمين. رفع يده عاليا
متخيلا انه يمسك سكينا، ممثلا كيف يهوي بها على عنقي، قائلاً: "بشخطك، هكذا"، وحرك السكين
المتخيل جيئة وذهابا، ثم تابع: "بقتلك
وبفرمك فرم، ما في فكي". رعشة عميقة
ومفاجئة من الرعب اجتاحت جسمي كله في هذه اللحظة، فيما هو يؤدي بصوته ذلك الصوت
الذي يطلع من عنق انسان او حيوان ذبح للتو، وشخب الدم نافرا من اوردته وشرايينه.لكن محدثي ومؤدي دور قتلي في هذا المشهد من مسرحه
الاسلامي السلفي في امارته المرغوبة والمتخيلة، "اراد ان يشبع نهمه التمثيلي واللغوي، فقال:في الشارع وامام الناس اذبحك فورا ومن دون تردد، وانا
اصرخ: شتم الله، كفر، الله اكبر، فيما السكين
يحز عنقك".
فجأة ابصرت ان ملامح وجهه قد تبدلت تماما، فيما هو يقوم
بواجبه الشرعي. بدت لي شفتاه منتفختين ووجهه متجهماً
واوداجه منتفخة في عنقه. حتى اللحية
الخفيفة في اسفل ذقنه والشاربين غير الكثيفين على شفته العليا، بدت لي لصيقة
بإسلامه الدموي والاجرامي المشتهى والمتخيل، بعدما كنت ارى فيها قبل هنيهات شيئا
من ميل عادي الى تزيين وجهه بها.
الحكم الاسلامي المؤجل
"انا معذب اليوم في حياتي ومع
نفسي وحالي"، قال انور.مصدر عذابه رغبته وطموحه الممتنعان، اذ تابع قائلا بعد
جلوسه على الكرسي قبالتي: "انا كشاب
اطمح الى ان يحكمني حكم اسلامي، كي ارتاح من عذابي النفسي". وحين شعرت انه سيعود الى وتيرة غضبه السابقة، قلت له ان يهدأ
قليلا، فجاوبني: "الرسول عليه الصلاة والسلام
علمنا الا نغضب الا من اجل ديننا. وليكن معلوما
لديك ان شاكر العبسي وجماعته يعملون عملا صحيحا من الناحية الشرعية، لكنني كمسلم
اعيش في دولة غير اسلامية، اتبرأ من هذه الجماعات واقول انها وسخة".
كيف هي وسخة وعملها صحيح شرعا؟ سألته، فقال:
"قبل الحوادث الاخيرة في طرابلس وفي مخيم نهر
البارد، حدثت مشاكل في المخيم، منها ان شاباً هناك كفر، فقامت مجموعة من شبان "فتح الاسلام" بالتصدي له
وجره من شعره على الارض امام الناس، قائلين له: لو في حكم اسلامي، وَلَهْ (كلمة للتهديد في
اللهجة الفلسطينية) كنا ذبحناك فورا،
ايها الوسخ الكافر، لكن الله رحمك لغياب حكمه اليوم على هذه الارض".
الغضب الديني الذي امر به الرسول، هل هو متفش في طرابلس
واين؟ سألت انور.
70" في المئة يغضبون هذا الغضب، قلت لك"، جاوبني، ثم تابع قائلا: "وهم يتكاثرون في احياء باب الرمل وباب التبانة وطرابلس الاسواق
القديمة والقبة وابو سمرا ومحرم. كلهم شباب ناريون".
من ينفخ فيهم نار هذا الغضب الديني؟ سألته.
"رب العالمين طبعا"،
قال، ثم تابع: "تهدي من احببت فالله يهدي من
يشاء. مثلا، في كل سنة يهل علينا شهر رمضان،
وهو امتحان لبني آدم. والشاب الذي
تلقاه في كباريه تجده يصلي في الجامع ايام رمضان".
