الأحد 29 أيلول 2024

ما خيارات الجيش المصري بأزمة السودان؟

النهار الاخبارية - وكالات 

مع تصاعد الحرب الأهلية في السودان، وتلميح قوات الدعم السريع إلى دور مصري فيها، بات هناك تساؤل مطروح حول احتمالات تدخُّل القاهرة عسكرياً في السودان، وهل يكون بشكل سافر أم سري، وما ترتيب الجيش المصري عالمياً لعام 2023، وأهم أسلحته التي يمكن أن يستخدمها في أي تدخل محتمل بأزمة السودان.

ومنذ 15 أبريل/نيسان 2023، تشهد عدد من الولايات في السودان، على رأسها العاصمة الخرطوم، اشتباكات واسعة بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع التي يقودها نائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، راح ضحيتها مئات الأشخاص بين قتيل وجريح، معظمهم من المدنيين.

ووجهت اتهامات غير رسمية إلى مصر من قوات الدعم بمساندتها للجيش السوداني، ولدى مصر حدودٌ طولها 1276 كم مع السودان، وتستضيف نحو 4 ملايين سوداني، وفقاً لإحصاء أجرته منظمة الهجرة الدولية بداية 2022، ويعامَلون بشكل كبير مثل المصريين في كثير من الخدمات، كما تشترك مع السودان في نهر النيل، حيث تتقارب مواقف البلدين من مشروع سد النهضة الإثيوبي.

ترتيب الجيش المصري عالمياً 2023
في عام 2023، احتلت مصر المرتبة الـ14 بين 145 من الدول التي تم النظر فيها في مراجعة GFP السنوية، مما يجعل مصر حاصلة على درجة 0.2224  التي تعتبر "مثالية"، حسب موقع Global Firepower.

ويحتل الجيش التركي الصدارة كأقوى جيش في منطقة الشرق الأوسط، يليه الجيشان المصري والإيراني، حسب التصنيف الجديد لموقع "غلوبال فايرباور" (Global Firepower).

ورغم كونها تعد متفوقة عسكرياً في الشرق الأوسط، جاءت إسرائيل في المرتبة الرابعة في التصنيف بعد تركيا ومصر وإيران.

ولكن مثل هذه المقارنات تعتمد بشكل كبير على النواحي الرقمية ولا تركز على الفوارق التقنية وحداثة المعدات والذخائر والاعتماد على الذات في تصنيعها، والخبرة القتالية، للجيوش، ولذلك يجب التعامل مع مسألة ترتيب الجيش المصري عالمياً وغيره من الجيوش بقدر من التأني، ومراعاة العديد من العوامل الآخرى.

على سبيل المثال، يميل أغلب الخبراء العسكريين إلى تصنيف الجيش الإسرائيلي كأقوى جيش في الشرق الأوسط (باستثناء القوات البحرية)، بفضل أسلحته النووية وسلاحه الجوي المتفوق، والذي تتوافر له ميزة الحصول على أفضل الذخائر الأمريكية المحرومة منها مصر، إضافة إلى تصنيع إسرائيل ذخائرها المتقدمة الخاصة التي تصدّرها للدول الغربية.

 ومثل مصر لدى إسرائيل سلاح دبابات كبير لكنها تعتمد على دبابات ميركافا محلية الصنع، إضافة إلى امتلاكها واحدة من أقوى الدفاعات الجوية في العالم وسلسلة من الصواريخ الباليستية محلية الصنع.

ومن المعروف أن الولايات المتحدة (داعم تل أبيب الكبير) لديها قاعدة ثابتة في سياستها العسكرية، هي ضمان التفوق النوعي لإسرائيل على العرب، علماً بأنها المزود الأكبر للطرفين بالسلاح.

أبرز أسلحة الجيش المصري
في هذا التقرير سوف نحاول استعراض أبرز أسلحة الجيش المصري، خاصةً الأسلحة الأحدث والأكثر عدداً، وخياراته في السودان.

ويصل تعداد سكان مصر إلى أكثر من مئة مليون نسمة، مما يجعلها الدولة الأكثر سكاناً في العالم العربي والشرق الأوسط والثالثة في إفريقيا، وعدد من يصلحون للخدمة العسكرية في مصر يتجاوز 36 مليون نسمة،  ويصل إلى سن التجنيد سنوياً 1.5 مليون شخص.

