الخميس 6 تشرين الثاني 2025

تقارير وتحقيقات

ارتفاع نسبة البطالة يفاقم معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان


وكالة النهار الإخبارية/عبد معروف

لا تقتصر معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، على ما يتعرضون له من عذابات اللجوء، والمحاولات الجارية لتصفية حقوقهم الوطنية وإلغاء حق العودة إلى وطنهم فلسطين، بل وإلى جانب هذه الظروف القاسية، يعيش اللاجئ الفلسطيني في لبنان ظروف إنسانية صعبة ليس من السهل تحملها.
وحذرت تقارير أممية وحقوقية من ارتفاع معدلات البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، واعتبرت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هي الأكثر سوءا نتيجة الانهيار المعيشي العام الذي يتعرض له البلد، حيث يواجه آلاف العمال من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أوضاعاً معيشية مزرية، نتيجة انتشار البطالة بينهم، ما يجعلهم من الفئات الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية المتلاحقة في لبنان، وجعلت عددا كبيرا من الأسر الفلسطينية غير قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية، أضافة إلى تقصير وكالة «الأونروا» في القيام في مهامها وواجبتها كجهة مسؤولة عن تقديم الخدمات الإغاثية والخدماتية والصحية والتشغيلية ما جعلتهم عرضة للعوز والفقر الشديد.
وأثار ارتفاع نسب البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى أكثر من 80 في المئة، مخاوف المرجعيات والمنظمات الحقوقية الفلسطينية والأممية، التي أعربت عن قلقها من تداعيات هذه الحالة على حياة اللاجئين الفلسطينيين.
و كانت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان «شاهد» رصدت واقع اللاجئ الفلسطيني في ظل أزمة البطالة وتطورها خلال الفترة الأخيرة، وقد تطرقت إلى أسباب البطالة ومؤشراتها في المخيمات والتجمعات الفلسطينية ومدى ارتباطها بالأوضاع الحالية التي يعيشها لبنان.
واعتبرت المؤسسة في تقرير لها، اللجوء الفلسطيني في لبنان نموذجاً حياً لمعنى اللجوء القاسي، وأكدت على أن الظروف المأساوية التي يعيشها الفلسطينيون في مخيمات أقرب ما تكون لسجون كبيرة، حيث الاكتظاظ السكاني والبناء العشوائي والمنازل المتصدعة والبنى التحتية المهترئة، يضاف إلى ذلك أزمات تطال شتى مجالات الحياة من التعليم والصحة والبطالة.
وشددت المؤسسة الحقوقية التي تتخذ من بيروت مقرا لها، على أن البطالة تنتشر بشكل كبير بين عموم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وتصل إلى نسب قياسية تتراوح بين 80 و 85 في المئة من عموم السكان حيث إن وكالة «الأونروا» أعلنت وفق ما أجرته من مسح اجتماعي أن ثلثي اللاجئين تحت خط الفقر.
ولاحظت «شاهد» من خلال فريق البحث الميداني ان نسبة البطالة في ازدياد وأنها باتت واضحة بشكل كبير بين عموم اللاجئين وقد تجلى ذلك من خلال المظاهر الصباحية للمقاهي في المخيمات التي تكون مكتظة بالشباب.
وردت «شاهد» أسباب ارتفاع البطالة في أوساط اللاجئين:
أولاً: القوانين والقرارات اللبنانية التي تضع قيوداً قاسية على عمل الفلسطيني.
ثانياً: الأزمة الاقتصادية وصولاً لانهيار سعر صرف العملة المحلية أدت إلى مشاكل بنيوية في المجتمع اللبناني، بدأت بتدهور القيمة الشرائية للمواطن وإغلاق المئات من المؤسسات ذلك أن الاقتصاد اللبناني ريعي بشكل كبير ويفتقد إلى قطاع صناعي حقيقي ويعتمد على السياحة والخدمات ما يجعله أكثر عرضة للتأثر بالأزمات، كان اللاجئ الفلسطيني الحلقة الأضعف فيها حيث خسر آلاف اللاجئين أعمالهم وأغلقت الكثير من المصالح التجارية.
ثالثا: إن الكثير من اللاجئين يعمل بمهن موسمية لا تؤمن له الحد الأدنى من مقومات الحياة، بحيث تنتشر البطالة الموسمية والمقنعة، التي ضاعفت من نكباتهم وأفقدتهم الأمل في حياة كريمة، وجعلت بعضهم ضحايا مراكب الموت(الهجرة غير الشرعية) أو ضحايا عالم المخدرات القاتم، وبعض جمعيات المجتمع المدني تظهر أن نسب البطالة في ازدياد سريع، وأن جزءاً وافراً وكبيراً من هؤلاء هم جامعيون أو حاصلون على شهادات مهنية وجلهم في عمر الشباب.
ولوحظ انتشار دكاكين الإكسبرس لبيع القهوة والشاي وغيرها من المشروبات الباردة والساخنة في الشوارع والساحات العامة كوسيلة للكسب (مثلا مخيم برج الشمالي الذي لا تتعدى مساحته 140 دونماً يحتوي على أكثر من 60 دكان إكسبرس) ففي ظل غياب فرص عمل حقيقية لجأ عشرات الشباب الفلسطينيين إلى هذه الفكرة التي شكلت مصدر دخل بسيط لا يتعدى كونه بطالة مبطنة. وبرزت آثار اجتماعية لارتفاع نسب البطالة في صفوف مجتمع لاجئي فلسطين، وتشمل الضيق المالي الشديد والفقر والديون والتشرد وضغوط السكن والتفكك الأسري وتآكل الثقة بالنفس واحترام الذات، كما وتؤدي إلى تفكك المجتمع وانحلاله وتدهوره من خلال زيادة السلوك الإجرامي في المجتمع وتأخر سن الزواج بالنسبة للشباب وما ينتج عنه من تأثير على فئات المجتمع العمرية.
وأيضا ارتفاع موجة الهجرة غير الشرعية، حيث يضطر الكثير من الشباب للسفر وبطرق غير مشروعة للبحث عن عمل خارج البلاد، ما يجعلهم ضحايا مراكب الموت.
أزمة البطالة وتفاقمها في الآونة الأخيرة ووصولها إلى نسب غير مسبوقة في حياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تحتاج إلى جهد جماعي وعمل دؤوب منهجي وخطط طويلة الأمد وتعاون كل المعنيين من السلطات المحلية و«الأونروا» ومنظمة التحرير الفلسطينية. وإن لم تتمكن القوى والمنظمات والجهات الفلسطينية والدولية المعنية، إيجاد فرص عمل في السنوات المقبلة وإيجاد الحلول المناسبة من أجل تخفيف معدلات البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين، فإن الوضع يتجه إلى كارثة إنسانية ليس من السهل تصور شكلها داخل مخيمات اللاجئين، وستكون عرضة لكل النتائج الكارثية المرتبطة بالبطالة من انتشار الجريمة والهجرة.