اسأل عن الجهات والمؤسسات العاملة على بث الغضب الدعوي
الاسلامي في الشبان، قلت لأنور. سريعا جاوبني:
"ليكن معلوما لديك أن المؤسسات كلها سقطت في لبنان.هناك دروس دينية دائمة في المساجد، وحلقات التدريس
منتشرة فيها كلها، ويحضرها الشبان، فيتحدثون في ما امرنا به الله وفي ما نهانا عنه
الرسول، وماذا علينا ان نفعل الآن. وليكن معلوما
لديك ايضا ان التدين الجديد يتعايش اليوم مع الكفر في الشخص الواحد، بسبب عدم قيام
حكم اسلامي. انا مثلا، تجد في سيارتي كل انواع "البارفان والديودورون" (العطور ومزيل الرائحة). هذا لا يجوز شرعا. ان رغبت في
التعطر، فبعطر اسلامي خال من الكحول (السبيرتو)عليّ ان اتعطر. وحين يرغب في الزواج شاب لم يتجاوز العشرين، تجده يقول لأمه:ماما، ماما، بدي ياها محجبة. لماذا؟ وما الذي يفهمه هذا الشاب من الدين ومن غير الدين؟"
الانترنت والفساد
والزواج
هنا تصاعد غضب انور مجددا، فصبه على
الانترنت والاقراص المدمجة.شتم الانترنت شتيمة مقذعة، لأنها "لعنت أخت الشباب وافسدتهم وادخلت الريبة في نفوسهم".لماذا؟ تساءل، وجاوب: "تجد اليوم فتاة في الثالثة عشرة تعرف ان (...) - والكلمة المحذوفة هنا عامية، وتعني ان الفتاة حصّلت خبرة جنسية
عملية واسعة – وتشتغل معك في السرير شغلا كاملا
ومرتبا. وهذا كله بسبب الانترنت التي اشاعت
الفلتان".
لكن الانترنت تعلّم ايضا تعاليم الاسلام لمن يريد،
وترشده اليها، قلت لمحدثي الذي اثنى على ملاحظتي في قوله: "يسلم هـ التم". لكنني
سرعان ما استنتجت انه فهم ملاحظتي هذه على الوجه المخالف والنقيض للذي قصدته منها.ذلك لظنه اني اقول ان ما تشيعه الانترنت، يؤدي الى رعب
الشبان من الخبرة الجنسية الخيالية التي تشيعها بين الفتيات، وتجعلهن "عاهرات" في مخيلتهن
قبل زواجهن. لذا كرر انور تشديده على المواصفات
التي يرغبها الشباب في الفتاة حين يقبل على الزواج، فقال ان الشاب يرجو اباه قائلا
له: "دخيلك بابا، الله يرضى عليك، ما
بدي ياها (اي الزوجة المرتجاة)طويلة وحلوة وشعرها وصدرها ولابسة كذا وكذا...بدي ياها محجبة. لماذا؟ لأن كل شاب "عم بشوف
شوفات رهيبة على الانترنت والتلفزيون. بين هؤلاء ابني
الذي، حين اقول له: شو بابا، واغمزه
بطرف عيني مشيرا الى فتاة ما قد تناسبه للزواج، يجاوبني: دخيلك بابا بدي ياها تخاف من الله، ما بدي فوت بالحيطان، ما بدي مشاكل".
عاد انور الى نسبة الـ70 في المئة من الشباب الطرابلسي، مضيفا هذه المرة أن الشبان يلجأون الى
المساجد ردا على الفلتان والفساد، واحتجاجا على "المؤخرات والصدور والسيقان النسائية الداشرة والمعروضة في
الشوارع، وخوفا من الله. انا نفسي مثلا
اجدني لا استطيع الامتناع عن ان اخاطب امرأة لمحتها عابرة في شارع، قائلا لها:دخيل اللي خلقك على هذا الجمال، يسلملي هذا الجمال.لكنك بعد ساعة سوف تجدني في الجامع أصلي".
