النهار الاخباريه. قسم الدراسات
أثار الاستيلاء السريع لحركة "طالبان" على أفغانستان مخاوف من أن تصبح البلاد مرة أخرى ملاذاً آمناً للمسلحين الإسلاميين العازمين على ارتكاب أعمال إرهابية دولية. وبالنظر إلى تاريخ "طالبان" في إيواء مثل تلك الجماعات المتطرفة، فثمة ما يبرر تلك المخاوف. في المقابل، تتنافس حركتان على النفوذ في البلاد، هما "القاعدة" و"الدولة الإسلامية" (المعروف أيضاً باسم داعش)، وتواجهان عقبات شديدة في سعيهما إلى استخدام أفغانستان منصة في تعزيز قوتيهما وشن موجة جديدة من الهجمات الإرهابية.
إذ تنقسم الجماعتان أنفسهما بشدة حول الدور الذي ستؤديه أفغانستان تحت حكم "طالبان" في المشهد الجهادي العالمي. بالنسبة إلى "القاعدة"، يُعتبر انتصار "طالبان" إنجازاً ملحمياً، بالأحرى تحقيقاً لوعد الله بنصر المؤمنين على الكفار. وبالنسبة إلى "داعش" لا يعتبر ذلك انتصاراً على الإطلاق، بل دليل إضافي على استعداد "طالبان" للتعاون مع الأميركيين.
خلافة مقبلة أم حليف أميركي؟
منذ صعود تنظيم "داعش" في 2013 وإعلانه تأسيس "دولة الخلافة" في السنة التالية ضمن الأراضي التي سيطر عليها في العراق وسوريا، سعت "القاعدة" إلى تقديم نفسها بوصفها التنظيم الأكثر اعتدالاً وواقعية بين المجموعتين. إذ إنها أكثر تحفظاً في تكفير المسلمين الآخرين، وأشد اهتماماً بمناشدة الرأي العام في العالم الإسلامي. وكذلك عملت "القاعدة" على تعميق علاقاتها الوثيقة بالفعل مع "طالبان". وتعود العلاقة بين المجموعتين إلى بداية حكم "طالبان" في 1996، حينما رحبت "طالبان" بزعيم "القاعدة" أسامة بن لادن للبقاء في أفغانستان تحت حمايتها. في 2001، قبل هجمات 11/9، أقسم بن لادن علناً الولاء أو البيعة، لزعيم "طالبان" آنذاك الملا عمر، وحثَّ جميع أعضاء "القاعدة" في البلاد على فعل الشيء نفسه.
تحت قيادة خليفة بن لادن، أيمن الظواهري، أكدت "القاعدة" بشكل متزايد ولاءها لـ"طالبان". ففي دعاية "القاعدة"، تُقدّم "إمارة أفغانستان الإسلامية"، وهو الاسم الرسمي الذي أطلقته "طالبان" على تلك البلاد أثناء حكمها لها، بوصفها مقر الخلافة المنتظرة. وكذلك تقدّم زعيم "طالبان" تحت لقب "أمير المؤمنين"، وذلك لقب تسمّى به تقليدياً الخلفاء، بوصفه شخصية تشبه الخليفة. جاء ذلك التطور رداً على إعلان "داعش" تأسيس الخلافة في يونيو (حزيران) 2014، وقد تضمن مرسوماً يفيد بأن جميع الجماعات الجهادية الأخرى، بما في ذلك "القاعدة"، لم تعد شرعية. وجاء رد "القاعدة" على ذلك عبر إضفاء معنى جديد على علاقتها مع "طالبان"، ما يوحي بأن شبكة "القاعدة" مترابطة بخيط قوامه نوع من الخلافة، تحت رعاية "إمارة أفغانستان الإسلامية".
وبالتالي، تمثّلت إحدى الطرق التي اعتمدتها "القاعدة" كي تُنفّذ ذلك جزئياً، في إعادة التركيز على بيعاتها حاكم "طالبان". فمثلاً، في رسالة إخبارية أصدرتها عام 2014 أعلنت "القاعدة" عن "تجديد البيعة لأمير المؤمنين الملا محمد عمر (حفظه الله)"، مؤكدة "أن القاعدة وفروعها في كل مكان جنود في جيشه". في غضون ذلك، أعاد الظواهري علناً التعبير باسم شبكة "القاعدة" بأكملها عن البيعة للزعيمين التاليين من "طالبان"، الملا أختر محمد منصور في 2015، والملا هيبة الله أخوند زاده في 2016. وفي كل رسالة، وصف الظواهري "إمارة أفغانستان الإسلامية" بأنها "أول إمارة شرعية" منذ سقوط الخلافة العثمانية عام 1924.
