احمد عثمان بيروت - 27/05/07//
اندلاع حرب مخيم «نهر البارد» وطرابلس وبعض المناطق المحيطة طرح الكثير من التساؤلات التي تستحق التوقف عندها نظراً إلى هذا المزيج من الغموض والتوقيت المشبوه والوضع الملتبس الذي يحيط بتنظيم ما أسمي «فتح الإسلام».
بدا وكأن عنصر الاستغراب رافق عملية «الظهور العلني» لهذا التنظيم منذ الساعات الأولى لفجر يوم الأحد الفائت بخاصة الكمين الماكر الذي أعده عناصر هذه المنظمة لعدد من أفراد الجيش اللبناني وقتلهم غيلة والتمثيل بهم، خصوصاً أنهم لم يكونوا مستعدين لتلك المواجهة، فكانت عملية اغتيال جبانة ليس فيها شيء من البطولة. ومع انتشار نبأ هذا الحادث طرح السؤال: من هم أفراد «فتح الإسلام»؟ وإلى من ينتمون؟ وما هي الجهة أو الجهات التي تقف وراءَهم؟ والأهم من كل ذلك كيف استطاع عناصر هذا التنظيم اقتحام مخيم نهر البارد وتأمين هذا الحضور الفاعل له في وقت قصير، وامتلاك هذه العناصر العديد من أنواع الأسلحة واستئجار مجموعة من الشقق في مدينة طرابلس من دون معرفة السلطات المختصة بكل ذلك؟
والسؤال: هل هبط أفراد هذه العصابة الإرهابية بعملية مجوقلة أو تمكنوا من فرض أمر واقع على سكان المخيم حيث عّبر الكثير من هؤلاء عن عدم موافقتهم على إقامة عناصر هذا التنظيم في ما بينهم، لكنهم كانوا مغلوبين على أمرهم، وتمكن «إرهاب» هذه العناصر من إثارة مشاعر الخوف بين سكان المخيم.
في بداية الأمر سارعت المنظمات الفلسطينية إلى رفع الغطاء عن منظمة «فتح الإسلام»، لكن ومع المواجهات التي حدثت بين الجيش اللبناني وعناصر المنظمة بدا وكأنه أُسقط في يد المنظمات الفلسطينية وسارع زعماء الفصائل للقيام بدور الوساطة مع السلطة اللبنانية لتفادي سقوط المزيد من القتلى داخل المخيم. وفي الوقت نفسه وجدت السلطة الرسمية نفسها في موقع إيضاح طبيعة هذه المواجهة والتأكيد على أن ما يجري ليس ضد الشعب الفلسطيني في «مخيم البارد» بل ضد عناصر محددة قالت الفصائل الفلسطينية الرئيسية أنها لا تنتمي إليها ولا إلى العمل الفلسطيني النضالي.
وكالعادة لعب الإعلام، وبخاصة الفضائي منه، دوراً بارزاً في تأمين المنابر الإعلامية للناطق باسم هذه الجماعة (أبو سليم) الذي راح يطلق مزيجاً من الشعارات الإيديولوجية كإعلان الدفاع عن فلسطين، وكأن فلسطين يتم تحريرها من هذا المخيم، إلى شعارات استخدم فيها العامل الديني أيما استخدام حتى كاد يتحول الأمر في نهاية الأسبوع إلى أن الجيش اللبناني هو المعتدي، وأن عناصر هذا التنظيم هم الضحايا والمعتدى عليهم!
وفي سياق وضع هذه العناصر ضمن تصنيف معين قيل كلام كثير عن أن سورية هي التي تقف وراء هذه المجموعة ليتضح فعلاً أن بعض هذه العناصر كان في السجون السورية لأسباب مختلفة. إذ ان المدعو شهاب القدور والملقب بـ «أبو هريرة» أحد الوجوه البارزة اعتقلته السلطات السورية في مطلع شبابه وسجن في سورية لمدة خمس سنوات ونصف سنة. والأمر نفسه ينسحب على «قائد المجموعة» شاكر العبسي الذي أمضى بدوره فترة اعتقال في سورية. فهل يكفي قضاء بعض عناصر مجموعة «فتح الإسلام» فترة من حياتهم في السجون السورية ليبعد عنهم تهمة الارتباط بدمشق؟
يقول بعض العارفين بشؤون شبكات الإرهاب والتجسس من المكلفين بمهمات خاصة أن بعض الجهات تعمد بعد اعتقالها بعض العناصر لأسباب تتصل بـ «الأمن القومي» إلى الإفادة من «خبراتها» واستخدامها للعمل لصالحها، وربما كان الأمر ينطبق على هذه الحالة.
