الجمعة 18 تشرين الأول 2024

تقارير وتحقيقات

الشيخ جراح" بالقدس..القصة الكاملة


النهار الاخباريه  القدس

 
الشيخ جراح" بالقدس..القصة الكاملة

لكنّ "النكبة" تأبى أن تفارق هذه العائلات، حيث عادت إسرائيل التي اغتصبت ممتلكاتهم عام 1948، لتطردهم مجددا من منازلهم، وتلقي بهم إلى الشارع.
ومنذ عام 1972، يتشبث السكان بمنازلهم، رافضين الاستسلام لإرادة الاحتلال، ويواجهون بأكفهم العارية، المخرز الإسرائيلي.
"الأناضول" التي قررت أن تكون صوت من لا صوت له، وبوقا لكل المستضعفين في الأرض، تابعت، وما تزال، عبر أقلام وكاميرات مراسليها، ملحمة حي الشيخ جراح، ومأساة سكانه.
فيما يلي، تقارير وقصص تروي جانبا من الحكاية:

تخشى السبعينية فاطمة سالم أن تقوم السلطات الإسرائيلية بطردها من منزلها الذي ولدت فيه بحي الشيخ جراح في القدس.
ولدت  فاطمه سالم بالمنزل عام 1952 وقالت إن والدها يقيم فيه منذ ما قبل 1948.

 وقالت كل  ذكرياتنا في هذا المنزل، لقد عشت مع أمي ووالدي فيه، استذكر المكان الذي كانوا يجلسون فيه للطعام، أتخيلهم في كل ركن بالمنزل.
 وشددت  أن كل ما في منزلها " بحي الشيخ جراح في القدس المحتلة، يذكرها بطفولتها وأبنائها وأحفادها، وهي تخاف الآن من أن يتم إخلائها منه لصالح مستوطنين إسرائيليين.

وأضافت أن "عمليات الإخلاء غير قانونية بموجب القانون الدولي الإنساني، كما أنها تسبب معاناة لا داعي لها ولا تؤدي إلا إلى تأجيج التوترات على الأرض".
غير أن مجمل هذه المواقف الدولية لا تبدد مخاوف سالم من إخلائها من منزلها.

وأضافت: "بقيت بالمنزل مع زوجي لمساعدة أمي وأبي، فوالدي كان مشلولا وكنا ننقله بشكل متواصل إلى المستشفى كما أن أمي كانت مريضة، لقد شاهدا أولادي ثم توفي والدي وبعد 6 أشهر توفت والدتي، بقيت أن وزوجي وأولادي ومعنا أخي".

وتشير فاطمة إلى أن والدها قال لها قبل وفاته إنه يقيم في هذا المنزل منذ ما قبل العام 1948.

وتابعت: "كل ذكرياتنا في هذا المنزل، لقد عشت مع أمي ووالدي فيه، استذكر المكان الذي كانوا يجلسون فيه للطعام، أتخيلهم في كل ركن بالمنزل وأتخيل أولادي الذين كانوا صغار وكبروا وصاروا يمشون فيه".

محاولات ترحيل

وتشير سالم إلى أن معاناتها مع محاولات مستوطنين إخراجها وعائلتها من المنزل بدأت منذ سنوات طويلة.
وقالت: "منذ السبعينيات وهم يلاحقوننا، بداية قالوا إن علينا أن ندفع إيجار لعائلة يهودية تدعي ملكيتها للمنزل، وقد دفعنا الإيجار لمحاميهم الذي كان يأتي كل شهرين لتحصيله ولكن منذ 5 سنوات لم يأت إطلاقا".
وأضافت: "تفاجئنا بتقديم دعوى ضدنا لإخلائنا من المنزل، لماذا يخلوننا؟ إذا كان لهم مال ليأخذوه ولكن لا يجوز لهم إخراجنا من المنزل الذي نقيم فيه منذ أكثر من 70 عاما، لا يحق لهم إخراجنا".

وكانت السلطات الإسرائيلية أمهلت عائلة سالم حتى 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي لإخلاء المنزل ولكن تم تأجيل الموعد الى أجل غير مسمى بعد تقديم محامي العائلة دعوى إلى دائرة الإجراء الإسرائيلية.


