تحليل
النهارالاخباريه – وكالات
دخلت الفترة الانتقالية بالسودان، منعطفاً جديداً بإعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الخميس، تشكيل مجلس سيادة جديد برئاسته ومحمد حمدان دقلو "حميدتي" نائباً له.
القرار جعل الأزمة المستمرة في البلاد منذ أشهر، قابلة للتفاقم أكثر، بحسب محللين اعتبروا أن الخطوة قطعت الطريق أمام حوار مستقبلي مع قوى إعلان الحرية والتغيير الطرف الثاني في الوثيقة الدستورية والشريك السابق في السلطة الانتقالية.
فيما عدها فريق آخر، بارقة أمل في أن يكون هناك حوار عقب إعادة البرهان المواد التي جمدها في الوثيقة الدستورية، بينما اعتبرها فريق ثالث "بالون اختبار" لما هو قادم.
والخميس، أصدر البرهان مرسوما دستوريا بتشكيل مجلس السيادة الانتقالي الجديد برئاسته، وتعيين حميدتي نائبا له، إلى جانب 11 عضوا آخر، فيما أرجأ تعيين ممثل لإقليم شرق السودان لإجراء مزيد من المشاورات.
ومنذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعاني السودان أزمة حادة، إذ أعلن البرهان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، مقابل احتجاجات مستمرة ترفض هذه الإجراءات باعتبارها "انقلابا عسكريا"."
وقبل تلك الإجراءات، كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس/ آب 2019، فترة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة وقعت مع الحكومة اتفاق سلام في 2020.
سيطرة البرهان وجيشه
واعتبر محللون خطوة تعيين مجلس سيادة جديد، تؤكد سيطرة الجيش وقائده البرهان على مستقبل الفترة الانتقالية، وأنهم ماضون في انفرادهم بتشكيل مؤسسات السلطة الانتقالية بكل مستوياتها التنفيذية والتشريعية.
الأمر الآخر الذي أثار تساؤلات كثيرة، هو الكيفية التي تم بها تشكيل المجلس الجديد فلم يوضح قادة الجيش الطريقة التي تم بها اختيار اعضاء مجلس السيادة خاصة المدنيين.
ووفق المراقبين فإن عدم توضيح كيفية اختيار أعضاء مجلس السيادة هي مدعاة إلى التشكيك في أن البرهان هو الممسك بزمام الأمور حالياً ويريد أن يواصل الإمساك بكل الخيوط في الفترة الانتقالية مستقبلاً رئيسا منفرداً.
انتهى الحوار
واعتبر مراقبون أن تشكيل المجلس السيادي من قبل البرهان هو بمثابة نهاية لأي مبادرات حوار وبذلك اختفى لأي دعوة محلية أو إقليمية ودولية بضرورة خفض التصعيد بين أطراف الازمة.
إلا أن الخبير الاستراتيجي اللواء متقاعد أمين إسماعيل مجذوب يري أن هناك بارقة أمل في أن يكون هناك حوار عقب إعادة البرهان المواد التي جمدها في الوثيقة الدستورية.
وأضاف في حديثه للأناضول: "طالما أن الوثيقة قد عادت فذلك يعني إمكانية عودة قوي الحرية والتغيير من خلال حوار جديد يرتكز على إكمال هياكل السلطة الانتقالية الأخرى مثل المجلس التشريعي".
وأوضح مجذوب أن الخطوة التي لجأ إليها قائد الجيش بتشكيل مجلس سيادة جديد جاءت لارتفاع سقف المطالب من الجانبين المكون العسكري وقوي إعلان الحرية والتغيير.
وأشار إلى أن الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد قد أحدثت فراغا دستوريا وامنيا واجتماعيا لذلك أقدم البرهان على تشكيل مجلس السيادة كخطوة أولى لإكمال مؤسسات السلطة الانتقالية.
وأستدرك قائلا: "قد تتعقد الأزمة في حال استمر الاستقطاب الحاد في الشارع لذلك يبدو الحوار وفق أسس جديدة هو الأفضل للبلاد".
ووقع المجلس العسكري المنحل في 17 أغسطس/آب 2019 وثيقة دستورية للفترة الانتقالية مع قوى إعلان الحرية والتغيير لإدارة شئون البلاد خلال فترة انتقالية تستمر 39 شهراً.
وعقب توقيع اتفاق سلام مع الحركات المسلحة في 3 أكتوبر/تشرين أول 2020، شاركت هذه الحركات المسلحة في السلطة إلى جانب العسكر والمدنيين بنسب حددتها الاتفاقية و مددت الفترة الانتقالية حتي يناير/كانون ثان 2024.
