الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

نقلاب في الغابون بعد النيجر وقائمة لا تنتهي من الدول الإفريقية..

النهار الاخبارية - وكالات 

في مشهد أصبح معتاداً بالقارة السمراء ويتكرر من حين لآخر، ظهرت مجموعة من كبار قادة الجيش في دولة الغابون على شاشة التلفزيون في الساعات الأولى من صباح يوم الأربعاء 30 آب/أغسطس 2023، وأعلنوا الاستيلاء على السلطة بعد وقت قصير من إعلان لجنة الانتخابات فوز الرئيس علي بونغو بولاية ثالثة.

قال الضباط، الذين ظهروا على شاشة قناة "غابون 24" التلفزيونية، إنهم يمثلون جميع قوات الأمن والدفاع في الدولة الواقعة في وسط إفريقيا. وأعلنوا إلغاء نتائج الانتخابات وإغلاق جميع الحدود حتى إشعار آخر، إلى جانب حل مؤسسات الدولة.

قبل هذا الحدث بنحو شهر فقط، وقع انقلاب عسكري في النيجر؛ حيث احتجز الحرس الرئاسي في البلاد الرئيس المخلوع محمد بازوم في 26 يوليو/تموز 2023 وأعلن قائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني نفسه قائداً للمجلس العسكري الجديد؛ حيث يُعد هذا خامس انقلاب عسكري منذ حصول البلاد على استقلالها عام 1960، والأول منذ عام 2010.

ويعد الانقلاب في الغابون الثامن في غرب ووسط إفريقيا منذ العام 2020. وأدت انقلابات في مالي وغينيا والسودان وبوركينا فاسو وتشاد والنيجر والغابون، إلى تقويض التقدم الديمقراطي في المنطقة في السنوات القليلة الماضية. 

لماذا لا تنتهي الانقلابات العسكرية في إفريقيا؟
إذا ذُكرت الانقلابات، ذُكرت إفريقيا، فالقارة شهدت أكثر من 215 انقلاباً منذ ستينات القرن الماضي، أحدثها في النيجر والغابون، وحتى تتضح الصورة أكثر، شهد العالم أجمع، منذ عام 1950، 488 انقلاباً، سواء كان ناجحاً أو فاشلاً، كان نصيب القارة السمراء وحدها ما يقرب من النصفح إذ شهدت 216 انقلاباً أو محاولة انقلاب.

وعلى الرغم من أن قارة أمريكا اللاتينية هي الأخرى شهدت عدداً كبيراً من الانقلابات العسكرية بلغ 146 انقلاباً، إلا أن الظاهرة تراجعت ويمكن القول إنها اختفت تقريباً منذ عقود، عكس ما يحدث في القارة السمراء.

يقول الباحث الأمريكي جوناثان باول، الذي أعد مع زميله كلايتون ثين، دراسة بالأرقام بشأن الانقلابات العسكرية حول العالم، وثَّقا من خلالها بعضاً من أبرز أسباب الانقلابات حول العالم، إن الانقلابات العسكرية مرتبطة بشكل متزايد بالفقر، وما تشهده قارة إفريقيا من عودة لافتة لتلك الانقلابات يؤكد هذا الارتباط. 

تلك الدراسة، التي نُشرت نتائجها في فبراير/شباط 2022 من خلال موقع VOA (فويس أوف أمريكا)، ألقت الضوء على كيف أن العالم، في أغلب مناطقه، قد تجاوز مرحلة الانقلابات العسكرية إلى حد كبير واتخذ مساراً ديمقراطياً، وإن كان بدرجات متفاوتة وأنماط تنفيذ متنوعة، باستثناء القارة السمراء.

وكانت جميع مناطق العالم قد شهدت انقلابات عسكرية، حتى أوروبا شهدت 17 انقلاباً، منها 8 انقلابات ناجحة، إلا أن القرن الحادي والعشرين شهد انحساراً لافتاً لظاهرة الانقلابات في جميع قارات الدنيا باستثناء قارة إفريقيا، وجاء عام 2021 ليشهد عودة "غريبة" لتلك الظاهرة؛ إذ شهدت القارة 4 انقلابات عسكرية في غينيا والسودان ومالي وتشاد، ثم انقلاب بوركينا فاسو يناير/كانون الثاني 2022، ثم جاء انقلاب النيجر ومن بعده الغابون في صيف 2023، ليؤكد على أن زمن الانقلابات لا يزال أمراً واقعاً في القارة السمراء، عكس باقي مناطق العالم.

45 دولة إفريقية من أصل 54 وقع بها انقلاب عسكري
ويرى بعض المراقبين أن الفقر والظروف الاقتصادية الصعبة ونقص البرامج التنموية الحقيقية أحد الأسباب وراء تفشي ظاهرة الانقلابات في القارة، ومن هؤلاء سولومون دريسو، مؤسس ومدير "أماني إفريقيا"، وهو معهد بحثي مقره أديس أبابا يبحث في شؤون القارة ومرتبط بالاتحاد الإفريقي.