معاناة من الأحفاد إلى الأجداد

الأجداد تم تهجيرهم من حيفا عام 1948 ليجد الآباء والأحفاد أنفسهم تحت تهديد التهجير مجددا
- تم تقديم إغراءات مادية مقابل ترك البيت ولكنهم لم ينجحوا
- الأوضاع النفسية سيئة جدا وأطفالنا مساكين كان الله بعونهم

يرفض الفلسطيني عارف حماد منذ سبعينيات القرن الماضي، مغريات مالية إسرائيلية كثيرة لإخلاء منزله في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية ما جعله عرضة لضغوط متواصلة.

وفي حديقة صغيرة بمنزله في الحي الفلسطيني، وأشار حماد  عن رحلة لجوء عائلته من مدينة حيفا (شمال) في العام 1948 قبل أن تستقر في مدينة القدس الشرقية التي تخشى تهجيرها منها.
وقال حماد: "الوالد والوالدة من مواليد حيفا، وقد هجروا في العام 1948، إثر الحرب وقدموا إلى القدس وكان لهم 3 أطفال، وبسبب الحرب كانوا قد وصلوا إلى المدينة بأيد خاوية".
وفي 1948 أُعلن قيام دولة إسرائيل على غالبية أراضي فلسطين التاريخية، بعد أن تم تهجير قرابة 800 ألف من أصل 1.4 مليون فلسطيني، من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة.

وأضاف حماد:" عملت والدتي في مدرسة خولة بنت الأزور بالقدس الشرقية وذلك بعد فترة من العذاب دون عمل ودون سكن أو أي مقومات للحياة".
وأردف: "مديرة المدرسة أعطت والدتي آنذاك غرفة لنسكن فيها، وفي هذه الغرفة أنجبت بنتا وولدا، ولكن بسبب الأوضاع السيئة توفيا وهما أطفال، وقد ولدت أنا في ذات الغرفة عام 1951".

وتابع حماد: "والدي استمر دون عمل، علما بأنه كان يعمل ميكانيكي دبابات في حيفا، ولأنه لم يجد عمل فإن مديرة المدرسة وجدت له وظيفة بالمدرسة أيضاف

وقال: "تقدموا بطلب وكان لهم نصيب بالقرعة، أن يأخذوا البيت هذا، وقد استلمناه في 1956 باتفاق مع الحكومة الأردنية آنذاك، وقد نص الاتفاق على أنه بعد 3 سنوات و3 أشهر تقوم الحكومة الأردنية بتسجيل المنازل بأسماء ساكنيها".
وأضاف: "في حينه تضمن الاتفاق شروطا شملت أن نقيم حدائق وأسوار في محيط المنازل وأن نوصل الكهرباء والمياه وقد استوفينا كل الشروط بحلول عام 1959، ولكن حصلت حرب 1967 قبل أن تستكمل الحكومة الأردنية تسجيل البيوت بأسمائنا علما بأنها كانت شرعت بإجراءات تطويب المنازل".
وكانت إسرائيل احتلت الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة في 1967.

افتراء المستوطنين

وقال حماد: "في عام 1972، تفاجأنا بإنذار من جمعيتين استيطانيتين ادعتا ملكيتهما للأرض المقامة عليها المنازل وطُلب منا اخلاء المنازل بداعي أننا دخلنا الأرض عنوة وهو كلام غير صحيح ".
ولفت إلى أن بعض العائلات في الحي اضطرت إلى الاستعانة بمحام إسرائيلي للدفاع عنها أمام المحاكم الإسرائيلية".
وعن سبب ذلك أوضح حماد أنه: "في تلك الفترة كان المحامون العرب مستنكفون عن المرافعات أمام المحاكم الإسرائيلية".
وأضاف: "لذلك تم اقتراح تكليف محام إسرائيلي اسمه إسحاق توسيه كوهين، دافع عن العائلات الأربعة التي تم تقديم دعوى ضدها بحجة انها دخلت المنازل عنوة وهي حماد وايوبي وغوشه وحسيني".
وأردف حماد، أن كوهين "استطاع أن يثبت للمحكمة افتراء المستوطنين بأن السكان دخلوا الى المنازل عنوة، فنحن لم ندخلها عنوة، وإنما بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (اونروا)".
وأشار إلى أن "الجمعيتين الاستيطانيتين خسرتا القضية في 3 مراحل وهي محاكم الصلح والمركزية والعليا الإسرائيلية".