على نحو مماثل، صورت جماعات "القاعدة" زعيم "طالبان" باعتباره سلطتها العليا. فمثلاً، في مارس 2017، حينما أعلن المتمرد المالي إياد أغ غالي تشكيل فرع جديد يتبع "القاعدة" في غرب أفريقيا، أعلن ولاءه ليس للظواهري وحده، بل أيضاً لأخوند زاده.
واستطراداً، يتعارض كل ذلك مع نص اتفاق فبراير 2020 بين الولايات المتحدة و"طالبان"، الذي وعدت فيه "طالبان" بالتوقف عن دعم "القاعدة" والدخول في محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية. وعلى الرغم من أن "طالبان" لم توافق على "قطع العلاقات" مع "القاعدة"، بحسب ما يروج أحياناً، فإنها تعهدت بعدم "إيواء" أو دعم "القاعدة" والجماعات المماثلة. وكذلك وعدت بعدم السماح باستخدام أفغانستان "في تهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها".
ومع ذلك، لا يبدو أن القيادة العليا في "القاعدة" قد شعرت بالإهانة من الاتفاق. ففي مارس (آذار) 2020، أصدرت الجماعة بياناً هنأت فيه "طالبان" على الانسحاب الأميركي الموعود. وأشاد بيان "القاعدة" بـ"اتفاق الدوحة" الذي وُقّع بوساطة قطرية، ووصفه بأنه "نصر تاريخي عظيم،" ودعا المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى الاقتداء بـ"طالبان" في التزامها الجهاد. وكذلك صوّر البيان "إمارة أفغانستان الإسلامية" على أنها "نواة الدولة الإسلامية"، أي الخلافة، "التي ستحكم بشريعة الله الطاهرة".
في سياق متصل، فيما عزّزت "القاعدة" علاقتها مع "طالبان"، عمد تنظيم "داعش" إلى اتهام "طالبان" بالضلال. ففي نظر "داعش"، أضحى انحراف "طالبان" عن النقاء الديني صارخاً، خصوصاً بعد وفاة الملا عمر في 2013، حين أهملت "طالبان" تطبيق الشريعة الإسلامية وازداد ميلها القومي وتسامحها مع الأقلية الشيعية في أفغانستان، وسعت إلى علاقات مع الدول الكافرة، بما في ذلك دولة قطر "المرتدة". ويلوم تنظيم "داعش" حركة "طالبان" أيضاً على رفضها الاعتراف بدولة الخلافة التي أعلنت عن تأسيسها، ومقاومة جهودها عام 2015 في إنشاء "ولاية" ضمن ما يسمى "أرض خراسان"، وهي منطقة تاريخية تضم تقريباً كامل تراب أفغانستان الحالية. ولقد دخلت "طالبان" وما يسمى "ولاية خراسان" التابعة لـ"داعش" في حالة حرب منذ ذلك الحين، وفي بعض الحالات قدمت الولايات المتحدة دعماً جوياً فاعلاً لـ"طالبان".
بعد إعلان اتفاق 2020 بين واشنطن و"طالبان"، اعتبر تنظيم "الدولة الإسلامية" الاتفاق دليلاً آخر على انحراف "طالبان". وأدانت المجلة الإخبارية الرسمية التي يُصدرها تنظيم "داعش" حركة "طالبان"، بسبب اتخاذها الأميركيين "حلفاء جدداً". وكذلك أشار المتحدث باسم ذلك التنظيم إلى أن الاتفاق جعل رسمياً أمراً كان واضحاً بالفعل، يتمثّل في أن الولايات المتحدة و"طالبان" يتآمران معاً ضد "داعش". وبحسب رأيه، شكّلت الصفقة "غطاء للتحالف الدائم بين ميليشيا طالبان المرتدة والصليبيين".
على نحو مماثل، صورت جماعات "القاعدة" زعيم "طالبان" باعتباره سلطتها العليا. فمثلاً، في مارس 2017، حينما أعلن المتمرد المالي إياد أغ غالي تشكيل فرع جديد يتبع "القاعدة" في غرب أفريقيا، أعلن ولاءه ليس للظواهري وحده، بل أيضاً لأخوند زاده.
واستطراداً، يتعارض كل ذلك مع نص اتفاق فبراير 2020 بين الولايات المتحدة و"طالبان"، الذي وعدت فيه "طالبان" بالتوقف عن دعم "القاعدة" والدخول في محادثات سلام مع الحكومة الأفغانية. وعلى الرغم من أن "طالبان" لم توافق على "قطع العلاقات" مع "القاعدة"، بحسب ما يروج أحياناً، فإنها تعهدت بعدم "إيواء" أو دعم "القاعدة" والجماعات المماثلة. وكذلك وعدت بعدم السماح باستخدام أفغانستان "في تهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها".