يرى دريسو، بحسب موقع UNdispatch، أنه منذ تأسيس الاتحاد الإفريقي عام 2002 تراجع عدد الانقلابات العسكرية في القارة بشكل لافت، مرجعاً أسباب عودة ظاهرة الانقلابات في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين بصورة كبيرة إلى تفشي جائحة كورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية، التي رفعت من نسب الفقر والعوز في إفريقيا، خاصة في منطقة الصحراء الكبرى، حيث وقعت الانقلابات الأخيرة.

ومن بين دول القارة الـ54، شهدت 45 دولة إفريقية انقلاباً عسكرياً واحداً على الأقل منذ عام 1950 حتى الآن، وشهدت 36 دولة منها انقلابات ناجحة، أي نجاح من نفذوا الانقلاب في البقاء في السلطة لمدة 7 أيام على الأقل، وهو ما يعني أن ثلثي دول إفريقيا شهدت استيلاء العسكر على السلطة، على الأقل مرة واحدة خلال تلك الفترة.

ويأتي السودان على رأس قائمة الدول الإفريقية التي شهدت أكبر عدد من الانقلابات؛ حيث شهد 17 محاولة انقلابية، 8 منها كانت ناجحة، وآخرها انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وحليفه وقتها محمد حمدان دقلو قائد ميليشيات الدعم السريع، قبل أن يختلفا معاً ويتحول صراعهما على السلطة إلى حرب أهلية مدمرة اندلعت 15 أبريل/نيسان الماضي، ولا تزال رحاها مشتعلة تأتي على الأخضر واليابس.

عدوى الانقلابات العسكرية في إفريقيا لا تتوقف
في معظم الدول التي ذكرها يتكرر المشهد التالي على شكل عدوى، حيث يظهر ضباط عسكريون في التلفزيون الرسمي، يقرأون من بيان ويعلنون بهدوء السيطرة على الدولة، وفي شوارع العاصمة تحتفل الجماهير بالتهليل، بينما يُدان الانقلاب العسكري خارج بلادهم.

واللافت هنا، أن معظم قادة الانقلاب تتراوح أعمارهم بين 38 و41 عاماً، ومعظمهم من وحدات القوات الخاصة، على السلطة من القادة المسنين المنتخبين ديمقراطياً. وفي حين أنَّ السياق الدقيق يختلف من بلد لآخر، يتسلط الضوء على العديد من العوامل الأساسية والتحديات الرئيسية التي تواجه بعض البلدان في المنطقة، كما يقول تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.

فإذا سلطنا الضوء على منطقة الساحل الإفريقي، سنجد أن الصراع مع الجماعات الإرهابية والمسلحة الذي بدأ هناك منذ أكثر من عقد من الزمان، ترك ملايين الأشخاص عُرضة لهجمات لا هوادة فيها، وتسبَّب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. 

واستغل الجهاديون إخفاقات الحكومات في معالجة الفساد وتوفير حوكمة شاملة في البلدان منخفضة الدخل والمتنوعة عرقياً. وقد زاد تأثير أزمة المناخ من انعدام الأمن في منطقة تعتمد على الزراعة. ومن العوامل الأخرى قلة الفرص للشباب الذين يتزايد عددهم بسرعة وانتشار الأسلحة.

واستشهد قادة الانقلاب في بوركينا فاسو ومالي وغيرهما من دول المنطقة بتزايد انعدام الأمن. وفي غينيا انتقد الجيش الفساد السياسي في أعقاب الانتخابات المتنازع عليها، وكذلك الغابون اليوم.

"فشل الدولة" سمة بارزة في غرب إفريقيا
وفي غرب إفريقيا، أرغمت الانقلابات الناس على التفكير فيما إذا كانت الديمقراطية قد أسفرت عن فوائد ملموسة، كما تقول "عيادات حسن"، مديرة مركز الديمقراطية والتنمية في العاصمة النيجيرية.

وأضافت لصحيفة الغارديان أن "سكان غرب إفريقيا صاروا جمهوريين تماماً؛ إذ يوفرون لأنفسهم الطعام والكهرباء والبنية التحتية. ولا يتوقعون إلا القليل من الدولة، ومع ذلك ما زالت تفشل في تلبية تلك التوقعات. إنهم لا يستطيعون رؤية ما أتت به الديمقراطية؛ لذلك تأتي الجيوش الانتهازية التي ترى هذا الفراغ في الحكم وتحاول ملأه".

وهناك أيضاً إحباط شعبي من أنَّ المجتمع الدولي لدى شعوب هذه الدول، غالباً ما يدق ناقوس الخطر عند حدوث الانقلابات، لكن ليس عندما تتعرض الديمقراطيات للتقويض المستمر.