الدولة العلمانية، اذا، هي التي تبيح للنساء السفور
واللباس الحسير غير الشرعي وتشجعهن، وتحميهن من غضب انور وامثاله، وتحمله غصبا عن
ارادته الغاضبة على ملاطفتهن الثقيلة في لهجته الحلقية اللزجة.اما في حال تقويض هذه الدولة العلمانية وازالتها واقامة
شرع الاسلام الالهي السلفي، فان هذه الملاطفة سوف تنقلب عملا اجراميا سلفيا جهاديا
وشرعيا.
امارة لبنان
انتقل محدثي الى وقائع اخرى في طرابلس، فقال: "خذ مثلا
شبان "حزب التحرير الاسلامي"المؤمنين كلهم بدولة او امارة اسلامية اكثر من ايمان
جماعة "فتح الاسلام". انهم شبان من خير الله وكرمه. ومنذ مدة حضر مهرجانهم الذي اقاموه في طرابلس نحو 15 الف نسمة جاؤوا من انحاء الشمال كلها، وهدفهم الدولة الاسلامية التي تحكم
بالعدل في الارض، كما امر رب العالمين. هؤلاء وغيرهم من
الجماعات واصحاب الدعوات الاسلامية يعترفون اليوم بلبنان، ويرفعون اعلاما لبنانية
على شرفات منازلهم وشاركوا في التظاهرات والمسيرات التي اطلقها اغتيال رفيق
الحريري،
وهم يؤيدون "تيار
المستقبل" ويؤازرونه ويشكلون نسبة عالية من
جمهوره، قائلين: نحن اهل السنة في لبنان، لكننا لا
نعترف بالنظام اللبناني، بل بإمارة لبنان، الشبيهة بامارة العراق وسوريا والاردن".
"القاعدة"،
الا تستطيع تجنيد شبان من بين هذه الجماعات؟ سألت انور. بلا تردد جاوب: "القاعدة"وشاكر العبسي ايضا، وبأعداد غير قليلة.انا نفسي حين اشم رائحة احد ما يريد الاعتداء علينا،
اكون اول من يقاتل. وماذا تعني في
عبارة يعتدي علينا؟ سألته، فقال: "انا اليوم
لبناني منذ اكثر من عشر سنوات، اذا اعتدى علي احد من اي منطقة سوف العن دين الذي
خلّفه، مهما ومن يكون".
* شيعي، من الروافض؟ سألت.
- ليس من الضروري ان يكون شيعيا، قال.
* مسيحي؟
- كل من يريد ان يعتدي عليّ.
* لكن ماذا تعني بالاعتداء عليك؟
- تصور مثلا ان تدخل جماعة من "القوات اللبنانية" الى طرابلس
راغبة في فتح مكتب لها في المدينة. لا لن اقبل.وتصور ان تعلق صورة للخميني في ساحة ابو سمرا او ساحة
سعدون. الخميني ليس نبيا، بل هو شخص عادي كمثل
اي مسلم.
عاد انور الى المبالغة والهذيان، فروى ان طرابلس -كلها تصرخ في صوت واحد "الله اكبر" "الله
اكبر"، في اوقات اطلالة
اسامة بن لادن في شريط مصور تبثه محطات التلفزيون. لكن هؤلاء المهللين المكبرين انفسهم سرعان ما يتساءلون حين يطيل ابن لادن
غيباته التلفزيونية: اينه، قد يكون
كذابا دجالا، اينه؟ هل هو عميل لأميركا التي تقول له ان يظهر وان يختفي؟ اين هو
هذا الكركوز الآن، لماذا لا يظهر؟! انهم يريدون منه
ان يلعن اخت العالم كله، ويفرم اعداء الاسلام فرما متواصلا من دون هدنة ولا توقف.