ويصل تعداد القوات العاملة في الجيش المصري إلى 440 ألف فرد، إضافة إلى 480 ألف جندي في قوة الاحتياط.

التقديرات شبه الرسمية لميزانية الجيش المصري تدور حول أقل من 6 مليارات، حسب معهد ستوكهولم السويدي لأبحاث السلام "sipri"، ولكن هناك شكوكاً في أنها أكبر من ذلك بكثير، في ظل دور الجيش بالاقتصاد الكبير.

القاهرة لديها رابع أكبر أسطول إف 16 في العالم، والثاني في دبابات أبرامز بعد أمريكا
تمتلك مصر 1092 طائرة، حيث تتكون القوة الجوية المصرية من نحو 300 مقاتلة اعتراضية، و341 طائرة هجومية، و59 طائرة نقل عسكري، و388 طائرة تدريب، و293 مروحية، منها 46 مروحية هجومية، ويوجد 83 مطاراً في مصر.

وتعتبر مصر رابع دولة في العالم امتلاكاً لطائرات إف 16 الأمريكية الصنع بعد الولايات المتحدة وإسرائيل وتركيا، (تمتلك نحو 218 من هذا الطراز ولكن أغلبها قديم نسبياً)، إضافة إلى امتلاكها أكثر من 24 مقاتلة فرنسية من طراز رافال، التي أضافت للقوات الجوية المصرية قدرات عالية في مجال القصف الجوي بعيد المدى، كما تعاقدت القاهرة مع فرنسا على 30 طائرة رافال أخرى، يعتقد أن بعضها بدأ يصل.

كما اشترت القاهرة 46 طائرة روسية من طراز ميغ 29، ويعتقد أن واحدة على الأقل إن لم يكن ثلاثاً قد دُمرت في هجوم قوات الدعم السريع على مطاري مروي بشمال السودان، حيث كانت توجد هذه المقاتلات في مهمة تدريبية، حسبما أعلنت مصر والجيش السوداني.

وتمتلك مصر ما يتراوح بين 3400 و4100 دبابة، والتفاوت الكبير بين التقديرين نابع من عدم اليقين حول عدد الدبابات من طرازي تي 80 وتي 90  التي استلمتها مصر من روسيا.

القوة الضاربة للدبابات المصرية هي نحو 1360 من الدبابة الأمريكية الشهيرة أبرامز 1 التي تم تجميع أعداد كبيرة منها، وهي نسخ أقدم من أبرامز 2 الأحدث في حوزة الجيش الأمريكي.

وتعتبر مصر ثاني أكبر دولة في العالم امتلاكاً للدبابة إم 1 أبرامز (M 1 – Abrams) بعد الولايات المتحدة، إضافة إلى 1700 من الدبابة الأمريكية الأقدم M60 Pattonk، وأعداد غير معروفة بدقة من الدباباتين الروسيتين T-80 وT-90، والأخيرة تعد أحدث دبابة عاملة لدى موسكو.

كما لدى مصر أسطول كبير ولكن قديم من الدبابات الروسية التي استخدمت في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وتم تحديث بعضها، يعتقد أن هذا الأسطول يشمل 340 من الدبابات الروسية القديمة تي 54/55، التي دخلت أولى نسخها الخدمة في الجيش السوفييتي عام 1948، وأكثر من 400 دبابة رمسيس 2 المطورة من الدبابة الروسية السابقة بتقنيات غربية، و500 دبابة (T-62) التي دخلت الخدمة في الجيش السوفييتي أوائل ستينيات القرن العشرين.

وتمتلك القاهرة أكثر من 5700 مدرعة مدولبة وآلية مجنزرة، وفقاً لما ذكره الموقع، من بينها نحو ثلاث آلاف من آليات مشاة قتالية مجنزرة أمريكية الصنع من طراز M113.

ويمتلك الجيش المصري 1000 مدفع ذاتي الحركة، و2189 مدفعاً ميدانياً، و1100 راجمة صواريخ.

وتصل قوة الأسطول البحري المصري إلى 319 سفينة، بينها حاملتا مروحيات، و4 غواصات، و9 فرقاطات، و31 كاسحة ألغام.