وأشارت عيادات إلى "التركيز على أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، لكن لا يوجد تركيز كافٍ على الطريقة التي تتعرض بها الديمقراطيات للتقويض… الإيكواس والاتحاد الإفريقي يواصلان مراقبة الانتخابات دون أي شكل من أشكال منع ما حدث مع ألفا كوندي والحسن واتارا"، في إشارة إلى التغييرات الدستورية المثيرة للجدل في غينيا وساحل العاج، للسماح لقادة تلك الدول بتولي السلطة لفترة ثالثة. وفاز كلاهما في استفتاءات رفضتها جماعات المعارضة ووصفتها بأنها احتيالية. وقالت: "كان ذلك انقلاباً دستورياً".

الاستعمار وصراع القوى الكبرى على الثروات سبب رئيسي لعدم الاستقرار السياسي
على الرغم من أن حقبة الاستعمار الغربي المباشر للقارة السمراء قد انتهت منذ أكثر من 70 عاماً، إلا أن كثيراً من المراقبين يرون أن ما زرعه ذلك الاستعمار في إفريقيا لا يزال "ينمو" ويترعرع بصورة تتسبب، في جزء ليس باليسير، في استمرار الانقلابات العسكرية.

فدولة مثل فرنسا، على سبيل المثال، استبدلت الاستعمار المباشر لدول غرب القارة باتفاقيات تضمن لباريس استمرار تسيير شؤون تلك الدول بما يخدم مصالحها دون أن تضطر لسداد فاتورة استمرار الاحتلال العسكري المباشر، وهي فاتورة باهظة بشرياً واقتصادياً وأخلاقياً أمام العالم.

وبالتالي فالمستعمرات السابقة تصبح بالضرورة مناطق نفوذ حالية، ومع اشتداد حالات صراع القوى الكبرى ينتقل ذلك الصراع إلى مناطق النفوذ، وهذا ما يحدث في إفريقيا خلال العقد الماضي تقريباً، في ظل سعي روسيا إلى القضاء على النفوذ الفرنسي وتمدد الصين من خلال مبادرة الحزام والطريق، ومؤخراً سعي الولايات المتحدة تحت إدارة جو بايدن لاستعادة تأثيرها المفقود في القارة السمراء.

إذ يظل الاقتصاد والموارد الطبيعية التي تتمتع بها الدول الإفريقية مربط الفرس ولب الصراع الذي لا يتوقف بين الدول الكبرى للاستفادة من تلك الثروات، بحسب غالبية المراقبين والمحللين. وعلى سبيل المثال، كان الموقف الفرنسي من انقلاب غينيا عام 2021 معبراً عن ذلك الصراع بصورة فجة.

فعندما أطاح انقلاب عسكري بالرئيس الغيني كوندي، كان الموقف الفرنسي مرتبطاً بأسباب اقتصادية غير تلك السياسية المعلنة، فالرجل فضل صداقة الصين على فرنسا، وكان يعتزم تسليم بكين رخصة استغلال أحد أكبر مناجم الحديد في العالم، بعد تنازل ملياردير فرنسي-إسرائيلي عن حقوقه فيه إثر فضيحة فساد.

نعم، أصدرت فرنسا بياناً يُندد بالانقلاب العسكري في غينيا، لكن باريس لم تفرض عقوبات أو توقف التعاون العسكري والاقتصادي مع كوناكري؛ ما أثار التساؤلات حول مدى تواطؤ فرنسا للإطاحة بصديق الصين.

وكانت غينيا، إحدى المستعمرات الفرنسية السابقة في إفريقيا، قد شهدت انقلاباً عسكرياً السبت 5 سبتمبر/أيلول 2021، قام به العقيد مامادي دومبويا قائد القوات الخاصة، الذي بث بنفسه بيان الانقلاب عبر الإذاعة والتلفزيون الحكومي، ليعلن اعتقال الرئيس ألفا كوندي وحلّ المؤسسات وتعطيل الدستور.

وتكرار الانقلابات العسكرية في هذه الدول التي كانت مستعمرة من قبل فرنسا، يثير تساؤلات عميقة حول ما يحدث في تلك الدول وأسبابه وتداعياته، وسط أحاديث عن صراعات بين الدول الكبرى للاستيلاء على الثروات الطبيعية الهائلة في تلك الدول.

فغينيا بلد غني بالموارد الطبيعية، تتصارع عليه دول كبرى، رغم أن عدد سكانه لا يتجاوز 14 مليون نسمة، 85% منهم مسلمون، وناتجه المحلي لا يتجاوز 12.6 مليار دولار (صندوق النقد الدولي 2019). لكن موقعه استراتيجي؛ حيث يطل على المحيط الأطلسي، ومحاذٍ لمنطقة الساحل الإفريقي الملتهبة أمنياً من جهة جنوب مالي، كما لا يفصله عن موريتانيا من الجانب الأطلسي سوى غينيا بيساو والسنغال وغامبيا.

ولا تملك غينيا ثاني أكبر احتياطي من البوكسيت في العالم الذي يستخرج منه الألومنيوم وحسب، بل لديها منجم سيماندو، أحد أكبر مناجم الحديد عالمياً، وتبلغ احتياطاته 2.4 مليار طن ولا يتفوق عليه إفريقياً سوى منجم غار جبيلات بالجزائر (3.5 مليارات طن).