الغضب الاسلامي
استرسل محدثي في حماسته الهذيانية، فاقترح
عليّ ان يصطحبني في زيارة الى احياء طرابلس التي يتكاثر فيها الشبان الذين تضطرم
نار الغضب في أجسامهم وجوارحهم.هم بين السادسة عشرة والعشرين من أعمارهم، قال، "وإذا بادرتهم بالتحية: مرحباً، يردون عليك تحيتك بأصوات مهولة في خشونتها، كأنها طالعة من جوف
بركا ن: أهلييين، ثم يحدّقون في وجهك بنظرة
سوداء فاحمة وثابتة، تبعث الرعب في نفسك، وتحملك على أن تقول لي:دخيلك أنور، هيا بنا نغادر هذا المكان".
وحوش هم هؤلاء الشبان، بحسب أنور. وحوش ضارية، لم تتدرب على الاسلحة النارية بعد. إنهم زمر وعصابات تستعمل السلاح الأبيض، وإذا عزّت السكاكين، فبالأسنان
ينتّف واحدهم الآخر، وخصوصاً في باب التبانة، حيث غضبهم قابل للانفجار في أي لحظة.
ما صلة غضب هذا النوع من الشبان بالتدين الإسلامي؟ سألت
محدثي الذي روى أن غضبهم الإسلامي تجلى رداً على الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية
للنبي محمد. كيف؟ سألته، فيجاوب:
"كل من سمع منهم بالإهانة التي لحقت بالرسول عليه
الصلاة والسلام، وكان يمارس الجنس مع عاهرة، قام عنها صارخا ً:الله أكبر، الله أكبر".
ما الذي تعنيه في هذه الصورة أو الكناية، يا أنور؟
سألته، فاستعاذ بالله قائلا: "عم بحكي
عربي. كل واحد من هؤلاء الشبان ترك كل شيء،
واراد الثأر والانتقام لشرف النبي، صارخاً: بدنا نعمل ونسوي بإخواتهم".
العامي السلفي
لكن من هو انور؟ كيف وصلته هذه اللغة
الاسلامية السلفية وصورها، فأقام أو سكن فيها وجعلها فضاء لحياته ومداراً لسلوكه
ونظره الى العالم؟
في أثناء الاستماع الى أحاديثه، يستطيع المرء ان يحدس ان
رأسه مليء بغابة من أصداء كلمات وعبارات وصور هي نتف وشذرات من لغة متطايرة في
البيئة التي يعيش فيها. لغة عامية شفوية
لإسلام سلفي، عامي وشعبوي، مصدره الدعاة والمبلغون الجدد وفتاويهم وتعاليمهم في
حلقات المساجد والمصليات ودروسها الدينية للفتيان والفتيات والشبان والشابات في
الأحياء الشعبية والعامية. وهذه، أي الحلقات
والدروس والفتاوى، انتشرت كالفطر في هذه البيئات في الـ15 سنة الأخيرة، وشاعت لغتها بين الأميين وأشباه الأميين والمتسربين من
المدارس والعاطلين والذين يعملون في مهن وحرف صغيرة متواضعة.
يمكن تشبيه أصداء هذه اللغة المتراكمة في راس أنور،
ووظيفتها، بتلك التي أشاعتها الحركات القومية واليسارية في البيئات نفسها، وبين
مريديها من الفتيان والشبان في المدارس والأحياء، أواخر الستينات وصولا الى الحروب
الأهلية الملبننة في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. لكن الفرق بين اللغة الاسلامية السلفية وأصدائها، وتلك القومية واليسارية،
أن مدار الاولى الجسم وحركاته وملبسه ومحورها الجنس والسلوك الجنسي والعداء للكفار
في الغرب وأميركا، فيما مدار اللغة الثانية الصراع القومي والطبقي والنهب
الاستعماري.