ومع ذلك، لا يبدو أن القيادة العليا في "القاعدة" قد شعرت بالإهانة من الاتفاق. ففي مارس (آذار) 2020، أصدرت الجماعة بياناً هنأت فيه "طالبان" على الانسحاب الأميركي الموعود. وأشاد بيان "القاعدة" بـ"اتفاق الدوحة" الذي وُقّع بوساطة قطرية، ووصفه بأنه "نصر تاريخي عظيم،" ودعا المسلمين في جميع أنحاء العالم إلى الاقتداء بـ"طالبان" في التزامها الجهاد. وكذلك صوّر البيان "إمارة أفغانستان الإسلامية" على أنها "نواة الدولة الإسلامية"، أي الخلافة، "التي ستحكم بشريعة الله الطاهرة".
في سياق متصل، فيما عزّزت "القاعدة" علاقتها مع "طالبان"، عمد تنظيم "داعش" إلى اتهام "طالبان" بالضلال. ففي نظر "داعش"، أضحى انحراف "طالبان" عن النقاء الديني صارخاً، خصوصاً بعد وفاة الملا عمر في 2013، حين أهملت "طالبان" تطبيق الشريعة الإسلامية وازداد ميلها القومي وتسامحها مع الأقلية الشيعية في أفغانستان، وسعت إلى علاقات مع الدول الكافرة، بما في ذلك دولة قطر "المرتدة". ويلوم تنظيم "داعش" حركة "طالبان" أيضاً على رفضها الاعتراف بدولة الخلافة التي أعلنت عن تأسيسها، ومقاومة جهودها عام 2015 في إنشاء "ولاية" ضمن ما يسمى "أرض خراسان"، وهي منطقة تاريخية تضم تقريباً كامل تراب أفغانستان الحالية. ولقد دخلت "طالبان" وما يسمى "ولاية خراسان" التابعة لـ"داعش" في حالة حرب منذ ذلك الحين، وفي بعض الحالات قدمت الولايات المتحدة دعماً جوياً فاعلاً لـ"طالبان".
بعد إعلان اتفاق 2020 بين واشنطن و"طالبان"، اعتبر تنظيم "الدولة الإسلامية" الاتفاق دليلاً آخر على انحراف "طالبان". وأدانت المجلة الإخبارية الرسمية التي يُصدرها تنظيم "داعش" حركة "طالبان"، بسبب اتخاذها الأميركيين "حلفاء جدداً". وكذلك أشار المتحدث باسم ذلك التنظيم إلى أن الاتفاق جعل رسمياً أمراً كان واضحاً بالفعل، يتمثّل في أن الولايات المتحدة و"طالبان" يتآمران معاً ضد "داعش". وبحسب رأيه، شكّلت الصفقة "غطاء للتحالف الدائم بين ميليشيا طالبان المرتدة والصليبيين
ثمة مشكلة أخرى تتمثل في عدم تحكم وسيطرة قادة التنظيم على الجماعات المنتسبة إليه، ما يجعل "القاعدة" اليوم تعمل كشبكة لا مركزية إلى حد كبير، إذ لا تخضع فروعها المحلية، من شمال أفريقيا إلى جنوب آسيا، لسيطرة مباشرة من طرف القيادة العليا. ويرى بعض المحللين أن استقلالية تلك الفروع تشكل مصدر قوة بالنسبة إلى التنظيم، لكن في غياب قيادة مركزية قوية ستكون شبكة "القاعدة" معرضة لخطر الانقسام وحتى التفكك التام. ففي 2013، فشل الظواهري في ممارسة ما يكفي من السلطة كي يمنع فرعه العراقي، المتمثل في "دولة العراق الإسلامية"، من الانشقاق وتشكيل "داعش". وعلى نحو مماثل، فشل في منع فرعه السوري، المتمثل في "جبهة النصرة"، من الانشقاق في 2016.
ضمن ملمح متصل، يوجد في صلب المشكلة التي تواجهها "القاعدة"، ذلك التباين الاستراتيجي بين قيادتها الأساسية وفروعها. وعلى الرغم من استمرار القيادة في التزامها، من ناحية الخطاب في الأقل، بإعطاء الأولوية للقتال ضد "العدو البعيد" المتمثل في الولايات المتحدة وحلفائها، فإن أهداف وغايات فروع ذلك التنظيم تكون محلية في المقام الأول، إذ إنها [الفروع] لا تبذل معظم جهدها في تخطيط هجمات إرهابية ضد الغرب.