هل قصفت مصر قوات الدعم السريع؟
زعمت صحيفة Wall Street Journal الأمريكية أن مصر، التي دعت رسمياً إلى إنهاء القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم، أرسلت طائرات مقاتلة قبل بدء القتال مباشرة وطيارين إضافيين لدعم الجيش السوداني، وتقول الصحيفة إن مسؤولاً بالجيش السوداني زعم أن مقاتلة مصرية دمرت مستودع ذخيرة يسيطر عليه الجنرال دقلو بعد ظهر يوم الإثنين 17 أبريل/نيسان 2023.

"إذا كنت جاراً تواجه خطر استيلاء أحد أمراء الحرب على البلد الذي يلاصقك، فمن المنطقي من منظور مصري أن تتورط"، هذا ما قالته كاميرون هدسون، المساعدة الرئيسية السابقة للمبعوث الأمريكي الخاص إلى السودان والتي هي الآن زميلة أولى في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره واشنطن.

وأسر رجال الجنرال دقلو عدد من جنود القوات المصرية التي تم نشرها في قاعدة مروي السودانية؛ للاشتباه في أنها يمكن أن تتدخل لدعم الجنرال البرهان. ونقلت الصحيفة عن مصادر سودانية إنهم نقلوهم فيما بعد إلى الخرطوم، حيث قصفت القوات الجوية السودانية مواقع قوات الدعم السريع. وأشاروا إلى أن الجنود المصريين المعتقلين كان بينهم ضباط في المخابرات العسكرية. كما تم الاستيلاء على الطائرات المصرية الموجودة بالفعل في المنشأة والتي تضررت بشدة.

وتقول مصر إن طائراتها وجنودها كانوا موجودين بقاعدة مروي في إطار تدريب مشترك رسمي مع الجيش السوداني.

ولطالما دعم السيسي الذي كان وزيراً للدفاع في مصر قبل أن يتولى الحكم، الجنرال عبد الفتاح البرهان، خاصةً أن الخرطوم الحليف الرئيسي للقاهرة في نزاعها مع إثيوبيا حول النيل.

ورغم أن مصر كانت علاقتها جيدة مع حميدتي عندما كان حليفاً للبرهان وقيل إنها توسطت من قبل لحل خلاف بين الرجلين، فإن مزاج المؤسسة العسكرية المصرية العريقة يظل بعيداً عن تقبّل تولي زعيم ميليشيا سابقٍ السلطة حتى لو حمل رتبة فريق، وبالتالي يفترض المحللون أنها أكبر داعمي البرهان الذي تلقي جزءاً من تعليمه العسكري في القاهرة، خاصةً أن مصر كانت دوماً داعمة لفكرة تولي العسكريين السلطة في البلدان العربية المضطربة مثل العراق عقب الغزو الأمريكي عام 2003، وفي لبنان خلال فترات الفراغ الرئاسي.

وفي هذا الصدد لا ينسى السودانيون تقديم البرهان التحية العسكرية للرئيس عبد الفتاح السيسي.

كما تشعر كثير من  القوى المدنية السودانية الممثلة في ائتلاف الحرية والتغيير-المجلس المركزي، خاصةً ذات الجذور اليسارية، بالقلق من النظام في القاهرة سواء بسبب خوفها من محاولته تكرار تجربة إنهاء الحكم الديمقراطي مثلما جرى في مصر عام 2013، أو حساسيتها التقليدية من القاهرة لأسباب تاريخية (خاصةً حزب الأمة والقريبين منه والذي تعود جذوره للطائفة المهدية التي ثارت ضد الحكم المصري في القرن التاسع عشر)، أو بسبب تبني بعض قوى اليسار السوداني نظرة عدائية للعرب وعروبة السودان ووصف العرب بأنهم محتلون للسودان.

وبينما لا توجد عداوة أصلية بين مصر وحميدتي وقوات الدعم ومجمل سكان غرب دارفور (خاصةً عرب دارفور الذين ينتمي إليهم حميدتي)، ولكن الرجل يحاول اجتذاب القوى المدنية في صفه، خاصةً ائتلاف الحرية والتغيير-المجلس المركزي والتلاعب بالمشاعر الشعبية وتأليبها ضد الجيش السوداني عبر استغلال الحساسيات تجاه مصر .