لنقل إن أنور المسلم والمصور الصحافي، ومتلقي أصداء لغة
الإسلام السلفي العامي، عابراً وسريعاً يلتقط كلمات هذا الاسلام وعباراته ولغته،
ويبتعلها كما هي ملقاة على قارعة الطريق، مثلما يلتقط بكاميرته الفوتوغرافية الصور
والمشاهد العابرة ويعرضها على الملأ. وحاله مع غابة
أصداء اللغة التي يبتعلها ويتكلمها، كحال الاطفال بعد بدئهم نطق الكلمات التي
تراكمت في أسماعهم وذاكرتهم في سنوات ما قبل النطق والقدرة على الكلام.لكن أنور الذي تجاوز الأربعين، احترف تضخيم أصداء اللغة
الاسلامية السلفية ونفخها في رأسه الى حد تحويلها وقائع عامة وحقائق كاملة لا يرقى
اليها الشك. ثم انه مفتون بهذه الاصداء التي
يجتافها وتمتلك عليه لسانه ولغته وحركاته، فتتلبّسه ويتلبسها، ويروح يؤديها بجسمه
وصوته كدور على خشبة مسرح. كأنه مرآة أو
وسيط لما يقال ويُعاش في دوائر من المجتمع الطرابلسي وينقل أجواءه ومناخاته مكتنفة
بضباب رغباته وتهاومه. هكذا هو متلبّس
شخصيات وأدواراً ومؤديها من دون تبصر. وهو في هذا يتقيأ
كلمات وصوراً ولغة، أكثر مما يصوّر وقائع وأفعالا وحوادث فعلية.بل إنه يُسقط على العالم من حوله الكلمات والصور
وأصداءها المتراكمة والمنتفخة في ضجيج رأسه، فتلتهم هذه العالم وتصير الواقع الحي.
الإسلام في أبو سمرا
انه نموذج للعامي السلفي الذي تتقاذفه أصداء
الكلمات والمواقف والادوار وتتنازعه، من دون أن يحولها إرادة وعملا وفعلا، على
طريقة المنتمين الى الاسلام السلفي الجهادي.
يتكاثر أشباه أنور في حي ابو سمرا للفئات الاجتماعية
المسلمة في أدنى مراتب الطبقة المتوسطة الطرابلسية الناجية من الهبوط الى حضيض
الفقر والبؤس والعنف والفوضى في باب التبانة والاسواق القديمة وباب الرمل
والمنكوبين وبعض اطراف القبة. أشباهه هؤلاء
يسكنون مثله في بنايات جديدة شيدها تجار البناء الجاهز، وباعوها بالتقسيط أو
أجروها لساكنيها الذين تكثر على اطراف سكنهم في أبو سمرا مدارس التعليم الديني
الاسلامي ومعاهدة التي يتجاوز عددها العشرة ويقصدها طلاب من طرابلس وخارج لبنان،
كالبوسنة والسعودية والعراق، ويقيم فيها بعضهم إقامة داخلية أو يستأجرون شققاً
موقتة في البنايات القريبة من هذه المعاهد الدينية. والدعاة الاسلاميون من اصحاب المعاهد، كفتحي يكن وبلال شعبان وحسن الشهال،
وغيرهم من الذين أنشأتهم إمارة سعيد شعبان الإسلامية الطرابلسية في الثمانينات من
القرن الماضي، يسكنون في معظمهم في أبو سمرا، حيث تتكاثر البنايات الجديدة وسط
كروم الزيتون، كأنها تتكاثر في خلاء مقفر تنعدم فيه المنشآت والوظائف المدينية غير
السكنية ولا يتوافر سوى التعليم الديني والتدين. المدارس والمعاهد هذه، كالجنان والرحمة والعناية وروضة الشهال والإصلاح
الاسلامي، أنشأتها وتمولها جهات وهيئات وجمعيات دينية قطرية وإماراتية وسعودية
وكويتية تستمر في تمويل مدارس ومعاهد ومستشفيات جديدة هي اليوم قيد الانشاء.