على أن السؤال الأهم: ما هو الدور المطلوب أو المناط بهذه العناصر في لبنان وفي هذا التوقيت بالذات؟
وفي إطار تداعيات ما حدث في مخيم نهر البارد سادت العالم موجة تأييد وتعاطف مع السلطات اللبنانية ضد كل مجموعة إرهابية. لكن التطور البارز تمثل في مسارعة الولايات المتحدة إلى تأمين جسر جوي من المعدات والأسلحة لتعزيز قدرات الجيش اللبناني. والمفارقة هنا تكمن في أن العديد من الوعود أغدق على لبنان لتأمين المساعدات العسكرية لجيشه لكن شيئاً لم يحدث على الصعيد العملي إلا خلال الساعات القليلة الماضية.
ورغم ابتعادنا عن الأخذ بنظرية المؤامرة، لكن الأمر لا يمنع من طرح السؤال: هل الجسر الجوي الأميركي هو جسر عبور بالوطن من ضفة إلى أخرى، وإحلال السلام الذي طال انتظاره؟ أم أنه من نوع الجسور الموقتة التي تساعد على استيعاب العواصف الآتية على الوطن من خلال تقاطع أوترابط مصالح لبنان مع المصالح الإقليمية والدولية؟ رغم أن وزير الدفاع إلياس المر دعا إلى عدم الربط بين وصول هذه الأسلحة وحوادث «البارد».
ولم يكن اللبنانيون بحاجة إلى السيد تيري رود لارسن مبعوث الأمم المتحدة الخاص بتطبيق القرار 1559 كي يقول لهم «... سوء حظ لبنان أن الجميع يقاومون على أرضه، وأن مصير هذا البلد أن تبقى أرضه ساحة لحروب الجميع».
لكن لارسن مضى في تعليقه على مجريات الساحة اللبنانية للكشف عن بعد جديد في هذا الصراع عندما تحدث عن «وجود تصور قوي في معظم العواصم العربية من أن الصراع في لبنان له علاقة بالصراع الجديد في المنطقة بين القومية الفارسية والقومية العربية». ويضيف: من مظاهر عالم لبنان الصغير العلاقة بالعراق والمخاوف التي تحدث عن تسلل مجموعات إلى لبنان من العراق.
وتلتقي ملاحظات لارسن مع التزايد المكثف في إجراء المقارنة بين الوضع في لبنان والوضع في العراق والحديث الذي أصبح شائعاً عن «عرقنة» لبنان. وسبق لنا التعرض لهذا الأمر بالذات في الحديث عن «لبنان العراقي» و «العراق اللبناني»: فحيح الحروب الأهلية والفتن المذهبية («الحياة» 10 كانون الأول/ ديسمبر 2006).
ولقد كان من الطبيعي أن تضيف التطورات الدراماتيكية خلال الأيام القليلة الماضية المزيد من الاحتقان الى الأجواء المتأججة والمأزومة القائمة في لبنان. وإذا كان من مؤشر إيجابي لهذا التصعيد فهو إجماع الأطراف
اللبنانية على اختلاف انتماءاتها على تأييد الجيش اللبناني والإشادة بمناقبيته وبمهنية قيادته.
لكن الحريص على بقاء واستمرارية المؤسسة العسكرية يأمل ألا يكون قد جرى زج الجيش اللبناني في هذه المعركة وليس لديه سوى القيام بواجبه العسكري وعدم التساهل مع الذين اعتدوا عليه وعلى الأمن القومي للوطن، لذا هو يطالب بتسليم الجناة إليه لمحاكمتهم، طالما أن سائر الفصائل والتنظيمات الفلسطينية تبرأت من «فتح الإسلام» إلا إذا تغير مزاج بعض الفصائل لسبب أو لآخر.
وفي عرض عام للأسابيع الآتية على المنطقة نرصد ثلاثة أنواع من التوصيفات لفصل الصيف. إذ يقول رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة: «أتوقع ألا يكون الصيف حاراً». ويقول رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي: «أتوقع صيفاً حاراً والمزيد من التصعيد»، فيما قال الرئيس جورج دبليو بوش: «أتوقع صيفاً حاسماً». ولكل من الزعماء أسبابه ومعطياته لاستخدام بعض التعابير التقنية في وصفهم للصيف الآتي.
ويا لها من مفارقة في وطن العجائب والمفارقات.