 اتفاقية كوهين

ولكن وإن كانت العائلات الفلسطينية استبشرت خيرا بالمحامي الإسرائيلي كوهين، إلا أنها ما زالت حتى الآن تدفع ثمن تجاوزها لاحقا وفق حماد.
وقال حماد مفسرا: "في منتصف الثمانينات رفعت الجمعيات الاستيطانية دعاوى ضد 13 عائلة في الحي، وبسبب نجاح المحامي الإسرائيلي في القضية السابقة، فقد تم تكليفه بقضية هذه


العائلات ليترافع نيابة عنها أمام المحاكم الإسرائيلية".
واستدرك: "لكن في أواخر الثمانينات أبرم المحامي الإسرائيلي ذاته اتفاقا مع المحامي الخصم نص على أن الجمعيتين الاستيطانيتين هما المالكتين للأرض وأننا مستأجرين".
وأضاف حماد: "تسببت هذه الاتفاقية بأثر سيئ على الحي بأكمله لأنه في 2009 ونتيجة لها استطاع المستوطنون أن يستولوا على 4 بيوت مملوكة لعائلات الغاوي وحنون والكرد".
وتابع: "بعد الاستيلاء عليها قدمت الجمعيات الاستيطانية دعاوى ضد 3 عائلات أخرى في الحي وهي حماد ودجاني وداوودي".
ولفت حماد، إلى أن الجمعيات " قدمت لاحقا دعاوى ضد عائلات الصباغ والكرد والجاعوني واسكافي".
وأشار إلى أنه "تم اتخاذ قرارات في محكمتي الصلح والمركزية الإسرائيليتين بإخلاء هذه العائلات من منازلها" خلال العامين 2020 و2021.

 الحراك الشعبي

وقال حماد: "لكن التطورات التي حدثت والحراك والتضامن والوقفات الاحتجاجية الشعبية الفلسطينية في مايو/أيار 2021 أجبرت المحكمة العليا الإسرائيلية على تجميد هذه القرارات".
وأردف: "قدم طاقم الدفاع عنا طلب استئناف على قرارات الإخلاء، لكن المحكمة العليا الإسرائيلية حاولت التوصل إلى تسوية ما بيننا وبين الخصم ولكنها لم تنجح".
وأضاف: "على إثر ذلك، قدمت المحكمة العليا الإسرائيلية اقتراحا للطرفين اعتبرتنا بموجبه مستأجرين محميين لفترة معينة بمقابل أن ندفع الإيجار للمستوطنين، وبعد تحديد صاحب الملكية يتم إخلائنا أو تثبيتنا في بيوتنا".

وأشار حماد إلى أن عائلته المكونة من 18 فردا تعيش الأن في المنزل وتخشى أن يتم تهجيرها منه.
وقال: "نحن 18 نفرا، أنا وابني وأولاده وأخي وابنه وبنته وأولادهم".
وأضاف حماد: "نحن نعاني منذ العام 1972، في حينه كنا صغارا ولكننا كنا واعين لما يحدث من قبلهم وضغوطهم علينا".
وأردف: "في أكثر من مرة حاولوا الضغط علينا لكي نرضخ، تم تقديم إغراءات مادية مقابل ترك البيت ولكنهم لم ينجحوا في محاولتهم، وحاولوا التضييق علينا بتقييد حركتنا ومعيشتنا ولم ينجحوا أيضا".


عرض  إسرائيلي  ب5 ملايين دولار لإخلاء منزله بالقدس

رفض عبد الفتاح اسكافي مغريات إسرائيلية عدة لترك منزله في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية، بما فيها عرضا بالحصول على 5 ملايين دولار ثمنا له.

وقال إسكافي   في منزله، إنه لن يخضع لمضايقات مستمرة على مدار الساعة من جانب مستوطنين إسرائيليين لإجباره على ترك المنزل.
واسكافي هو واحد من عشرات الفلسطينيين المهددين بالإخلاء من منازلهم في حي الشيخ جراح لمصلحة مستوطنين إسرائيليين.