يمكن العابر في أبو سمرا أن يتخيل وظائف متنوعة لهذه
المعاهد والبنايات السكنية المنتشرة وسط كروم الزيتون، من دون ان يعدم هذا التخيل
شذرات من وقائع واخبار غامضة تخرجه من التخييل الخالص. فا لروايات الطرابلسية تؤكد ان مدارس التعليم الديني ومعاهده في ابو سمرا
تستقبل طلاباً ومريدين ودعاة من بلدان عربية (خليجية خصوصا) واسلامية غير
عربية. وليس من المصادفة أن تحيي جما عة أهل
الدعوة والتبليغ السلفية غير الجهادية اجتماعها السنوي العام في مدينة طرابلس قبل
أشهر، فيضم الاجتماع الذي استمر أياماً في جامع طينال نحو 7 آلاف دعوي ومبلّغ جاءت كثرة منهم او "خرجت" من بلدان
الخليج. وحين يفد طلاب تعليم ديني خليجيون الى
معاهد أبو سمرا، فيقيمون موقتاً في شقق مستأجرة في البنايات القريبة من هذه
المعاهد، لا بد من أن تختلط علوم الدين بفتاوى الدعاة والتعارف والتبادل،
وبالسياحة الدعوية الدينية وغير الدينية التي يغلفها الدين. هكذا ينشأ قرب معاهد أبو سمرا عالم غامض من العلاقات والاختلاط يصعب جلاء
شبكاته الداخلية إلا لمن يقيم هناك مستقصيا. فصدام ديب الذي قتل يوم الاحد 20 أيار 2007في شارع المئتين الطرابلسي الى جانب "أبو يزن" المسؤول في "فتح الاسلام"، كان طالباً في "جامعة الجنان"، ولاعب كرة قدم في
نادي "الرياضة والادب".والده المقيم مع عائلته المؤلفة من 13ولداً في حي المنكوبين، روى لحازم الأمين (الحياة – 10 حزيران 2007)ان صداماً كان اعتقل في سوريا مدة 8 أشهر، وأفرج عنه بوساطة قام بها صاحب "الجنان"، الداعية فتحي
يكن، لدى المسؤولين السوريين.
مجمع راس مسقا
المصور الصحافي أنور كائن لغوي ينقل أصداء
كلمات هذا العالم الاسلامي وعباراته وصوره، وهو يعيش فيه وعلى حدوده في وقت واحد. فالمجمع السكني الكبير
الذي يقيم في شقة من بناياته الكثيرة على أطراف قرية رأس مسقا المسيحية، يشكل
امتداداً لأبو سمرا. وبحسب رواية
خائفة رواها رجل من القرية شاء ان يبقى اسمه مجهولا، أن أقلية من سكان المجمع (نحو 800 شقة)هم من الملاك. إقامة نحو 20في المئة من المستأجرين الكثيرين، موسمية وعابرة، إذ
يستأجرون شققا لمدة شهرين أو ثلاثة، ثم يرحلون. وفي أثناء إقامتهم الموقتة تُعقد اتفاقات التأجير بالتراضي من دون أي
مستندات رسمية، وتبقى أسماء المستأجرين وأحوالهم غامضة او مجهولة، مثل اعمالهم
وغايتهم. المساجد والمصليات المجهزة على عجل في
بعض البنايات، يشيخ من مشايخها كان في عداد جماعة الضنية السلفية التي حصلت صدامات
دامية بينها وبين الجيش اللبناني في مطلع الألفية الثالثة. نواطير البنايات العشرة كلهم من التابعية السورية. قبل نحو شهر من حادثة "فتح الاسلام"في طرابلس، دهم الجيش بنا ية من المجمع وصادر بعض
الاسلاحة. مؤسسة كويتية اشترت مبنى مدرسة الليسيه
القديم والمهجور، وتعيد إصلاحه وتجهيزه ليكون معهداً دينيا. في فترات متباعدة توزع على بعض سكان المجمع إعالات من المؤن والمآكل.والرجل الذي روى هذه الشذرات المبتسرة ذكر خائفا ومتكتما
ان المجمع لا يخلو من تعاطي الدعارة وتجارة التهريب والمخدرات والسلاح.الأكيد ان سكان هذه البنايات الجديدة كانوا سابقاً من
اهالي احياء طرابلس الفقيرة البائسة، فاستطاعوا الخروج منها، وسكنوا الى جانب
وافدين من جهات عكار والضنية ووادي خالد. وحين سألنا أنور عن صحة الخبر عن الدعارة وتجارة السلاح والمخدرات في
المجمع، هب واقفاً عن الكرسي في المؤسسة الصحافية التي يعمل فيها، وصرخ قائلا:
"كل من كان يمارس الجنس مع عاهرة من شبان طرابلس،
وسمع بالاهانة التي لحقت بالرسول جراء الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية، قام عن
العاهرة صارخاً الله اكبر، الله اكبر".
