روما – محمد يوسف | النهار الإخبارية
بصوتٍ عالٍ وبصرخة جماعية اخترقت جدار الصمت الدولي، احتشد آلاف المتظاهرين في ساحة "بورتا سان باولو" التاريخية في العاصمة الإيطالية روما، استجابةً لدعوة أطلقتها منظمة "سكيرارسي" بالتعاون مع "إيميرجينسي" وعدد واسع من جمعيات المجتمع المدني الإيطالي والعربي، رافعين شعار "Non in mio nome – ليس باسمي"، في وقفة ضمير ضد المجازر المستمرة في غزة.
تظاهرة تتجاوز الشعارات.. مشهدية الغضب والوجدان
التظاهرة لم تكن مجرد احتجاج عابر، بل بدت كمشهد درامي حي لضمير إنساني جمعي قرر كسر حاجز اللامبالاة. الهتافات لم تكتف برفض العدوان، بل طالبت بوقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار عن غزة، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين. اللافتات وصفت ما يجري في القطاع بـ"الإبادة الجماعية"، وأدانت صمت الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي.
أصوات من الميدان: شهادات حية من قلب الجحيم
على منصة التجمع، ألقت الناشطة مارتينا بايساني، العائدة للتو من غزة، شهادة مؤلمة قالت فيها:
"كنت في مستشفى شهداء الأقصى. لا أسرّة كافية، لا أدوية، فقط أكوام من الجرحى وآلاف من القصص المنسية. غزة تحولت إلى فخٍ مميت، ولا أحد يتحرك."
من جانبه، خاطب الفنان والناشط موني عوفاديا الحشود قائلاً:
"في يومٍ ما، سيسألنا أولادنا: أين كنتم؟ التاريخ لن يرحم المتواطئين ولا الصامتين."
حين يصبح الفن فعل مقاومة
التظاهرة تحولت إلى مهرجان فني ملتزم، جمعت بين الأداء الموسيقي والرسائل السياسية. اعتلت المسرح أسماء بارزة من عالم الفن مثل المغنية الفلسطينية–الإيطالية ليلى، والمغني الشهير دانييلي سيلفستري، إلى جانب جيميتايز، بينما جاء ظهور غالي المفاجئ ليشعل الحضور بأغنيته "Casa Mia" التي حمّلها برسالة تضامن مباشر مع غزة، مُحوّلاً المسرح إلى مساحة نضال.
خطاب سياسي يتحدى الخطوط الحمراء
لم تغب السياسة عن المشهد. الناشط والسياسي أليساندرو دي باتيستا وجّه انتقادًا قاسيًا لحكومة بلاده والاتحاد الأوروبي قائلاً:
"كيف يمكن لحكومة أن تنام مطمئنة فيما يموت الأطفال تحت الركام؟ إسرائيل اليوم تتصرّف بعقلية نازية، ونحن لا نقبل وعظًا حول الديمقراطية والقيم."
صوت الجاليات.. تغطية بلغتين وضمير واحد
وأشارت الصحفية مروة عبد المنعم من جمعية الصداقة الإيطالية–العربية إلى دور الإعلام المزدوج في حشد الدعم:
"النشر باللغتين الإيطالية والعربية أعطى المبادرة بعدًا إنسانيًا واسعًا، وساهم في ربط نضال غزة بمعاني الحرية والعدالة التي يتشاركها الجميع."
روما تتحدث باسم الضمير
في لحظة تجاوزت السياسة ولامست الوجدان، رفعت الجموع صوتًا واحدًا: "لا تُقتلوا الضمير الإنساني، لا تفعلوا هذا باسمنا."
روما، في ذلك اليوم، لم تكن فقط عاصمة لإيطاليا، بل منارة ضمير حيّ، دق ناقوس الإنذار في وجه الصمت، وأعاد التأكيد أن غزة وفلسطين ليست وحدها.