واتهمت حسابات ومصادر محسوبة على قوات الدعم السريع مصر بالتدخل في شؤون السودان، ولمحت إلى أن طائرات مصرية تشارك في قصف قواتها، رغم أن هذه الاتهامات لم توجه رسمياً من قبل الدعم، حيث أكد قائده محمد حمدان دقلو المعروف باسم حميدتي، عقب أسر قواته للجنود المصريين، أنه حريص على علاقته مع القاهرة، في لغة مهذبة ولكن ليس بها فيض مودة كالتي يتحدث بها البرهان عن القاهرة.

ويميل خطاب مؤيدي حميدتي غير الرسمي إلى لفت الانتباه للتدخل المصري المفترض، كما ظهر عندما اقتحم أفراد الدعم قاعدة مروي، حيث صوروا طائرات ميغ المصرية القابعة بالمطار واعتبروها نموذجاً للاحتلال المصري. 

ويلمحون أحياناً إلى أن الجيش السوداني ألعوبة في يد القاهرة؛ في محاولة لاستغلال الحساسية التاريخية للسودانيين واجترار ذكريات السيطرة المصرية على السودان خلال حكم الأسرة العلوية منذ عهد محمد علي والحكم الثنائي البريطاني المصري للسودان، الذي كان في حقيقته احتلالاً بريطانياً ببعض الجنود المصريين، عانى من آثاره البلدان.

يبدو من طبيعة الإشارات من مشاركة طائرات مصرية في قصف قوات الدعم أنها دعاية أكثر منها حقيقة، خاصةً أنها لم تتكرر كثيراً من قبل الدعم، كما أنه من الصعب تصور أن المقاتلات المصرية تستطيع بسهولةٍ قصف قوات الدعم المنتشرة في العاصمة الخرطوم التي تبعد أكثر من ألف كيلومتر عن المطارات الجنوبية المصرية.

الأهم أن هذه الادعاءات ظهرت في وقت كان فيه الجنود المصريون أسرى لدى قوات الدعم، الأمر الذي يجعل من الصعب تصوّر أن القاهرة تتورط في مثل هذا العمل الذي قد يهدد حياة جنودها وضباطها.

ولكن هل يمكن أن تتدخل مصر في عمل عسكري بالسودان، وبأي شكل؟

كيف تنظر القاهرة لحميدتي واحتمالات توليه السلطة؟
سقوط السودان في يد حميدتي يمثل خياراً خطراً بالنسبة للقاهرة التي تفضل حكماً عسكرياً، خاصة أن حميدتي (الأقرب لدول الخليج)، لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ولا حدود لطموحه، لاسيما مع مغازلته للقوى المدنية، وتقديمه لنفسه كمدافع عن الديمقراطية، بجانب شكوك القاهرة بأنه قد يكون أقرب لمواقف إثيوبيا.

واللافت أنه في أحد الفيديوهات التي تُظهر جنوداً مصريين أسرى لدى قوات الدعم، سبَّ شخص يبدو أنه من قوات الدعم جندياً مصرياً أسيراً، ثم وصفه بـ"ابن النيل"، في مؤشر على محاولة اتباع حميدتي بث الفرقة بين سكان غرب السودان وبين سكان منطقة وسط البلاد المحيطة بالنيل، تحت ذريعة تهميش الحكومات المتعاقبة في السودان المنتمية للوسط لغرب السودان وأطرافه الأخرى.

ويعزز هذا التوجه المعادي لأبناء النيل من السودانيين والمصريين على السواء، الذي يظهره هذا الخطاب الاحتمال بأن حميدتي القادم من الغرب السوداني البعيد عن إثيوبيا، قد يتخذ موقفاً أقرب لأديس أبابا، أو على الأقل قد يضعف مواقف السودان في قضايا سد النهضة، ومنطقة الفشقة المتنازع عليها مع أديس أبابا، كما قد تؤدي هجماته على الجيش إلى إضعاف السيطرة المركزية على إقليم شرق السودان؛ مما يعزز التدخل الإثيوبي به.

وكل ذلك يجعل سيطرة حميدتي على الحكم في غير صالح القاهرة، ولكن الأسوأ من تبوئه سدة الحكم هي الفوضى في حال عدم حسم الصراع أو تفاقمه، خاصة لو أدى ذلك إلى تدفق كبير للاجئين السودانيين على مصر، أو تعرض الجالية المصرية في السودان لاعتداءات.

