الجمعة 22 تشرين الثاني 2024

كيف قرأت زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدين إلى الشرق الأوسط




لا تزال أصداء جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الأولى إلى منطقة الشرق الأوسط، التي شملت كلاً من  دولة  الاحتلال  الإسرائيلي  والأراضي الفلسطينية والسعودية، تلقي بظلالها على الصحافة ومراكز الفكر في أميركا، لتعدد الملفات التي شملتها وعلى رأسها الملف النووي والطموحات الإيرانية وإمدادات الطاقة ومكافحة الإرهاب، فضلاً عن نتائج "قمة جدة" التي جمعت الولايات المتحدة و9 دول عربية (دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق).


وفيما تصدر الملف النووي الإيراني مناقشات محطة بايدن في الأراضي المحتلة  وانعكس في مواقف وتصريحات متشددة، تجلت في ما يعرف بـ"إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية المشتركة بين واشنطن وتل أبيب"، الذي عبر عن "موقف واضح وموحد ضد إيران وبرنامجها النووي وعدوانها في سائر أنحاء المنطقة"، مع "التلويح باللجوء للقوة"، جاءت "قمة جدة للأمن والتنمية" لتكون أكثر شمولاً، إذ أكد بيانها الختامي على أهمية اتخاذ "كافة الخطوات الضرورية للحفاظ على الأمن في الشرق الأوسط"، مجدداً دعم الدول للحلول السلمية لأزمات المنطقة، فضلاً عن تأكيد أهمية تحقيق أمن الطاقة واستقرارها "مع العمل على تعزيز الاستثمار في التقنيات والمشاريع التي تهدف إلى خفض الانبعاثات وإزالة الكربون بما يتوافق مع الالتزامات الوطنية".


الملف الإيراني 

على وقع التعثر والغموض الذي يلف منذ أسابيع مسار التفاوض حول الاتفاق النووي الإيراني، وعدم نجاح محادثات الدوحة الأخيرة "غير المباشرة" بين طهران وواشنطن في تضييق هوة خلافاته وحلحلة تشابكاته، تصدر الملف الإيراني اهتمام لافت بالاوساط السياسيه  الأميركية خلال متابعة الجولة الأولى لبايدن في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما بعد أن شهدت

وكتب مايكل آيزنشتات مدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، تحليلاً قال فيه إن من بين القضايا الرئيسة التي تركز عليها رحلة الرئيس الأميركي إلى المنطقة الملف الإيراني، لا سيما مع المخاوف المشتركة التي تجمع واشنطن وحلفاءها بشأن تحركات إيران الإقليمية المزعزعة للاستقرار، مضيفاً أن "أهداف واشنطن تجاوزت ذلك، استناداً إلى رغبتها في العودة للعب دور المزود الأمني بلا منازع، والمنسق الرئيس بين حلفائها وشركائها في المنطقة".


وأضاف آيزنشتات "يبدو أن قضية إيران ليست فقط جزءاً واحداً من السياسة الأميركية الجديدة تجاه الشرق الأوسط، بل هي المحرك الرئيس وراءها لإعادة دورها كفاعل رئيس ومهيمن في المنطقة". مشيراً إلى أنه "في المقابل أرسلت طهران رسائل متضاربة، إذ بدا أن إيران على مدار الأشهر الستة الأخيرة خففت تدريجاً، وإن بشكل متفاوت، نشاط وكلائها ضد الأهداف الأميركية في العراق وسوريا، بينما واصلت تطوير برنامجها النووي وترسيخ وجودها العسكري في سوريا، ودعم مشروع الصواريخ الدقيقة الخاص بـ(حزب الله) اللبناني، وفي وقت لا يكف فيه وكلاؤها العراقيون عن العمل على إثارة الاضطرابات