إرث الحرب والبعث
في المكتب نفسه الذي روى فيه أنور ما رواه،
حدثني احد العارفين بشؤون التعليم الديني في طرابلس، فاعتبر ان الفوضى والعشوائية
هما سمة هذا التعليم، من حلقات المساجد في الاحياء الى المعاهد والمدارس في ابو
سمرا وغيرها.وهو شبّه التسيّب في التعليم الديني وحلقاته وفتاويه
ودعواته، بما اصاب العمران وتنظيم المدن ومؤسسات الدولة الادارية طوال اكثر من 30سنة من الحروب والتسلط البعثي السوري الذي اصاب طرابلس
اكثر مما اصاب غيرها من المناطق اللبنانية. واذا أضفنا الى هذا التسيب غياب اشراف المؤسسة الدينية الرسمية وهيئاتها
في الطائفية السنية (دار الفتوى،
والمجلس الاسلامي الشرعي) على مؤسسات
التعليم الديني ومدارسه وفتاويه وحلقات مساجده، تصير فوضى نشر الدين وشعائره ولغته
وفقهه، شبيهة بفوضى انتشار السلاح والجزر الامنية في لبنان.
طرابلس وخزانها البشري في عكار والضنية نالت حصة الاسد
من الفوضى والتسيب والاهمال. فبعد حروبها
الاهلية الملبننة، جاءها في مطالع الثمانينات من القرن الماضي ياسر عرفات، فتحصن
فيها وجعلها معقلا اخيرا له في حروب ثأرية متبادلة بينه وبين جيش حافظ الاسد
البعثي ومخابراته، ولم يخرج منها إلا بحرا بعد جولة حربية مدمرة، فورّث ما لديه من
مال وسلاح لأمير "حركة التوحيد الاسلامية"سعيد شعبان الذي حكم المدينة حكم امارة اسلامية سلفية،
موزعا احياءها على صفار امرائه وعصاباتهم المسلحة التي استعملت السيوف والجلد في
العقاب الذي أنزلته بمخالفي اصول ا سلامها السلفي. وبعدما اشتدت قبضة الاماراة التوحيدية الشعبانية على المدنية حتى أمست
الحياة فيها لا تطاق، حان للنظام البعثي السوري قطافها، فجرّد عليها حملة عسكرية
شارك فيها الشيوعيون اللبنانيون والقوميون السوريون، الى جانب جيشه، فسقط في هذه
الحرب مئات القتلى في با ب التبانة، وزجت المخابرات السورية مئات من شبان احياء
طرابلس البائسة في سجونها، ثم أفرجت عنهم تباعا في السنوات اللاحقة، فخرجوا من
السجون محطمين مدمرين وممتلئين حقدا وغضبا ضد سوريا البعث وحي بعل محسن العلوي
قبالة باب التبانة. وخالط هذين الحقد
والغضب تدين اسلامي سلفي او اصولي سني، جعلته المخابرات السورية، المتخصصة في
تجنيد سجنائها في اعمال سرية تديرها لقاء الافراج عنهم – فزاعة لإخافة اللبنانيين، وخصوصا المسيحيين، وعملة رائجة في مقايضاتها مع
الدول الغربية الخائفة من تنامي الاصولية الاسلامية. وها هو ذا نظام البعث يستميت اليوم لاحياء هذه المقايضة والاستمرار فيها،
بعد سنتين من انكفائه عن لبنان.