الرافضون يلجأون للشارع
تكوين مجلس سيادة جديدة بمثابة (رئاسة جمهورية)، بالتزامن مع فترة انتقالية لم تشهد استقرارا اقتصاديا وسياسيا طوال العامين كفيل بنسف استقرار البلاد، بحسب المراقبين.
وخاصة أن هذه الخطوة وجدت رفضا واسعا خلال الساعات القليلة الماضية من قوي ذات تأثير على على الشارع وعلى رأسهم تجمع المهنيين السودانيين وقوي إعلان الحرية والتغيير والحزب الشيوعي السوداني ولجان المقاومة.
والمحركون للشارع يجمعهم رفضهم لقرارات البرهان منذ 25 أكتوبر/تشرين أول الماضي وحتى إعلان مجلس السيادة الجديد مساء الخميس.
وذلك كفيل بمواصلتهم لرفضهم عبر التحرك في الشارع من خلال مواكب واحتجاجات وتظاهرات قد تطول وتتسبب في عدم استقرار للفترة المقبلة.
وقد أثار قرار البرهان، تشكيل مجلس سيادة جديد برئاسته وتعيين حميدتي نائبا له، رفضا محليا، وقلقا أمميا، وسط دعوات للإفراج عن المعتقلين والعودة عن قرارات 25 أكتوبر/ تشرين الأول.
وأعلنت قوى إعلان الحرية والتغيير، وتجمع المهنيين (يقود الحراك الاحتجاجي)، وأحزاب سودانية رفضها لقرارات البرهان بتشكيل مجلس سيادة واعتبرتها غير شرعية ولا سند دستوري لها.
وعلى المستوى الأممي، قال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم أمين عام منظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في مؤتمر صحفي الخميس، إن الإعلان عن تشكيل مجلس سيادي جديد في السودان "مقلق للغاية"، داعيا للعودة إلى المرحلة الانتقالية "بأسرع ما يمكن".
في حين، أبلغ ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس، مجلس الأمن الدولي، أن نافذة الحوار والحل السلمي في السودان "قد أُغلقت".
الشارع يحدد
الرد الأولي جاء من الشارع ليلة الخميس حيث خرجت مظاهرات متفرقة في أحياء الخرطوم عقب الإعلان عن تشكيل مجلس السيادة، وهذا مؤشر بحسب المحللين إلى أنها سيقود لتظاهرات أكبر في 3 نوفمبر.
وقدرة الشارع المستمرة على التواجد في الشارع هي أحد الادوات الأساسية التي حددت مسار الانتقال منذ اسقاط المعزول عمر البشير في إبريل 2019.
وهو ما يجعل المراقبين يرون أن الشارع السوداني ظل محافظ على جذوته طوال العامين الماضيين من عمر الانتقال وقادر على ترجيح كفة المعادلة لصالح الحكم المدني.
وتعول القوى السياسية وتجمع المهنيين السودانيين على حراك الشارع في فرض واقع جديد يبعد العسكر من السلطة من غير رجعة, ويعتبر إعلان تشكيل مجلس السيادة اشعال للشارع اكثر مما هو مشتعل،بحسب المراقبين.
بالونة اختبار:
الكاتب والمحلل السياسي يوسف سراج، رأى أن إقدام البرهان على إعلان مجلس سيادة هو بمثابة بالونة اختبار لتحديد خطواته القادمة، إما مواصلة في تشكيل بقية هياكل السلطة أو التراجع تحت الضغط الشعبي والإقليمي والدولي.
وقال يوسف في حديثه للأناضول، إن الشروع أولا في تشكيل مجلس السيادة يعني أن الباب لازال مفتوحا أمام حوار باعتبار أن مجلس السيادة ليس هو العقبة الأساسية لقوى الحرية والتغيير وليس كتعيين رئيس وزراء جديد بديلا لعبدلله حمدوك.
وأضاف أن "عودة الوثيقة بعد إلغاء المواد المجمدة يشير إلى أن قوى الحرية والتغيير لازالت في المعادلة، واتخاذ البرهان ومجموعته التي تبدو متخبطة لخطوة ثانية في تشكيل أي هيكل من هياكل السلطة سيزيد من الأمور سوء ويذهب باتجاه الانقلاب".
وأصدر قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، الخميس، قرارا بفك تجميد مواد بالوثيقة الدستورية، ما عدا عبارة "الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم السابق)
وأبرز المواد التي قرر البرهان فك تجميدها تتعلق بمجلس السيادة و صلاحياته ومهامه، ومجلس الوزراء ومهامه، ومرتبطة بالشراكة مع قوى "الحرية والتغيير".
وتتكون قوى "الحرية والتغيير" من قوى سياسية ومدنية، أبرزها الإجماع الوطني، ونداء السودان، وتجمع المهنيين، والتجمع الاتحادي، وتجمع القوى المدنية.