ومن المفارقة أن عدوة "طالبان"، أي "ولاية خراسان" التابعة لـ"داعش" يمكنها أن تستفيد أكثر من حكم "طالبان". إذ قد يكون تنظيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان في حالة انهيار واضمحلال، ذلك أنه عانى خسائر فادحة ولم يعد يسيطر على الأراضي، لكنه يملك استراتيجية محددة للاستفادة من الواقع الجديد. وكذلك يستطيع أن يصور نفسه على أنه البديل الجهادي المتشدد بالمقارنة مع "طالبان"، ويؤكد الاعتدال المزعوم في حركة "طالبان" وميلها إلى التسوية. من خلال مهاجمة الولايات المتحدة في مطار كابول في أواخر أغسطس، لم يكن "داعش" يحاول قتل الأميركيين فحسب، بل سعى إلى أن يُظهر لأنصار "طالبان" الأكثر تشدداً أن مجموعتهم قد تراجعت. وفي إحدى الرسائل، ذكر "داعش" أن "طالبان" تحمي "الصليبيين وجواسيسهم" في مطار كابول.
من ناحية أخرى، سيستفيد تنظيم "داعش" من خروج الولايات المتحدة من أفغانستان، لأن القوة الجوية الأميركية لعبت دوراً أساسياً في عكس مكاسب التنظيم هناك. من المؤكد أن مؤيديه عبر الإنترنت يرون الأمر بتلك الطريقة. فقد تباهى أحد المدافعين البارزين على الإنترنت مشيراً إلى أن "جنود (الخلافة في خراسان) في حالة جيدة. والآن، لم يعد هنالك جيش أفغاني، إذ هُزمت المؤسسة العسكرية الوثنية وهرب معظم الجنود والقادة من أفغانستان، ولم تعد هناك قواعد أميركية تنطلق منها الطائرات كي تساعدهم، ولا قوات خاصة كي تشن غارات ضد المجاهدين. لم يبق سوى طالبان المرتدة في المسرح كي تواجه مصيرها الحتمي، فإما رصاصة خارقة في الرأس وإما سكين حاد في الرقبة".
وعلى الرغم من أن "داعش" سيستفيد على الأرجح من تراجع الضغط العسكري عليه في أفغانستان، فإن الجماعة تتمتع بجاذبية محدودة في البلاد. ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتباطها بالسلفية، وذلك مذهب أصولي في الإسلام السني لكنه يعتبر أقلية في أفغانستان، حيث يسود المذهب الحنفي وارتباطه بالعقيدة الماتريدية [يُنسب إلى الشيخ أبي منصور الماتُريدي (853- 944) الذي عاش معظم وقته في سمرقند بأوزبكستان. ويميل إلى نوع من التوفيق بين المدارس السنية المختلفة]. واستطراداً، إن معظم المناطق التي سيطر فيها سابقاً تنظيم "الدولة الإسلامية" كمحافظتي كونار وننغرهار في الشرق، تشكل أماكن تحظى فيها السلفية بشعبية غير عادية. قد يكون تنظيم "الدولة الإسلامية" قادراً على اجتذاب بعض مؤيدي "طالبان" الأكثر تشدداً، لكنه سيجد صعوبة في توسيع قاعدة دعمه أكثر من ذلك.
في ذلك الصدد، تواجه "القاعدة" و"داعش" تحديات جدية في محاولة إعادة تأسيس نفسيهما في أفغانستان. ففي حين أن عودة "طالبان" قد تخلق أكبر فرصة لـ"القاعدة" في إعادة تشكيل وتنظيم نفسها منذ أكثر من عقد، إلا أنها ليست في وضع جيد لاغتنامها. في زاوية مقابلة، سيسعى تنظيم "داعش" إلى لعب دور المفسد، لكنه سيواجه صعوبة في الفوز بالدعم المحلي أو مضاهاة "طالبان" من ناحية القوة البشرية والموارد. في غضون ذلك، ستستمر الولايات المتحدة في محاولة إضعاف المجموعتين كلتيهما من خلال مواصلة شن ضربات بالطائرات من دون طيار، ربما بدعم من "طالبان" حينما يتعلق الأمر بـ"داعش".
وكخلاصة، لا شيء من شأنه أن يخفف التهديد الذي تشكله تلك الجماعات الجهادية على أفغانستان وجيرانها والعالم. لذا، ينبغي أن تظل الولايات المتحدة وحلفاؤها يقظين واستباقيين، خشية عودة إحدى هاتين المجموعتين أو كلتيهما إلى القوة. في المقابل، لا يزال من غير المؤكد إلى أي حد سينجح الجهاديون في استخدام أفغانستان، ونجاحهم ليس نتيجة مؤكدة بأي حال من الأحوال.