احتمالات التدخل مصري عسكرياً بالسودان.. إليك ما يقوله التاريخ
هل يمكن أن يتدخل الجيش المصري بشكل مباشرة عبر عملية عسكرية برية في السودان لدعم نظيره السوداني؟

مصر لديها قوة برية ضخمة، كما سبقت الإشارة، وهي واحدة من أكثر دول العالم في عدد الدبابات، بعد أمريكا وروسيا والصين والهند وإسرائيل، وتعادل تركيا أو تزيد عنها قليلاً في الحجم.

وقد يكون ذلك مغرياً للتدخل..

ولكن الملاحظ أنه منذ التدخل العسكري المصري الواسع في اليمن في الستينيات، خلال عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، أصبحت القاهرة حذرة في فكرة التدخل العسكري الخارجي.

فرغم أن مصر حققت مرادها في نهاية الأمر؛ بإنهاء الحكم الإمامي باليمن وإقامة نظام جمهوري أكثر حداثة وصديق لها، لكن التكلفة البشرية والعسكرية والاقتصادية كانت كبيرة، حيث يعتقد أن المشاركة المصرية في اليمن أحد أسباب الأداء شديد السوء للجيش المصري في حرب 1967 أمام إسرائيل (التي كانت نظرياً أضعف من مصر في ذلك الوقت)، وهي الهزيمة الأسوأ في تاريخ الجيش المصري المعروف.

وأصبحت هذه الحرب عقدة لدى العسكريين والمدنيين المصريين على السواء، لدرجة أنها تحمل أحياناً أكثر من حجمها.

وبعد ذلك لم يتدخل الجيش المصري خارج حدود البلاد إلا بشكل محدود، مثلما جرى عند إرسال قوة مصرية تقدر بنحو 35 ألف جندي للدفاع عن السعودية، وتحرير الكويت، بعد الغزو العراقي لهذا البلد العربي عام 1991، ولكن ذلك جرى ضمن تحالف دولي واسع بقيادة أمريكا، ضم عشرات الدول، وكان محمياً بقوات جوية كثيفة من أمريكا ودول الناتو ودول الخليج.

وبعد مشاركة الجيش المصري في تحرير الكويت، رفض الرئيس المصري في ذلك الوقت حسني مبارك دخول القوات المصرية الأراضي العراقية.

وقبل ذلك، شنَّ الرئيس المصري الراحل أنور السادات حرباً محدودة ضد ليبيا؛ بسبب خلافاته مع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، التي نشبت بعد توجه القاهرة للسلام مع إسرائيل.

إلى أي مدى تدخلت مصر عسكرياً في ليبيا لدعم حليفها حفتر؟
بعد إقالة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013، تدخلت القاهرة بقوة في الشأن الليبي، ويرى كثيرون أن أمير الحرب خليفة حفتر الذي نصب قائداً لما سمي الجيش الوطني الليبي، هو مجرد صنيعة مصرية إماراتية.

ولكن رغم هذا التدخل الواسع، فإنه لم يسجل أي عمل عسكري مصري مباشر مؤكد في ليبيا، باستثناء قصف طائرات مصرية أهدافاً لجماعة محسوبة على تنظيم القاعدة في درنة بشرق ليبيا؛ رداً على ذبح تنظيم داعش لعدد من الأقباط المصريين في سرت (المفارقة أن عملية الذبح البشعة تمت في غرب لييبيا من قِبل داعش؛ فردت مصر بضرب هدف لجماعة منافسة لداعش في شرق البلاد).

ويعتقد أنه رغم الدور المصري الكبير في دعم حفتر ضد قوات حكومة الوفاق، فإن العمل العسكري المباشر الذي نفذه الضباط الإماراتيون كان أكبر مما فعله نظراؤهم المصريون، وخاصة ما ينسب للإماراتيين من توجيه الطائرات المسيرة الصينية الصنع ضد قوات حكومة طرابلس.

