وكالة النهار الاخبارية/ خاص
نهلة صالح
تواجه الضفة الغربية أزمة مالية حادة نتيجة احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة، وتراجع المساعدات الدولية، وتداعيات حرب غزة الأخيرة، ما أدى إلى تأخر صرف الرواتب للموظفين، وهو ما أثر بشكل مباشر على مختلف القطاعات، وأبرزها التعليم والصحة.
يعاني قطاع التعليم في الضفة الغربية بشكل كبير بسبب الأوضاع المالية الحالية. فقد تقدم اتحاد المعلمين بالضغط على السلطة الفلسطينية، وكانت النتيجة أن أصبح الدوام ثلاثة أيام حضورًا وجاهيًا فقط. ومع تطبيق بعض المدارس لنظام التعليم عن بُعد، إلا أن هذا الأسلوب لم يكن كافيًا لضمان استمرارية العملية التعليمية بشكل كامل.
الطلاب هم الأكثر تضررًا، إذ يواجهون فجوات كبيرة في تحصيلهم الدراسي نتيجة ضعف التعليم وقلة الدوام، إضافة إلى تبعات جائحة كورونا خلال السنوات الخمس الماضية والأزمة المالية الحالية.
كما يعاني المعلمون من الضغوط النفسية والاجتماعية الناتجة عن الوضع الحالي، ويجدون صعوبة في تقديم مستوى تعليمي جيد، بينما الأجيال المتعلمة خلال السنوات الماضية لم تحصل على تعليم كافٍ، ما يزيد من العبء عليهم ويجعل العملية التعليمية أكثر تحديًا.
كل هذه العوامل أدت إلى تراجع واضح في مستوى التعليم، وبهذا تحققت مآرب الاحتلال في خلق جيل جاهل يفتقر للوعي والمعرفة، وهو ما يشكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل المجتمع الفلسطيني.
أما القطاع الصحي، فهو الأكثر تأثرًا، حيث يعمل الأطباء والممرضون في ظروف صعبة ويواجهون ضغوطًا كبيرة نتيجة تأخر الرواتب وقلة الموارد، ما يهدد جودة الرعاية الصحية وحياة المرضى. لقد واجهت شخصيًا صعوبة كبيرة عند زيارة عيادات الصحة فرع المخفية في نابلس، حيث كانت جميع الأقسام مغلقة، ولم يعمل سوى المختبر، رغم أننا ندفع التأمين الصحي طوال العام. لإتمام أي إجراء طبي، يجب زيارة العيادات ثلاثة أيام على الأقل: للتسجيل، للفحوصات، واستلام النتائج. في وضعي، لم يكن الأمر طارئًا، لكن ماذا عن حالات الطوارئ، كبار السن، ومرضى الأمراض المزمنة؟! إضافة لذلك، كان تعامُل الموظفة غير لائق، فقد طرحت السلام ثلاث مرات ولم أتلقَ ردًا إلا في المرة الثالثة، وكانت الساعة ٧:٣٠ صباحًا.
في الوضع الطبيعي، يتمتع المعلم بحياة وظيفية مستقرة ومريحة نسبيًا مقارنة بغيره من الموظفين، فهو يعمل حتى الساعة الثانية ظهرًا، ويحصل على عطلة صيفية مدفوعة الأجر ويتلقى حقوقه كاملة. كما أن معظم المعلمين يداومون في مدارس قريبة من أحيائهم، مما يوفر عليهم وقت التنقل وجهد السفر، بينما يعاني الموظف العادي من ساعات عمل أطول وضغوط أكبر، وغالبًا ما يضطر للسفر لمسافات طويلة. ومع الأزمة الحالية، أرى أن قطاع الصحة يجب أن يُعطى الأولوية في صرف الرواتب كاملة، لأن الأطباء والممرضين يتعاملون مع المرضى يوميًا في ظروف صعبة ومرهقة جسديًا ونفسيًا، واستقرارهم المالي هو شرط أساسي لضمان تقديم الرعاية الصحية بشكل فعّال. وفي الوقت نفسه، يجب على المعلمين الاستمرار في أداء رسالتهم التربوية والتضحيات اللازمة للحفاظ على استمرارية التعليم، خصوصًا مع تسهيل الدوام عن بُعد، لضمان مستقبل الأجيال الفلسطينية.
أزمة الرواتب في الضفة الغربية تؤثر على التعليم والصحة معًا وتهدد استقرار المجتمع الفلسطيني. لذلك، من الضروري دعم المعلّم والطبيب والممرض وضمان صرف الرواتب بشكل عادل ومنتظم، للحفاظ على جودة التعليم والخدمات الصحية، ولحماية وعي وصمود الشعب الفلسطيني.