طرابلس المتنازعة
النظام البعثي وصنوه اللبناني الأجوف
والمترهل الذي ساهم في إنشائه منذ ما قبل إتفاق الطائف، تركا طرابلس وخزانها
البشري السني الشمالي، في حال من الإنهاك والتمزق والاهمال والتنازع بين لبنانية
مستجدة بوابتها الحريرية و"الثأر" لرفيق
الحريري من البعث السوري الثقيل الوطأة على طرابلس، وبين عصبية أهلية إسلامية سنية
تقليدية ومحافظة تسبح في مياهها البؤر السلفية على أنواعها. واللبنانية السنية الحريرية هذه، وكذلك الاسلامية السنية الأهلية
التقليدية والمحافظة، والبؤر السلفية التي تسبح فيها، إندفعت كلها اندفاعة قوية
وجديدة في مواجهة السلوك السياسي الذي سلكه "حزب الله"، ومن ورائه
الطائفة الشيعية، في موالاة سياسة البعث السوري والسير في ركابه والإئتمار بأمره،
كأن شيئاً لم يحدث ويستجد في لبنان، منذ اغتيال رفيق الحريري.
في هذا الإطار جرى تظهير "فتح الاسلام" في طرابلس
ومخيم نهر البارد، في محاولة لتصديع اللبنانية السنية الحريرية الجديدة من داخلها
عبر ايقاظ موجة جديدة دامية من موجات السنية السلفية الكثيرة المنابع والمصادر
والبؤر في طرابلس التي تتنازع أهلها أمزجة ومشاعر متفاوتة ومختلطة ومتعارضة،
تجعلها مدينة تتجاور فيها وتتخالط وتتعايش وتتنافر مدن كثيرة تحت سماء وفي فضاء
ملبدين ومضطربين.
طرابلس أنور الإسلامية السلفية العامية و"اللفظية"، لا تعدم بؤراً
للسلفية الجهادية. وهي تتعايش على تعارض مع طرابلس
الأحياء الغربية الجديدة للفئات المتوسطة والميسورة، حيث للاسلام الاجتماعي العادي
حضوره الى جانب نمط حياة حديثة خجولة وتتزايد جرأة في شارعي الميناء وعزمي وفي
مدينة المينا التي كثرت فيها، أخيراً، المطاعم التي تقدم الكحول.وفرح طرابلسيو الأحياء الجديدة بالملهى الليلي الجديد
الذي افتتح في شارع صغير للمشاة يتشبّه بشارع المعرض في وسط بيروت الجديد الذي ربض
على صدره "حزب المقاومة والتحرير"ليحرره من أصداء الحركة الاستقلالية عن سوريا البعث.
وهناك أيضاً طرابلس التي تزداد تعصباً ومحافظة وخشونة
وتزمتاً، مع إقبال مستمر لفتياتها ونسائها على التحجب واللباس الشرعي، على ما ترى
مدرسة جامعية وشابة مسيحية عازمة على الهروب إلى كندا، فيما لا ترفع شابة أخرى سقف
متطلباتها من المدينة، فترى ان السافرات يقبلن الى جانب المحجبات الأنيقات على
ارتياد اندية جديدة لرياضات رشاقة الجسم وجماله، وللرقص على انواعه.هذا فيما تنعى مدرسة الجامعة مدينتها وترثي بؤسها
وشقاءها الظاهرين في طقوس زيارات المقابر في