وبعد أن صدت قوات حكومة الوفاق الوطني هجوم حفتر على طرابلس، وبدأت تطاردها نحو سرت؛ بفضل الدعم التقني التركي، خاصة الطائرات المسيرة، أطلق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحذيره المشهور بأن سرت خط أحمر مصري، ملوحاً بالتدخل العسكري لو سقطت سرت في يد قوات حكومة الوفاق المعترف بها دولياً آنذاك، وهو إنذار لم يختبر؛ لأن القتال توقف بالفعل عند هذه الحدود.

ويؤشر الأداء المصري في ليبيا، وكذلك في إثيوبيا، حيث لم تدعم تمرد التيغراي ضد حكم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لاستمرار الطابع الحذر والمتحفظ للعسكرية المصرية بعد الرئيس جمال عبد الناصر، وهي سمة أصبحت متأصلة بها، رغم أن الرئيس السيسي اتبع سياسة تدخل استخباراتي خارجي أكثر نشاطاً من سلفه مبارك، خاصة في ليبيا؛ بل جاهر النظام المصري بالعداء لحكومات طرابلس؛ لأن الإسلاميين من بين داعميها، رغم محاولات هذه الحكومات للمصالحة مع القاهرة.

ولكن رغم هذا الدور المصري المعلن في ليبيا، والعداء الصريح لحكومات طرابلس في بعض الأوقات، ورغم أن ليبيا بلد ثري وصغير السكان (أقل من 7 ملايين نسمة) مقارنة بالسودان (نحو 45 مليوناً) وأقل وعورة، فإن مصر لم تنفذ أي عملية عسكرية واسعة النطاق في ليبيا، واكتفت بتوريد السلاح والتدريب والتوجيه لحفتر بالتعاون مع الإمارات.

يؤشر ذلك إلى أنها قد تنتهج سلوكاً مماثلاً في السودان، الذي رغم أنه قد يكون أهم لمصر، ولكنه أكثر وعورة وتعقيداً وحساسية من التدخلات المصرية، وهو يبدو بتنوعه الجغرافي والإثني "قارة صغيرة".

كما أن الخصم المحتمل في السودان ليس خصماً أيدولوجياً إسلامياً، مثلما كان الأمر من وجهة نظر الرئيس السيسي في ليبيا.

ماذا سيحدث إذا تدخل الجيش المصري برياً في السودان؟
وأي تدخل عسكري مباشر في السودان يتطلب من الجيش المصري إرسال أعداد هائلة من الدبابات والمدرعات والجنود، مما قد يشكل عبئاً لوجيستياً في بلد مساحته 1.8 مليون كلم مربع، ويعاني من طرق سيئة، وسكان ينتشرون على جغرافيا كبيرة، عكس معظم الدول العربية، تتنوع بين السافانا والصحاري والمدن والجبال، هم سكان منقسمون بطبيعتهم ولكن قد يوحدهم أي تدخل خارجي حتى لو جاء لدعم ما يفترض أنه جيشهم الوطني.

كما أن قوات الدعم السريع مشهورة بقدرتها على تنفيذ هجمات كر وفر على الجيوش النظامية.

خيار التدخل الجوي.. لماذا قد لا يكون سهلاً كما يبدو للوهلة الأولى؟
قد يكون هناك خيار أقرب من العملية العسكرية البرية، هو خيار القصف الجوي من القواعد الجوية المصرية في جنوب البلاد، وهو يظل خياراً بعيداً حتى لو أنه أكثر احتمالاً من العمل البري.

يعرقل هذا الخيار قلة القواعد الجوية المصرية في جنوب البلاد وبُعدها عن مناطق المعارك في وسط وغرب السودان.

وفي المعارك البرية المتحركة، فإن الطائرات يفترض أن تحلق لفترة طويلة فوق ساحة المعركة؛ لتكون متأهبة لرصد وضرب العربات بسرعة، وهو أمر صعب؛ لأن المسافة الطويلة بين الخرطوم وقواعد الطائرات في جنوب مصر لن تتيح للمقاتلات المصرية من طرازَي إف 16 وميغ 29 سوى وقت ضئيل للتحليق، واستخدام درة القوات الجوية المصرية مقاتلات رافال المشهورة بمداها الطويل وقدراتها العالية على القصف يمثل تهديداً لا داعي له لأثمن الأصول الجوية المصرية.