إذ في ذكرى مرور سبع سنوات على تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي تغتنم منظمة إرهابية المناسبة فتدعي الدفاع عن فلسطين وباسم القضية والدين وكلاهما منها براء.
وطالما أن شؤون لبنان والمنطقة مترابطة في كثير من المفاصل والمحطات فلا بد أن نتحدث عن اللقاء الإيراني - الأميركي المرتقب يوم غد الاثنين.
وعشية هذا اللقاء التاريخي - إلى أي جهة انتهى - في السلب أو الإيجاب، نلاحظ احتشاد القطع البحرية الأميركية في مياه الخليج وفي مواقع ليست بعيدة عن محاذاة الجانب الإيراني. وإذا لم تكن الولايات المتحدة بحاجة إلى استخدام كل هذا الأسطول الحربي فإنها تقوم بعرض قوة مع انعقاد اللقاء مع طهران حيث المحور العراق.
ومع تشدد الجانب الأميركي في موضوع الملف النووي مع إيران، فإذا أثمرت هذه المحادثات عن نتائج حسية وملموسة تؤمن «الخروج اللائق» للقوات الأميركية، فلا مانع لدى واشنطن من التأخير ولو قليلاً في مسألة الموضوع النووي. علماً بأن الرئيس بوش يريد مواصلة الضغوط على طهران في هذا الشأن وهو تحدث بالأمس عن زيادة العقوبات.
إذا أخذنا بعين الاعتبار المأزق الكبير للولايات المتحدة في العراق ندرك أهمية الضغوط التي يتعرض لها الرئيس بوش لخفض حالة التأجيج الأمني هناك. وفي معلومات موثوقة أن واشنطن منحت نوري المالكي حتى نهاية شهر ايلول (سبتمبر) المقبل لتحقيق المصالحات السياسية في العراق، باعتبار أن جميع القادة العسكريين المنخرطين في الشأن العراقي أبلغوا القائد الأعلى جورج دبليو بوش أن الحل العسكري بات مستحيلاً... لذا يجب التركيز على الحلول السياسية. وتضاف إلى هذه معلومات أخرى في السياق نفسه تتحدث عن عقد لقاءات تحاط بالسرية بين الجانب الأميركي والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في سبيل «تأمين الانسحاب التدريجي من العراق مقابل قيام الأمم المتحدة بدور أكبر وبديل عن الدور الأميركي».
ومن وحي ما تشهده الساحة اللبنانية هذه الأيام بعض المحطات الرئيسية التي يجب التنبه إليها:
* منذ فترة والحديث جار عن دخول عناصر تابعة لتنظيم «القاعدة» إلى لبنان. وبقطع النظر عن الاتجاه العقائدي لتنظيم «فتح الإسلام» فان لبنان قد يصبح ساحة لفكر «القاعدة» سواء من جانب بن لادن أو أي فكر «جهادي» آخر لا يؤمن إلا بتكفير الآخرين وبمنعهم من التفكير، وهذا هو الخطر القديم - المتجدد الذي يهدد أكثر من دولة في المنطقة من حيث نشر الأفكار الجهادية الظلامية والمدمرة.
* هنالك علاقات وثيقة بين من يسمون أنفسهم بالأصوليين، وبين من يمارسون الاستغلال كالوصوليين.
* إذا كان البعض يربط بين ما تشهده الساحة اللبنانية وبين ما يجري في أروقة مجلس الأمن من حيث التوصل إلى الصيغة النهائية للقرار المتعلق بقيام المحكمة ذات الطابع الدولي، لا يزال أمام الأفرقاء اللبنانيين فرصة ولو أخيرة لاسترداد هذا الملف والسير به عبر الأقنية الدستورية اللبنانية حتى لا يتحول إنشاء المحكمة تحت الفصل السابع أو غيره وبمعزل عن تحقيق الإجماع عليه، أزمة جديدة تضاف إلى أزمات الوطن.
* ان بقاء الأطراف اللبنانية كافة متمركزة في متاريسها من دون حراك ولا مبادرة للتلاقي والبحث الجدي عن مخارج للأزمة يوحي بأن الأمور سائرة في اتجاه أكثر خطورة، حيث لا يعود يفيد التحذير من «عرقنة لبنان» في منع السقوط في هذه العرقنة.
* ومرة أخرى يبقى لبنان الساحة المستباحة بانتظار أن يتحول إلى وطن حقيقي كامل الكيان الحر والسيد المستقل فعلاً لا قولاً.