وأقامت عائلة اسكافي، مع 27 عائلة فلسطينية أخرى، في حي الشيخ جراح عام 1956 بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ومنذ العام 1972، تخوض عائلة اسكافي وباقي العائلات صراعا مريرا بالمحاكم الإسرائيلية، في محاولة لنفي مزاعم جماعات استيطانية إسرائيلية ملكيتها للأرض المقامة عليها المنازل.
وقال اسكافي: "عائلتي مهجرة منذ عام 1948، كنا نسكن البقعة (على مشارف القدس الغربية) وجئنا إلى القدس الشرقية".
وأضاف: "أعيش حاليا في منزلي البالغة مساحته 130 مترا مربعا، مع عائلتي المكونة من 14 نفرا بمن فيهم أولادي وأحفادي".
وتابع اسكافي: "بيتنا في البقعة ما زال موجودا ويسكنه يهود، ولكن إذا ما ذهبتَ إلى هناك.. فسيجلبون لك الشرطة".
ولمنزل اسكافي فناء خلفي فيه بعض الأشجار المثمرة.
ولكن من أجل الوصول إلى المنزل عبر زقاق ضيق، فإنه يتعين المرور من جانب منازل استولى عليها مستوطنون خلال السنوات الماضية.

وعلى أبواب المنازل كلمات باللغة العبرية، فيما قام مستوطنون بإعداد حديقة صغيرة للعب أطفالهم.

واستولى المستوطنون على المنازل في العام 2008، بعد طرد أم كامل الكرد وعائلتها من منزلهم.
يخشى اسكافي، وأفراد العائلات الفلسطينية الأخرى في الحي، مصيرا مشابها مع إصرار جماعات استيطانية على وضع يدها على هذه المنازل.
وتقول جماعات المستوطنين إن الأرض المقامة عليها المنازل الفلسطينية في الحي كانت بملكية يهودية قبل العام 1948، ولذلك فهي تطالب بإخلاء العائلات من منازلها.
ويستند المستوطنون إلى قانون أقره الكنيست الإسرائيلي في العام 1970 يسمح لليهود بالمطالبة بأملاك يقولون إنها كانت بملكية يهودية قبل عام 1948.
غير أن القانون الإسرائيلي يمنع الفلسطينيين من المطالبة باسترداد أملاك لهم قبل عام 1948، حتى لو امتلكوا من الوثائق ما يثبت ملكيتهم لها.

وقال اسكافي: "في 1972، قام المستوطنون بتزوير ورقة وقاموا بتسجيل الأرض في دائرة أراضي إسرائيل، ولكننا متأكدين من أنها ورقة غير قانونية ومزورة، حتى أن الكاتب الإسرائيلي المسجل للأراضي في إسرائيل قال لهم إن أوراقهم غير مكتملة، ولكن في نهاية الأمر قام بتسجيلها لهم بشكل مبدئي".
وأضاف: "لا يوجد لديهم أي وثائق، وقد قدموا ورقة على أنها تركية، ولكن وجد طاقم المحامين المدافع عنا - بعد عملية بحث - أن لا أصل لهذه الورقة المزورة".
وتابع اسكافي: "لا يريدون فتح ملف الملكية لأنه سيكشف عملية التزوير التي قاموا بها".

غير أن نصيب العائلات الفلسطينية من قرارات المحاكم الإسرائيلية تفاوت حتى الآن بين رفض أوراق الملكية والإخلاء أو التأجيل من دون أفق في صالح هذه العائلات.
وقال اسكافي: "هناك ورقة تركية تنفي ملكية اليهود لهذه الأرض، ويوجد كوشان (وثيقة إثبات ملكية) باسم سليمان درويش حجازي يدل على أن هذه الأرض ملك لعائلة حجازي".
ولكنه استدرك أن المحاكم الإسرائيلية ترفض الوثائق التي قدمتها العائلات الفلسطينية.
وتترك قرارات الإخلاء، التي غالبا ما يتمكن محامون فلسطينيون من تأجيلها في محاولة لكسب الوقت، العائلات الفلسطينية في حالة من القلق المستمر.

وتابع: "القضية ليست قضية حجر، وإنما أيضا ترحيل من القدس، لأنه إذا لم أتمكن من العيش في القدس بسبب عدم وجود الإمكانات، فإنني وعائلتي المكونة من 14 نفرا سنلجأ إلى الضفة الغربية، وهذا ما يسعون إليه وهذه هي مخططاتهم، وهي: ترحيل السكان من القدس، وبالتالي سنصبح مهجرين من القدس إلى الضفة الغربية".
غير إن اسكافي استدرك: "حتى لو أخلونا من منازلنا، فإننا لن نرحل من القدس، وسنبقى هنا".