كما أن إلحاق خسارة مؤثرة بنحو 10 آلاف عربة دفع رباعي مسلحة أو محمّلة بالمسلحين تمتلكها قوات الدعم السريع هو عمل يحتاج لمئات -إن لم يكن آلاف الغارات- ويحتاج على الأخص لاستخدام مروحيات، وهي طائرات قصيرة المدى بطبيعتها.

الأهم أن تنفيذ غارات على قواعد الدعم السريع الثابتة يبدو دون جدوى؛ لأن هذه القوات الخفيفة أقل اعتماداً من الجيوش التقليدية على القواعد الثابتة ومحطات الإمداد والتموين، وهي بطبيعتها لا تمتلك أصولاً مركزية ثمينة كثيرة يمكن ضربها، إضافة للحاجة لمعلومات ميدانية ثمينة لا تتوفر لدولة مثل مصر بل تحتاج إلى فيض من الأقمار الصناعية مثل الذي لدى أمريكا.

إضافة لاحتمال تعرض الطائرات المصرية للإسقاط وسقوط الطيارين أسرى، الأمر الذي سيمثل مشكلة للجيش السوداني ومصر على السواء، ويؤكد رواية الدعم السريع.

كل هذه المخاطر والقيود، ستأتي مقابل ميزات عسكرية محدودة في الأغلب، مع المخاطرة باحتمال انتقام قوات الدعم من الجالية المصرية بالسودان، أو دفع موجة لاجئين للحدود المصرية، أو حتى استهداف الأراضي المصرية بعمليات تهريب أو اختراق أو عمليات إرهابية محتملة.

ويجب أن يكون فشل روسيا ولاسيما سلاحها الجوي في تدمير جيش أوكرانيا المجاورة درساً للجيش المصري إذا فكر في أي عمل واسع النطاق في السودان.

الخيار الأكثر احتمالاً 
يمكن أن يكون الخيار الأكثر احتمالاً هو أن تلجأ مصر إلى دعم الجيش السوداني، مادياً وعسكرياً، وخاصة منحه آليات عسكرية من مخزون الجيش المصري الكبير مثل مخزونه من الدبابات الروسية تي 54/55 الذي سيكون بلا أي جدوى أمام أي حرب مع جيش متقدم مع إسرائيل.

كما تنتج مصر أنواعاً عدة من المدفعية وذخائرها، وكذلك أنظمة مدفعية صاروخية، وأسلحة خفيفة يمكن تقديمها للجيش السوداني.

وقد تنفذ مصر بالتوازي مع هذا السيناريو، غارات محدودة على أي نشاط للدعم السريع ضد الجيش السوداني قرب حدودها مع السودان.

هل قررت مصر البقاء على الحياد حقاً؟
ويبقى الخيار الأكثر احتمالاً هو دعم مصر للبرهان دبلوماسياً على الصعيدين الدولي والإقليمي، عبر دفع المنظمات الإقليمية مثل الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي، والدولية مثل الأمم المتحدة للتعامل مع الصراع على أنه تمرد من ميليشيات على الحكم والجيش الشرعي.

ولكن اللافت أن الدبلوماسية المصرية تتبنى حتى الآن، خطاباً متحفظاً يصور المعركة على أنها صراع بين جناحَي حكم متساويين.

وخلال اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين عقب اندلاع الحرب، لم تتجاوب مصر ولا الدول العربية ولا الجامعة العربية مع مطالب ممثل السودان بالتعامل مع الصراع على أنه تمرد ضد سلطة شرعية، رغم خطاب الدعم السريع غير الرسمي العدائي للقاهرة.

ولا يعرف هل هذا النهج المتوازن والحذر سببه وجود الجنود المصريين أسرى في يد الدعم (قبل أن يتم إطلاق سراحهم)، أم أن هذا النهج المتحفظ ما زال قائماً بسبب وجود جالية مصرية كبيرة في السودان، أم أن القاهرة قررت دعم الجيش سراً مع التصريح بالحياد.

وقد يكون السبب أن القاهرة تفضل بالفعل عدم الانحياز لطرف ومحاولة عدم التورط في المستنقع السوداني، والاكتفاء بعرض دور الوسيط والانتظار لأن يحسم أي من الطرفين الحرب التي لا تبدو أنها قريبة من الحسم؟

أياً كانت خيارات مصر، فإنها من الواضح ستكون ثاني أكثر الأطراف خسارة من أزمة السودان بعد السودان نفسه.