 ووفق آيزنشتات، يبدو أن "أنشطة إيران ووكلائها تشهد مداً وجزراً بسبب عوامل مختلفة ومبهمة في معظم الأحيان، ويعزو التراجع الذي تشهده حالياً أيضاً إلى أسباب عدة محتملة تشمل الحد من الاحتكاك مع واشنطن وسط إطالة المحادثات النووية والمضي قدماً بتطوير برنامجها النووي، وترميم صورتها في العراق حيث تصاعدت ردود الفعل العنيفة المعادية لإيران، وتجنب الإفراط في استخدام القوة العسكرية في وقت تكثف فيه إيران من جهودها للانتقام من إسرائيل على خلفية تصعيد الأخيرة لحملتها السرية التي استهدفت برنامج إيران النووي وفيلق القدس والبنية التحتية الصناعية داخل إيران، ومراعاة التحذيرات الأميركية بشكل مؤقت".
"التهديد يجنب الحرب"
من جانبه كتب دنيس روس المبعوث الأميركي السابق للشرق الأوسط ومستشار معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدني، في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، "قد يكون تأجيج تأجيج مخاوف طهران السبيل الوحيد لتجنب الحرب".
وقال روس إن "لدى إدارة الرئيس بايدن رغبة قوية بوضع حد لتطور البرنامج النووي الإيراني وتجنب الاختيار من قائمة غير جذابة من الخيارات التي تهدف إلى منع طهران من تخصيب اليورانيوم بنسبة تقارب الدرجة المطلوبة لصنع الأسلحة النووية وتقليص وقت التخصيب إلى الصفر تقريباً".

وأضاف أنه في المقابل بالنسبة إلى إيران، "الدافع الأقوى هو تخفيف العقوبات والوصول إلى مليارات الدولارات الموجودة في حساباتها المجمدة، يدرك الإيرانيون جيداً أن إدارة بايدن مهتمة للغاية بالعودة لاتفاق 2015، لكن هناك اختلافاً بين الديمقراطيين والجمهوريين في واشنطن بشأن أفضل الطرق لمنع طهران من تجاوز العتبة النووية".
وبحسب روس، فمن أجل مواجهة "سياسات إيران الإقليمية المدمرة، وتطوير برنامجها النووي، فإن على واشنطن وحلفائها في المنطقة إعداد استراتيجية ردع متكاملة تعتمد على الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والاستخباراتية والسيبرانية والعسكرية"، مضيفاً "ستحتاج واشنطن أيضاً إلى توضيح موقفها ليس بشكل سري فحسب، بل أيضاً علانية، كذلك على واشنطن إخطار إيران واشتراط أن يتوقع المجتمع الدولي أنها سترد بكل الوسائل المناسبة إذا اكتشفت 


تحركاً نحو سلاح نووي".
وبعد أن بدا إحياء الاتفاق النووي وشيكاً في مارس (آذار) عادت المحادثات المستمرة منذ 11 شهراً بين إيران والقوى العالمية في فيينا إلى محطة التعثر، إثر ما كشفته تقارير أميركية حينها بسبب إصرار إيران على أن ترفع واشنطن الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأميركية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
وفي محاولة للتغلب على هذا التعثر وتضييق هوة الخلافات عقدت طهران وواشنطن محادثات غير مباشرة في قطر الشهر الماضي، لكنها انتهت من دون إحراز تقدم. وبحسب ما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن مسؤول كبير في البيت الأبيض فإن فرص إحياء الاتفاق تراجعت بعد المحادثات غير المباشرة التي جرت بين الولايات المتحدة وإيران في الدوحة.
وذكرت الصحيفة الأميركية أنه منذ محادثات الدوحة تشككت طهران في مدى تمسك الولايات المتحدة بإحياء الاتفاق النووي، في حين قالت واشنطن إن طهران أضافت مطالب جديدة لا علاقة لها ببحث برنامجها النووي في المحادثات.
العودة للمنطقة
من بين الأهداف الرئيسة لجولة بايدن إلى المنطقة، وفق التصريحات التي أدلى بها في أكثر من مناسبة، كان كذلك تأكيد محورية المنطقة استراتيجياً بالنسبة للسياسة الأميركية، وعدم السماح لمنافسي بلاده الدوليين (روسيا والصين) لملء فراغ الولايات المتحدة.
وفي كلمته خلال قمة "جدة للأمن والتنمية"، شدد الرئيس الأميركي على عدم "تخلي بلاده عن الشرق الأوسط" قائلاً "لن نترك فراغاً تملأه الصين أو روسيا أو إيران". وأضاف "اسمحوا لي أن أختتم بتلخيص كل هذا في جملة واحدة، الولايات المتحدة ملتزمة بناء مستقبل إيجابي في المنطقة بالشراكة معكم جميعاً، ولن تغادر"، لكن تساءل مراقبون بشأن قدرة واشنطن على القيام بذلك.


ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن (أ ف ب)

 
ووفق ما كتبه نتان ساشز، مدير مركز سياسات الشرق الأوسط بمعهد بروكنغز الأميركي، فإن جولة الرئيس الأميركي للشرق الأوسط "قد تنطوي على مخاطر، لكن إذا تم تنفيذها بشكل جيد ومناسب فيمكن للرحلة أن تسهم في نضج السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط".  أضاف "بعبارة أخرى، يمكن أن تساعد الزيارة الحالية في تحديد نقطة نهاية للعملية المطولة لإعادة التوازن إلى الدور الأميركي في الشرق الأوسط".
وذكر ساشز أن "نقطة النهاية هذه تقوم على نهج يرفض فكرة أن واشنطن مسؤولة عن كل جانب من جوانب شؤون الشرق الأوسط، لكنه لا يستبعد النفوذ الحقيقي الذي ما زالت تتمتع به في منطقة تحتاج إلى واشنطن بصورة أكبر من احتياج واشنطن إليها"، معتبراً أن "الهدف من الزيارة أكبر من مجرد ملف إمدادات الطاقة".
وأوضح "لا تزال منطقة الشرق لأوسط ذات أهمية عالية للولايات المتحدة، وعليه من المهم أن ترسي واشنطن علاقة أفضل مع حلفائها في المنطقة قائمة على احترام المصالح والقيم المتبادلة".
وقبل زيارته، كتب الرئيس الأميركي جو بايدن، مقالاً في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية تحت عنوان "لماذا أنا ذاهب إلى السعودية"، قال فيه إن رحلته تأتي في وقت حيوي للمنطقة "وتهدف لفتح صفحة جديدة واعدة أكثر، وستعزز مصالح أميركية مهمة"، مضيفاً أن من مصلحة بلاده "أن يكون الشرق الأوسط أكثر أمناً وتكاملاً بطرق كثيرة. فممراته المائية أساسية للتجارة الدولية وسلاسل الإمداد التي نتكل عليها. ومصادر الطاقة فيه حيوية للتخفيف من أثر الحرب الروسية في أوكرانيا"، مشدداً في الوقت ذاته على أنه "حين تتجاوز المنطقة مشكلاتها من خلال الدبلوماسية والتعاون، بدلاً من التفكك بسبب النزاع، تقل احتمالات التطرف العنيف والحروب".
إلا أنه وبحسب ما قالت "نيويورك تايمز" الأميركية، فإن بايدن وجد خلال زيارته "شرق أوسط مختلف" عن آخر زيارة له في عام 2016، حين كان نائباً للرئيس السابق باراك أوباما. وقالت الصحيفة الأميركية، تغيرت في المنطقة "التحالفات والأولويات والعلاقات مع الولايات المتحدة بشكل كبير منذ رحلة بايدن الرسمية الأخيرة قبل 6 أعوام".
وذكرت الصحيفة أنه "عندما زار بايدن إسرائيل آخر مرة قبل 6 أعوام كانت لتل أبيب علاقات دبلوماسية مع دولتين عربيتين فقط (مصر والأردن)، لكن الآن أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظام البيئي الدبلوماسي للشرق الأوسط بعد صفقات عدة توسطت فيها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، التي أدت للوصول لاتفاقات سلام مع 3 دول عربية أخرى، البحرين والمغرب والإمارات"، مشيرة إلى أن من بين أولويات الإدارة الأميركية الراهنة "تقوية علاقات إسرائيل مع الدول العربية وتعزيز الشراكات الناشئة بينها لمواجهة التهديدات الإيرانية".